للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِزْقِ الْحَاكِمِ الَّذِي يَصْرِفُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ بِأُمُورٍ لَيْسَتْ لَازِمَةً لَهُمْ بِأَعْيَانِهِمْ، وَمَنْ قَامَ بِمِثْلِ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَرِزْقُهُ مِنْ بَيْتِ مَالِهِمْ.

وَلَمَّا تَعَذَّرَ إجْرَاءُ ذَلِكَ مِنْ مَوْضِعِهِ نَظَرَ الْفُقَهَاءُ بِمَا يُوجِبُهُ الِاجْتِهَادُ عَلَى مَنْ تَكُونُ أُجْرَةُ هَذَا الصِّنْفِ؟ فَاقْتَضَى النَّظَرُ أَنَّهُ عَلَى مَنْ يَحْتَاجُ إلَى إحْضَارِ خَصْمِهِ وَإِمْسَاكِهِ، وَبَعَثَهُ إلَى مَوْضِعِ انْتِصَافِهِ مِنْهُ بِقَضَاءِ مَالِهِ عَلَيْهِ أَوْ إعْطَاءِ رَهْنٍ أَوْ حَمِيلٍ أَوْ اقْتِضَاءِ يَمِينٍ أَوْ حَبْسِ هَذَا إنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمَطْلُوبِ مَطْلٌ وَلَا لَجَاجٌ، فَإِنْ ظَهَرَ ذَلِكَ مِنْهُ أَلْزَمَهُ الْفُقَهَاءُ أُجْرَةَ هَذَا الْعَوْنِ؛ لِكَوْنِهِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - ظَالِمًا، وَالظَّالِمُ أَحَقُّ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهِ، وَعَلَى كَوْنِ أُجْرَةِ الْعَوْنِ عَلَى الطَّالِبِ إلَّا إذَا تُبُيِّنَ مَطْلٌ وَلَدَدٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ حِينَئِذٍ تَكُونُ عَلَيْهِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِهَذَا الْبَيْتِ

وَاللَّدَدُ شِدَّةُ الْخُصُومَةِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ لَدَّهُ خَصْمُهُ فَهُوَ لَادٌّ وَلَدُودٌ ا. هـ. وَالنَّاظِمُ اسْتَعْمَلَهُ رُبَاعِيًّا مِنْ الْإِلْدَادِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ الْإِلْدَادُ الْمَطْلُ يُقَالُ مِنْهُ أَلَدَّ فُلَانٌ بِحَقِّ فُلَانٍ يُلِدُّ إلْدَادًا عَلَى وَزْنِ أَنْشَدَ يُنْشِدُ إنْشَادًا، وَأَلَدَّ عَلَى وَزْنِ أَلْدَدَ وَيُلِدُّ عَلَى وَزْنِ يُلْدِدُ وَلَمَّا تَحَرَّكَتْ الدَّالَانِ - وَهُمَا مُتَمَاثِلَانِ - أَدْغَمُوا إحْدَاهُمَا فِي الْأُخْرَى قَالَ بَعْضُ مَنْ شَرَحَ هَذَا النَّظْمَ: وَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ فَإِنْ عَنَى أَنَّهُ شَرَحَ غَرِيبَ الْمُدَوَّنَةِ فِي كِتَابِهِ الْمَشْهُورِ بِالصِّحَاحِ كُلُّ لَفْظَةٍ فِي مَحَلِّهَا حَسْبَمَا اقْتَضَاهُ صَنِيعُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ أَلْفَاظَ الْمُدَوَّنَةِ بَلْ اللَّفْظُ اللُّغَوِيُّ وَقَعَ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَوْ لَا فَظَاهِرٌ.

وَإِنْ أَرَادَ أَنَّ الْجَوْهَرِيَّ أَلَّفَ كِتَابًا مُسْتَقِلًّا فِي شَرْحِ غَرِيبِ الْمُدَوَّنَةِ بِالْخُصُوصِ، فَهَذَا أَغْرَبُ مِنْ غَرِيبٍ إذْ لَمْ نَرَ مِمَّا وَقَفْنَا عَلَيْهِ مِنْ شُرُوحِ الْمُدَوَّنَةِ أَوْ حَوَاشِيهَا مَنْ نُقِلَ عَنْهُ وَلَا ذَكَرَهُ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

[فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الْقَضَاءِ]

ِ

وَلَيْسَ بِالْجَائِزِ لِلْقَاضِي إذَا ... لَمْ يَبْدُ وَجْهُ الْحُكْمِ أَنْ يُنَفِّذَا

ذَكَرَ فِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْقَضَاءِ وَذَلِكَ مَنْعُ تَنْفِيذِ الْحُكْمِ قَبْلَ ظُهُورِ وَجْهِهِ، وَالصُّلْحِ بَيْنَ الْخُصُومِ وَتَلْقِينِ الْقَاضِي الْخَصْمَ بِحُجَّتِهِ وَفَتْوَى الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ وَحُكْمِ الْقَاضِي بِعِلْمِهِ، وَإِذَا أَدَّى الْعَدْلُ بِمَا يَعْلَمُ الْقَاضِي خِلَافَهُ، وَإِذَا عَلِمَ صِدْقَ غَيْرِ الْعَدْلِ، وَحُكْمِ مَنْ أَسَاءَ الْأَدَبَ عَلَى الْقَاضِي أَوْ الشَّاهِدِ وَحُكْمِ الْمُلِدِّ فِي الْخِصَامِ، وَهَلْ تَبْقَى لَهُ حُجَّةٌ إنْ حَكَمَ عَلَيْهِ؟ هَذَا حَاصِلُ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ الْفَصْلُ، وَأَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يُنَفِّذَ الْحُكْمَ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُهُ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَحْكُمُ بِالتَّخْمِينِ؛ لِكَوْنِهِ فِسْقًا وَجَوْرًا وَالتَّخْمِينُ الْحَدْسُ.

(قَالَ الشَّارِحُ) وَالْتِبَاسُ الْحُكْمِ يَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ إمَّا لِكَوْنِهِ مُلْتَبِسًا فِي نَفْسِهِ بِتَعَارُضِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَدَاخُلِ دَعْوَى الْمُتَخَاصِمَيْنِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي هَذَا الْوَجْهِ مُشَاوَرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ فَإِنْ ظَهَرَ وَجْهُ الْحُكْمِ فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ جَازَ لَهُ أَنْ يَنْدُبَ لِلصُّلْحِ كَمَا يَقُولُ النَّاظِمُ

وَالصُّلْحُ يُسْتَدْعَى لَهُ إنْ أُشْكِلَا ... حُكْمٌ وَإِنْ تَعَيَّنَ الْحَقُّ فَلَا

وَإِمَّا لِجَهْلِ الْقَاضِي الْحُكْمَ فِي ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَيِّنًا فِي نَفْسِهِ، وَالْوَاجِبُ عَلَى الْقَاضِي فِي هَذَا الْوَجْهِ سُؤَالُ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْحُكْمَ بَيِّنٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنْ إنْ جَهِلَهُ هَذَا الْقَاضِي فَلَا يَجْهَلُهُ غَيْرُهُ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْدُبَهُمْ إلَى الصُّلْحِ فِي هَذَا الْوَجْهِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونَ مُضَيِّعًا لِحَقِّ مَنْ بَانَ حَقُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَفِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَنْفِيذُ الْحُكْمِ قَبْلَ ظُهُورِ وَجْهِهِ فَيَشْمَلُهُمَا قَوْلُهُ: (وَلَيْسَ بِالْجَائِزِ. . . إلَخْ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ الْحُكْمُ مُشْكِلًا فِي نَفْسِهِ أَوْ إنَّمَا أَشْكَلَ عَلَى الْقَاضِي فَقَطْ

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَالصُّلْحُ يُسْتَدْعَى لَهُ إنْ أَشْكَلَا ... حُكْمٌ وَإِنْ تَعَيَّنَ الْحَقُّ فَلَا

مَا لَمْ يَخَفْ بِنَافِذِ الْأَحْكَامِ ... فِتْنَةً أَوْ شَحْنَا أُولِي الْأَرْحَامِ

<<  <  ج: ص:  >  >>