الزَّوْجِ أَوْ طَلَاقِهِ مَا نَصُّهُ (فَإِنْ قُلْت) أَطْلَقَ الشَّيْخُ فِي قَوْلِهِ لِفَسْخِهِ فَظَاهِرُهُ: أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ إذَا فُسِخَ تَجِبُ فِيهِ الْعِدَّةُ، وَلَوْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ (قُلْتُ) كَذَلِكَ وَقَعَ فِي إطْلَاقِ ابْنِ الْحَاجِبِ وَقَالَ شَارِحُهُ: هُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهَا: وَمَا فُسِخَ مِنْ نِكَاحٍ فَاسِدٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ فَالْعِدَّةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ كَالْعِدَّةِ فِي الصَّحِيحِ. وَنَقَلَ الشَّيْخُ عَنْ اللَّخْمِيِّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مُجْمَعًا عَلَى فَسَادِهِ فَثَلَاثُ حِيَضٍ. وَقِيلَ: حَيْضَةٌ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ فَثَلَاثٌ، وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِالتَّحْرِيمِ الْمُجْمَعِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِنِكَاحٍ، وَالرَّسْمُ يَدُلُّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ نِكَاحٌ فَفُسِخَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - اهـ. كَلَامُ الرَّصَّاعِ.
[بَابُ النَّفَقَةِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا]
(ابْنُ عَرَفَةَ) النَّفَقَةُ مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ حَالِ آدَمِيٍّ دُونَ سَرَفٍ (الرَّصَّاعُ) قَوْلُهُ: " مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ حَالِ آدَمِيٍّ " أَخْرَجَ بِهِ مَا بِهِ قِوَامُ مُعْتَادِ غَيْرِ آدَمِيٍّ، وَمَا لَيْسَ مُعْتَادًا فِي حَالِ الْآدَمِيِّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعًا. وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: " دُونَ سَرَفٍ " السَّرَفَ، فَلَيْسَ بِنَفَقَةٍ شَرْعًا إلَخْ، وَلَا يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِهِ، وَالْمُرَادُ هُنَا بِالنَّفَقَةِ: النَّفَقَةُ الَّتِي يُحْكَمُ بِهَا. وَفِي دُخُولِ الْكُسْوَةِ فِي النَّفَقَةِ خِلَافٌ مَشْهُورٌ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَهْلٍ وَغَيْرُهُ، وَعَلَيْهِ مَنْ الْتَزَمَ نَفَقَةَ رَجُلٍ، هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ كُسْوَتُهُ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ زَرْبٍ أَوْ لَا تَجِبُ؟ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ سَهْلٍ وَابْنِ رُشْدٍ وَغَيْرِهِمْ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لِأَنَّ النَّفَقَةَ وَإِنْ كَانَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الْعُمُومِ فَقَدْ تُعُرِّفَتْ عِنْدَ أَكْثَرِ النَّاسِ بِالطَّعَامِ دُونَ الْكُسْوَةِ. (قَالَ الشَّارِحُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - مَا حَاصِلُهُ) : إنَّ النَّفَقَةَ مَوْضُوعَةٌ لِلطَّعَامِ وَالْكُسْوَةِ، ثُمَّ تَخَصَّصَتْ عِنْدَنَا عُرْفًا بِالطَّعَامِ فَقَطْ اهـ. وَقَوْلُهُ: " وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا " الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِالنَّفَقَةِ مَا يَجِبُ مِنْهَا لِلْمُطَلَّقَاتِ، وَمَا يَلْحَقُ بِهَا مِنْ كُسْوَةٍ وَإِسْكَانٍ، وَحُكْمِ الْمُعْسِرِ بِهَا.
وَيَجِبُ الْإِنْفَاقُ لِلزَّوْجَاتِ ... فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ
وَالْفَقْرُ شَرْطُ الْأَبَوَيْنِ وَالْوَلَدْ ... عَدَمُ مَالٍ وَاتِّصَالٌ لِلْأَمَدْ
فَفِي الذُّكُورِ لِلْبُلُوغِ يَتَّصِلْ ... وَفِي الْإِنَاثِ بِالدُّخُولِ يَنْفَصِلْ
وَالْحُكْمُ فِي الْكُسْوَةِ حُكْمُ النَّفَقَهْ ... وَمُؤَنُ الْعَبْدِ تَكُونُ مُطْلَقَهْ
ذَكَرَ فِي هَذِهِ الْأَبْيَاتِ أَسْبَابَ وُجُوبِ النَّفَقَةِ وَشُرُوطَهَا، وَأَسْبَابُهَا - كَمَا قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ثَلَاثَةٌ: النِّكَاحُ، وَالْقَرَابَةُ، وَالْمِلْكُ، فَتَجِبُ فِي النِّكَاحِ بِالدُّخُولِ، أَوْ بِالدُّعَاءِ إلَى الدُّخُولِ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا مَرَضَ السِّيَاقِ وَالزَّوْجُ بَالِغٌ وَالزَّوْجَةُ مُطِيقَةٌ لِلْوَطْءِ. كَذَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ وَجَعَلَ فِي التَّوْضِيحِ السَّلَامَةَ مِنْ الْمَرَضِ، وَالْبُلُوغَ فِي الزَّوْجِ، وَإِطَاقَةَ الْوَطْءِ فِي الزَّوْجَةِ، شُرُوطًا فِي الدُّعَاءِ لِلدُّخُولِ، فَإِذَا دُعِيَ إلَيْهِ وَقَدْ اخْتَلَّ أَحَدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ فَلَا تَجِبُ، أَمَّا إنْ دَخَلَ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِغَيْرِ شَرْطٍ.
وَجَعَلَهَا اللَّقَانِيِّ شَرْطًا فِي الدُّخُولِ وَفِي الدُّعَاءِ إلَيْهِ، فَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ وَلَوْ دَخَلَ بِهَا إلَّا إذَا بَلَغَ الزَّوْجُ، وَأَطَاقَتْ الزَّوْجَةُ الْوَطْءَ، وَلَمْ يُعَضِّدْهُ بِنَقْلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ شَرْطٌ فِي الدُّعَاءِ فَقَطْ، كَمَا فِي التَّوْضِيحِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَتُعْتَبَرُ بِحَالِ الزَّوْجِ، وَالزَّوْجَةِ، وَالْبَلَدِ، وَالسِّعْرِ، وَتَجِبُ نَفَقَتُهَا كَانَتْ غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً حُرَّةً أَوْ أَمَةً، كَانَ الزَّوْجُ حُرًّا أَوْ عَبْدًا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:
فِي كُلِّ حَالَةٍ مِنْ الْحَالَاتِ
(ابْنُ سَلْمُونٍ) وَعَلَى الْعَبْدِ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ الْحُرَّةِ، وَكِسْوَتُهَا طُولَ بَقَائِهَا فِي عِصْمَتِهِ مِنْ كَسْبِهِ، وَلَا يَمْنَعُهُ سَيِّدُهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ الزَّوْجَةُ أَمَةً فَنَفَقَتُهَا كَذَلِكَ عَلَى زَوْجِهَا، حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا، بَوَّأَهَا مَعَهُ السَّيِّدُ بَيْتًا أَمْ لَا.
وَقَالَ أَشْهَبُ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَى الزَّوْجِ بِحَالٍ وَهِيَ عَلَى السَّيِّدِ، وَقِيلَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ أَنْ يُبَوِّئَهَا سَيِّدُهَا مَعَ زَوْجِهَا بَيْتًا فَتَلْزَمُ الزَّوْجَ أَوْ لَا يُبَوِّئُهَا فَتَسْقُطُ عَنْ الزَّوْجِ، اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْقَرَابَةِ: فَعَلَى الْأَوْلَادِ الصِّغَارِ الَّذِينَ لَا مَالَ لَهُمْ عَلَى الذُّكُورِ حَتَّى يَحْتَلِمُوا، وَلَا زَمَانَةَ بِهِمْ، وَعَلَى الْإِنَاثِ حَتَّى يُنْكَحْنَ وَيَدْخُلَ بِهِنَّ أَزْوَاجُهُنَّ وَعَلَى الْأَبَوَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ فِي الْمُنْفِقِ وَالْمُنْفَقِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا الْمَمْلُوكُ: فَنَفَقَتُهُ عَلَى مَالِكِهِ، وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أَوْلَادِهِ وَلَا نَفَقَةُ أَبَوَيْهِ، إذْ لَيْسَ لَهُ إتْلَافُ مَالِ سَيِّدِهِ وَلَا يَطْلُبُهُ