للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَالْبِكْرُ مَعَ شَاهِدِهَا تُحَلَّفُ ... وَفِي ادِّعَاءِ الْوَطْءِ أَيْضًا تَحْلِفُ

وَفِي سِوَى الْمَشْهُورِ يَحْلِفُ الْأَبُ ... عَنْ ابْنِهِ وَحَلْفُ الِابْنِ مَذْهَبُ

يَعْنِي أَنَّ الْبِكْرَ الْبَالِغَ إذَا قَامَ لَهَا شَاهِدٌ بِحَقٍّ فَإِنَّهَا تَحْلِفُ مَعَهُ وَتَسْتَحِقُّ، وَهَذَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي السَّفِيهِ الْبَالِغِ حَيْثُ قَالَ: " وَالْبَالِغُ السَّفِيهُ " الْبَيْتَ وَكَذَلِكَ أَيْضًا إذَا خَلَا بِهَا الزَّوْجُ خَلْوَةَ اهْتِدَاءٍ وَادَّعَتْ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَهُ الزَّوْجُ، فَإِنَّ خَلْوَتَهُ بِهَا شَاهِدٌ عُرْفِيٌّ يَشْهَدُ لَهَا فَتَحْلِفُ مَعَهُ وَتَسْتَحِقُّ الصَّدَاقَ كَامِلًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا فِي قَوْلِهِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَقْسَامِ الشَّهَادَةِ وَهِيَ الَّتِي تُوجِبُ الْحَقَّ مَعَ الْيَمِينِ، " وَهَا هُنَا عَنْ شَاهِدٍ " الْبَيْتَ وَعَلَى هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ.

(قَالَ) ابْنُ سَهْلٍ فِي أَحْكَامِهِ عَنْ ابْنِ لُبَابَةَ: إنَّ الْعَوَاتِقَ الْأَبْكَارَ لَا يَمِينَ عَلَى مَنْ لَمْ تَطْلُقْ مِنْهُنَّ مِنْ الْوِلَايَةِ إلَّا فِي شَيْءٍ يَكُونُ لَهُنَّ بِهِ شَاهِدٌ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُنَّ يَحْلِفْنَ كَمَا يَحْلِفُ السَّفِيهُ، وَفِي مِثْلِ ادِّعَائِهِنَّ عَلَى الْأَزْوَاجِ الْوَطْءَ اهـ. وَأَمَّا الْبَيْتُ الثَّانِي فَقَدْ اسْتَدْرَكَ فِيهِ قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الصَّبِيِّ، يَقُومُ لَهُ شَاهِدٌ بِحَقٍّ، فَقَدْ قَدَّمَ فِيهِ قَوْلًا وَاحِدًا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي قَوْلِهِ: " يَحْلِفُ مُنْكِرٌ وَحَقٌّ وَقَفَا " الْبَيْتَ وَذَكَرَ هُنَا قَوْلَيْنِ آخَرَيْنِ مُقَابِلَيْنِ لِلْمَشْهُورِ، وَلِذَلِكَ قَالَ: " وَفِي سِوَى الْمَشْهُورِ " أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَبَ يَحْلِفُ عَنْ ابْنِهِ الصَّغِيرِ، الثَّانِي: أَنَّ الصَّبِيَّ هُوَ الَّذِي يَحْلِفُ.

(قَالَ الشَّارِحُ) قَوْلُهُ " وَحَلِفُ الِابْنِ مَذْهَبٌ " يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ الِابْنَ يَحْلِفُ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا، وَسَاقَهُ بِالتَّنْكِيرِ إشْعَارًا بِأَنَّهُ مَذْهَبٌ لَا يَخْلُو مِنْ شُذُوذٍ لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ عَلَى الْأُصُولِ، وَفِيهِ إشْكَالٌ كَمَا يَأْتِي، ثُمَّ قَالَ وَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَلَيْسَ لِوَصِيِّ الصَّغِيرِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدٍ وَيَسْتَحِقُّ حَقَّهُ، وَاخْتُلِفَ هَلْ ذَلِكَ لِلْأَبِ أَمْ لَا؟ فَالْمَشْهُورُ الْمَعْلُومُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتِهِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ.

(وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ) : ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَمُونُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَهَذَا فِيمَا لَمْ يَلِ فِيهِ الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ الْمُعَامَلَةَ؛ لِأَنَّ مَا وَلِيَ فِيهِ أَحَدُهُمَا الْمُعَامَلَةَ فَالْيَمِينُ عَلَيْهِ وَاجِبَةٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَحْلِفْ غُرِّمَ وَقَدْ وَقَعَ فِي كِتَابٍ جُمِعَتْ فِيهِ أَقْضِيَةُ مَالِكٍ وَاللَّيْثِ أَنَّ الصَّغِيرَ يَحْلِفُ مَعَ شَاهِدِهِ كَالسَّفِيهِ وَهُوَ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ فَلَا يَتَحَرَّجُ مِنْ الْحَلِفِ عَلَى بَاطِلٍ. .

[بَابُ الرَّهْنِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ]

ِ (ابْنُ عَرَفَةَ) الرَّهْنُ مَالٌ قُبِضَ تَوَثُّقًا بِهِ فِي دَيْنٍ فَتَخْرُجُ الْوَدِيعَةُ وَالْمَصْنُوعُ بِيَدِ صَانِعِهِ، وَقَبْضُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَبْدًا جَنَى عَلَيْهِ وَإِنْ شَارَكَهُ فِي الْأَحَقِّيَّةِ لِجَوَازِ اشْتِرَاكِ الْمُخْتَلِفَاتِ فِي أَمْرٍ يَخُصُّهَا، وَلَا تَدْخُلُ وَثِيقَةُ ذِكْرِ الْحَقِّ وَلَا الْحَمِيلُ، وَلَا يَخْرُجُ مَا اُشْتُرِطَتْ مَنْفَعَتُهُ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا لَا يُنَافِي قَبْضَهُ لِلتَّوَثُّقِ. اهـ.

(فَقَوْلُهُ مَالٌ) جِنْسُ مُنَاسِبِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِمَعْنَى الْمَرْهُونِ وَحَدُّ الِاسْمِ دُونَ الْمَصْدَرِ الَّذِي هُوَ إعْطَاءُ مَالٍ تَوَثُّقًا بِحَقٍّ؛ لِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسْتَعْمَلُ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، (قَوْلُهُ قُبِضَ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتَقَرَّرُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَإِنْ وَقَعَ مِنْهُ صِحَّةُ التَّوَثُّقِ بِهِ، (قَوْلُهُ فِي دَيْنٍ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ فِي مُعَيَّنٍ، وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ فِي دَيْنٍ، وَالدَّيْنُ لَا يَتَقَرَّرُ فِي الْمُعَيَّنَاتِ (فَإِنْ قُلْت) وَقَعَ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الرَّهْنَ يَصِحُّ فِي الْعَارِيَّةِ، وَإِطْلَاقُهُمْ يَدُلُّ عَلَى الْحَقِيقَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَالْحَدُّ غَيْرُ جَامِعٍ (قُلْت) الْجَوَابُ: أَنَّ الرَّهْنَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَكُنْ فِي الْمُعَيَّنِ، وَإِنَّمَا ذَلِكَ فِي قِيمَتِهِ إذَا هَلَكَ وَكَانَ مِمَّا يُغَابُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَأَوَّلُوا مَا وَقَعَ لَهُمْ وَهُوَ صَحِيحٌ صَحَّ مِنْ الرَّصَّاعِ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَإِذَا كَانَ فِي الْعَارِيَّةِ فَهُوَ فِي الْقِيمَةِ فِيمَا يُغَابُ عَلَيْهِ. (وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ) الرَّهْنُ إعْطَاءُ أَمْرٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ. اهـ.

(التَّوْضِيحُ) الرَّهْنُ لُغَةً اللُّزُومُ، وَالْحَبْسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] أَيْ: مَحْبُوسَةٌ، وَالرَّاهِنُ دَافِعُ الرَّهْنِ وَالْمُرْتَهِنُ بِكَسْرِ الْهَاءِ آخِذُهُ، وَيُقَالُ لِلرَّهْنِ مُرْتَهَنٌ بِفَتْحِ الْهَاءِ، وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى آخِذِهِ؛ لِأَنَّهُ وُضِعَ عِنْدَهُ الرَّهْنُ، وَعَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُسْأَلُ الرَّهْنَ.

(الْجَوْهَرِيُّ وَالنَّوَوِيُّ) يُقَالُ رَهَنْتُهُ الشَّيْءَ وَأَرْهَنْتُهُ وَجَمْعُ الرَّهْنِ رِهَانٌ وَرُهُونٌ وَرُهُنٌ (ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ) وَأَتَى بِلَفْظِ أَمْرٍ لِيَشْمَلَ الذَّوَاتَ وَالْمَنَافِعَ؛ لِأَنَّهُ يَصِحُّ رَهْنُهُمَا، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ إعْطَاءُ الْإِقْبَاضِ، لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَتِمُّ بِمُجَرَّدِ

<<  <  ج: ص:  >  >>