للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَإِنْ يَكُنْ ذَا الْغَصْبُ بِالدَّعْوَى فَفِي ... تَفْصِيلِهِ بَيَانٌ حُكْمُهُ يَفِي

فَحَيْثُمَا الدَّعْوَى عَلَى مَنْ قَدْ شُهِرْ ... بِالدِّينِ وَالصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ نُظِرْ

فَإِنْ تَكُنْ بَعْدَ التَّرَاخِي زَمَنَا ... حُدَّتْ لِقَذْفٍ وَبِحَمْلٍ لِلزِّنَا

وَحَيْثُمَا رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِيّ ... فَالْحَدُّ تَسْتَوْجِبُهُ فِي الْأَظْهَرِ

وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالًا إنْ جُهِلْ ... حَالٌ لَهَا أَوْ لَمْ تَحُزْ صَوْنًا نُقِلْ

وَإِنْ تَكُنْ مِمَّنْ لَهَا صَوْنٌ فَفِي ... وُجُوبِهِ تَخْرِيجًا الْخُلْفُ قُفِيّ

وَحَيْثُ قِيلَ لَا تُحَدُّ إنْ نَكَلْ ... فَالْمَهْرُ مَعْ يَمِينِهَا لَهُ حَصَلْ

وَمَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِالْعَفَافِ ... مَهْرٌ وَلَا حَلْفٌ بِلَا خِلَافِ

لَمَّا قَدَّمَ حُكْمَ مَا إذَا ثَبَتَ الْغَصْبُ بِبَيِّنَةٍ ذَكَرَ هُنَا حُكْمَ مَا إذَا كَانَ ذَلِكَ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْمَرْأَةِ وَقَسَّمَ الْمَسْأَلَةَ إلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ.

وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ إمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالدِّينِ وَالْخَيْرِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَجْهُولَ الْحَالِ، لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ دَيِّنًا أَوْ لَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِالْفِسْقِ وَقِلَّةِ الدِّينِ فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَحْوَالٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْهَا إمَّا أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ حَالَةَ وُقُوعِهِ وَجَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ وَإِمَّا أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ وَتَكَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ الثَّمَانِيَةِ عَلَى مَا إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَى الْمُشْتَهَرِ بِالدِّينِ أَوْ عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ، وَلَمْ تَقُمْ فِي الْوَجْهَيْنِ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ مُضِيِّ زَمَانٍ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا ادَّعَتْ ذَلِكَ عَلَى مَنْ شُهِرَ بِالدِّينِ وَتَرَاخَتْ الدَّعْوَى، فَإِنَّهَا تُحَدُّ حَدَّ قَذْفِهَا لِلرَّجُلِ الْمَشْهُورِ بِالدِّينِ وَلِلزِّنَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَيَتَعَدَّدُ الْحَدَّانِ لِاخْتِلَافِ مُوجِبِهِمَا فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَفِي وُجُوبِ حَدِّ الزِّنَا عَلَيْهَا قَوْلَانِ الْأَظْهَرُ وُجُوبُهُ وَإِلَى هَذَا كُلِّهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ يَكُنْ ذَا الْغَصْبُ إلَى قَوْلِهِ:

وَحَيْثُمَا رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِيّ

الْبَيْتَ، أَيْ مِنْ الْحَمْلِ.

(وَفِي الْمُخْتَصَرِ لِلشَّيْخِ خَلِيلٍ) وَإِنْ ادَّعَتْ اسْتِكْرَاهًا عَلَى غَيْرِ لَائِقٍ بِلَا تَعَلُّقٍ حُدَّتْ لَهُ، وَهَذَا كُلُّهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَرْأَةِ، وَأَمَّا الرَّجُلُ فَلَا صَدَاقَ عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي قَوْلِهِ فِي الْبَيْتِ الثَّامِنِ: وَمَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِالْعَفَافِ مَهْرٌ وَلَا حَلِفٌ وَأَحْرَى أَنْ لَا حَدَّ عَلَيْهِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِي قَوْلِهِ: وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالًا، الْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ حُكْمَ مَا إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ وَتَرَاخَى قِيَامُهَا أَيْضًا، وَذَكَرَ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ لِحَالِ الْمَرْأَةِ فَإِنْ جُهِلَ حَالُهَا أَوْ عُلِمَ كَوْنُهَا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ بِالصِّيَانَةِ، فَالْحُكْمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَشْهُورِ بِالدِّينِ مِنْ أَنَّهَا تُحَدُّ لِلزِّنَا وَالْقَذْفِ وَإِنْ عُلِمَ كَوْنُهَا مَوْصُوفَةً بِالصِّيَانَةِ فَفِي وُجُوبِ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهَا لِلرَّجُلِ الْمَجْهُولِ الْحَالِ قَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ، وَعَلَى كَوْنِهَا لَا تُحَدُّ يَحْلِفُ لِرَدِّ دَعْوَاهَا فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَأَخَذَتْ مِنْهُ الصَّدَاقَ وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَذَاكَ فِي الْمَجْهُولِ حَالًا، الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ:

وَمَا عَلَى الْمَشْهُورِ بِالْعَفَافِ

الْبَيْتَ، فَهُوَ مِنْ تَمَامِ الدَّعْوَى عَلَى الْمَشْهُورِ بِالدِّينِ فَمَحَلُّهُ بَعْدَ قَوْلِهِ:

وَحَيْثُمَا رَحِمُهَا مِنْهُ بَرِيّ،

الْبَيْتَ وَكَأَنَّهُ مُؤَخَّرٌ مِنْ تَقْدِيمٍ، وَفُهِمَ مِنْ التَّفْصِيلِ فِي الْمَرْأَةِ حَيْثُ الدَّعْوَى عَلَى مَجْهُولِ الْحَالِ أَنَّهُ لَا يُفَصَّلُ فِيهَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْمَشْهُورِ بِالدِّينِ بَلْ الْحُكْمُ مَا تَقَدَّمَ، كَيْفَ كَانَ حَالُ الْمَرْأَةِ هَذَا مَا تُعْطِيهِ أَلْفَاظُ النَّاظِمِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ. (قَالَ الشَّارِحُ) : وَقَدْ اعْتَمَدَ النَّاظِمُ فِي هَذَا الْفَصْلِ كَلَامَ ابْنِ رُشْدٍ فِي مُقَدِّمَاتِهِ قَالَ فِيهَا مُتَّصِلًا بِمَا تَقَدَّمَ عَنْهُ فِي الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا إنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَنَّهُ اسْتَكْرَهَهَا فَغَابَ عَلَيْهَا وَوَطِئَهَا وَلَا بَيِّنَةَ لَهَا عَلَى دَعْوَاهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقَسِمُ عَلَى وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَالثَّانِي: أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ مُتَّهَمٍ يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَنْقَسِمُ إلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَأْتِيَ مُسْتَغِيثَةً مُتَعَلِّقَةً بِهِ مُتَشَبِّثَةً فَاضِحَةً نَفْسَهَا تَدَّعِي إنْ كَانَتْ بِكْرًا.

وَالثَّانِي: أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَشَبُّثٍ، وَلَا تَدْمَى، وَهِيَ بِكْرٌ فَيَأْتِي فِي جُمْلَةِ الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ: فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَهِيَ غَيْرُ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ فَهَذَا لَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَى الرَّجُلِ وَأَنَّهَا تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَحَدَّ الزِّنَا إنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَظْهَرْ بِهَا حَمْلٌ فَيُخَرَّجُ وُجُوبُ حَدِّ الزِّنَا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>