للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ وَأَفْسَدَهُ أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَفْسَدَهُ، وَهَذَا إذَا أَبْقَى الشَّيْءَ مَعِيبًا أَمَا إذَا ذَهَبَ رَأْسًا كَمَا إذَا أَحْرَقَ ثَوْبًا، فَلَيْسَ إلَّا الرُّجُوعَ بِالْقِيمَةِ وَأَمَّا إنْ كَانَ مَا فَعَلَ الْمُتَعَدِّي يَسِيرًا بِحَيْثُ كَانَ الشَّيْءُ بَعْدَ تَلَفِهِ مَازَالَ يُنْتَفَعُ بِهِ مِثْلَ مَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ إلَّا الْأَرْشُ وَهُوَ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ سَالِمًا وَمَعِيبًا بَعْدَ إصْلَاحِ مَا يَقْبَلُ الْإِصْلَاحَ مِنْ ذَلِكَ؛ كَرَفْوِ الثَّوْبِ مِمَّا حَدَثَ فِيهِ مِنْ الْقَطْعِ، وَكَالسَّيْفِ يُصْلِحُ مَا حَدَثَ فِيهِ مِنْ الْفُلُولِ.

(قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) : قُلْتُ: فَمَنْ كَسَرَ صَحْفَةً لِرَجُلٍ أَوْ عَصًا أَوْ شَقَّ لَهُ ثَوْبًا، فَقَالَ: قَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَفْسَدَ لِرَجُلٍ ثَوْبًا: إنْ كَانَ فَسَادًا يَسِيرًا. كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُوَهُ ثُمَّ يَغْرَمَ مَا نَقَصَهُ بَعْدَ الرَّفْوِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا أَخَذَ الثَّوْبَ وَغَرِمَ قِيمَتَهُ يَوْمَ أَفْسَدَهُ، فَاَلَّذِي سَأَلْتَ عَنْهُ هُوَ عَلَى مِثْلِ هَذَا. قَالَ: وَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الثَّوْبِ أَنْ يَتْبَعَهُ بِمَا أَفْسَدَ بِحَبْسِ الثَّوْبِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ الْفَسَادُ كَثِيرًا. وَفِي الْجَوَاهِرِ: وَقَالَ أَشْهَبُ فِي الْفَسَادِ الْكَثِيرِ: إنَّمَا لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ جَمِيعِ الثَّوْبِ أَوْ يَأْخُذَهُ بِنَقْصِهِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا نَقَصَهُ وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مَرَّةً، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ قَالَ: وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْأَوَّلِ فَفِي مَعْنَى الْفَسَادِ مَا أَتْلَفَ الْغَرَضَ الْمَقْصُودَ، وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الصُّورَةِ يَسِيرَةً؛ مِثْلَ قَطْعِ ذَنَبِ الدَّابَّةِ أَوْ أُذُنِهَا ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ:

كَالْمُتَعَدِّي غَاصِبِ الْمَنَافِعِ

فَرَاجِعْهُ إنْ شِئْتَ.

[فَصْلٌ فِي الِاغْتِصَابِ]

ِ

وَوَاطِئٌ لِحُرَّةٍ مُغْتَصِبَا ... صَدَاقُ مِثْلِهَا عَلَيْهِ وَجَبَا

إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ وَلَوْ بِبَيِّنَهْ ... بِأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا مُعْلِنَهْ

وَقِيمَةُ النَّقْصِ عَلَيْهِ فِي الْأَمَهْ ... هَبْهَا سِوَى بِكْرٍ وَغَيْرَ مُسْلِمَهْ

وَالْوَلَدُ اُسْتُرِقَّ حَيْثُ عُلِمَا ... وَالْحَدُّ مَعْ ذَاكَ عَلَيْهِ فِيهِمَا

يَعْنِي أَنَّ مَنْ غَصَبَ امْرَأَةً وَأَكْرَهَهَا عَلَى الزِّنَا وَزَنَى بِهَا مُكْرَهَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، إنْ ثَبَتَ الْوَطْءُ إمَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْوَطْءِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ بِأَنَّهُ غَابَ عَلَيْهَا غَيْبَةً يُمْكِنُ وُقُوعُ الْوَطْءِ فِيهَا وَادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ، وَإِنْ لَمْ يُشَاهَدْ وَطْؤُهُ لَهَا وَغَيَّا النَّاظِمُ بِهَذِهِ الصُّورَةِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ عَدَمُ وُجُوبِ الصَّدَاقِ فِيهَا؛ فَيَكُونُ غَيْرُهَا مِنْ الْإِقْرَارِ بِالْوَطْءِ أَوْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ أَحْرَى فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ. وَهَذَا إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ حُرَّةً، وَإِنْ كَانَتْ أَمَةً فَإِنَّ عَلَيْهِ مَا نَقَصَهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ كَافِرَةً، وَوَلَدُهُ رَقِيقٌ لِسَيِّدِهَا إذَا عَلِمَ ذَلِكَ وَثَبَتَ بِأَحَدِ الْوُجُوهِ الْمَذْكُورَةِ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: حَيْثُ عَلِمَا وَفَسَّرَهُ الشَّارِحُ بِقَوْلِهِ: إذَا عَلِمَ بِرِقِّهَا. اهـ فَتَأَمَّلْهُ فَإِنَّهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ:) وَكَذَلِكَ مَنْ اسْتَكْرَهَ أَمَةً أَوْ حُرَّةً فَوَطِئَهَا فَعَلَيْهِ فِي الْحُرَّةِ صَدَاقُ مِثْلِهَا وَفِي الْأَمَةِ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، خِلَافَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا صَدَاقَ عَلَيْهِ مَعَ الْحَدِّ، وَهَذَا إذَا ثَبَتَ عَلَيْهِ الْوَطْءُ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ عَلَى مُعَايَنَةِ الْفِعْلِ، أَوْ أَقَرَّ بِذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، أَوْ ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَيْهِ مَعَ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عَلَى غَيْبَتِهِ عَلَيْهَا. اهـ اسْتَطْرَدَ الشَّارِحُ عَنْ الْمُقَرَّبِ حُكْمَ مَنْ اغْتَصَبَ امْرَأَةً وَوَطِئَهَا فِي دُبُرِهَا وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَاقُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَدُّ إلَّا بِالْإِقْرَارِ أَوْ بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْوَطْءِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ الشَّهَادَةُ إلَّا عَلَى الِاغْتِصَابِ وَالْخَلْوَةِ وَادَّعَتْ الْمَرْأَةُ الْوَطْءَ وَأَنْكَرَ هُوَ، فَإِنَّهُ لَا حَدَّ عَلَيْهِ بَلْ يُعَاقَبُ عُقُوبَةً شَدِيدَةً. وَوَاطِئٌ مُبْتَدَأٌ سَوَّغَهُ الْعَمَلُ فِي الْحُرَّةِ وَمُغْتَصِبًا حَالٌ مِنْ وَاطِئٍ لِتَخْصِيصِهِ بِالْعَمَلِ الْمَذْكُورِ، وَصَدَاقُ مِثْلِهَا مُبْتَدَأٌ، وَجُمْلَةُ وَجَبَا عَلَيْهِ خَبَرُهُ، وَالْجُمْلَةُ الْكُبْرَى خَبَرُ وَاطِئٍ، وَمُعْلِنَةٌ صِفَةُ بَيِّنَةٍ، وَغَيْرَ مُسْلِمَةٍ بِالنَّصْبِ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَفْعُولِ الثَّانِي لِهَبْ وَهُوَ سِوَى، وَعُلِمَ بِالْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ أَيْ شَاعَ، وَعُلِمَ وَضَمِيرُ عَلَيْهِ لِلْوَاطِئِ، وَضَمِيرُ فِيهِمَا لِلْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>