للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَا عِبْرَةَ بِالْعُرْفِ حِينَئِذٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَوَاجِبٌ تَعْيِينُ وَقْتِ السَّفَرِ ... فِي السُّفُنِ وَالْمَقَرِّ لِلَّذِي اُكْتُرِيَ

وَهُوَ عَلَى الْبَلَاغِ إنْ شَيْءٌ جَرَى ... فِيهَا فَلَا شَيْءَ لَهُ مِنْ الْكِرَا

يَعْنِي أَنَّهُ يَجِبُ فِي كِرَاءِ السُّفُنِ أَمْرَانِ (أَحَدُهُمَا) : تَعْيِينُ وَقْتِ السَّفَرِ لِاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ بِالنِّسْبَةِ لِوَقْتِ السَّفَرِ وَعِظَمِ الْغَرَرِ فِي بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ فَلَا بُدَّ مِنْ تَوْقِيتِهِ حَتَّى يَعْلَمَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُكْرِي وَالْمُكْتَرِي الْوَقْتَ الَّذِي يُسَافِرُ فِيهِ فَيَأْخُذَ لَهُ أُهْبَتَهُ فَقَدْ يَنْقُصُ الْكِرَاءُ فِي وَقْتٍ لِخَطَرِهِ وَيُزَادُ فِي وَقْتٍ لِغَلَبَةِ الْأَمْنِ فِيهِ فَلَوْ فُرِضَ عَدَمُ تَعْيِينِهِ لَكَانَ الْغَرَرُ يَلْقَى الْمُكْرِي فِي صُورَةٍ، وَالْمُكْتَرِي فِي أُخْرَى، أَوْ كِلَيْهِمَا، وَالْعُدُولُ عَنْ ارْتِكَابِ الْغَرَرِ مَتَى أَمْكَنَ وَاجِبٌ (الثَّانِي) تَعْيِينُ الْمَحَلِّ الَّذِي قُصِدَ السَّفَرُ إلَيْهِ، وَالِاسْتِقْرَارُ فِيهِ، وَهُوَ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْمَقَرِّ، وَذَلِكَ لِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ بِالْقُرْبِ، وَالْبُعْدِ، وَالْأَمْنِ، وَالْخَوْفِ، وَذَلِكَ ظَاهِرٌ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي: أَنَّ كِرَاءَ السُّفُنِ عَلَى الْبَلَاغِ كَالْجُعْلِ الَّذِي لَا أُجْرَةَ فِيهِ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ فَإِنْ غَرِقَتْ أَوْ انْكَسَرَتْ فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ فَلَا كِرَاءَ لِصَاحِبِهَا، وَضَمِيرُ فِيهَا لِلسُّفُنِ، وَضَمِيرُ لَهُ لِلْمُكْرِي (ابْنُ عَرَفَةَ) فِي حُكْمِ كِرَاءِ السُّفُنِ اضْطِرَابٌ قَالَ ابْن رُشْدٍ: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَرِوَايَتُهُ أَنَّهُ عَلَى الْبَلَاغِ كَالْجُعْلِ الَّذِي لَا يَجِبُ إلَّا بِتَمَامِ الْعَمَلِ كَانَ عَلَى قَطْعِ الْمُوَسَّطَةِ أَوْ الرِّيفِ وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: مَنْ اكْتَرَى سَفِينَةً فَغَرِقَتْ فِي ثُلُثَيْ الطَّرِيقِ وَغَرِقَ مَا فِيهَا مِنْ طَعَامٍ وَغَيْرِهِ فَلَا كِرَاءَ لِرَبِّهَا وَأَرَى ذَلِكَ عَلَى الْبَلَاغِ زَادَ فِي الْمُنْتَخَبِ: وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ (فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) كِرَاءُ السُّفُنِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ جَائِزٌ إذَا عَيَّنُوا وَقْتَ الْخُرُوجِ فِيهَا سَوَاءٌ كَانَ جَرْيُهَا مَعَ الرِّيحِ، أَوْ مُلَجِّجَةً فِي الْبَحْرِ، وَلَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى اشْتِرَاطِ مُدَّةٍ لِأَنَّ الرِّيَاحَ تُسْرِعُ وَتُبْطِئُ.

(تَنْبِيهٌ) قَالَ الشَّارِحُ مَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ كِرَاءُ السُّفُنِ عَلَى الْبَلَاغِ، وَلَا شَيْءَ لَهُ قَبْلَهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ إذَا تَكَسَّرَ قَبْلَ الْبَلَاغِ وَبَعْدَ قُرْبِهِ مِنْ مَحَلِّهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ رَبَّ الْمَتَاعِ قَدْ انْتَفَعَ وَلِذَلِكَ رَأَى أَصْبَغُ أَنَّ عَلَيْهِ مِنْ الْكِرَاءِ فِي مِثْلِ هَذِهِ بِقَدْرِ مَا انْتَفَعَ حَسْبَمَا حَكَاهُ عَنْهُ فِي النَّوَادِرِ قَوْلُهُ ظَاهِرٌ جِدًّا وَمِمَّا يَلْحَقُ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ الْبَلَاغِ مُجَاوَزَتُهُ إيَّاهُ مَحَلَّ اشْتِرَاطِ النُّزُولِ فَفِي النَّوَادِرِ مِنْ مَسَائِلِ ابْنِ عَبْدُوسٍ فِي قَوْمٍ اكْتَرَوْا مَرْكَبًا مِنْ الْإِسْكَنْدَرِيَّة إلَى طَرَابُلُسَ فَزَادَتْ بِهِمْ الرِّيحُ إلَى سُوسَةَ وَمِنْ الْمَتَاعِ رَبُّهُ أَوْ وَكِيلُهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ طَرَابُلُسَ أَوْ غَيْرِهَا فَذَلِكَ سَوَاءٌ فَإِنْ شَاءَ أَخْرَجَ مَتَاعَهُ بِسُوسَةَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ لِزِيَادَةِ الْمَسَافَةِ وَإِنْ شَاءَ الرُّجُوعَ إلَى طَرَابُلُسَ بِالْمَتَاعِ خَاصَّةً أَوْ بِنَفْسِهِ خَاصَّةً أَوْ بِالْأَمْرَيْنِ فَذَلِكَ لَهُ لِأَنَّهُ شَرَطَهُ، وَلَا يُنْظَرُ إلَى غَلَاءِ الْمَتَاعِ، وَلَا إلَى رُخْصِهِ بَسُوسَةَ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ ثُمَّ اسْتَطْرَدَ الْكَلَامَ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُتَكَارِيَيْنِ فِي الْمَحَلِّ الْمُشْتَرَطِ فَقَالَ الْمُكْرِي: إلَى بَرْقَةَ بِمِائَةٍ وَقَالَ الْمُكْتَرِي: بَلْ لِإِفْرِيقِيَّةَ بِمِائَةٍ، وَعَلَى اخْتِلَافِهِمَا فِي قَبْضِ الْكِرَاءِ فَانْظُرْهُ إنْ شِئْت

[فَصْلٌ فِي الْإِجَارَةِ]

ِ تَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ الْكِرَاءِ أَنَّ الِاصْطِلَاحَ تَسْمِيَةُ شِرَاءِ مَنْفَعَةِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ كِرَاءً، وَمَنْفَعَةُ الْآدَمِيِّ إجَارَةً، وَقَدْ حَدَّ ابْنُ عَرَفَةَ الْإِجَارَةَ بِقَوْلِهِ: " بَيْعُ مَنْفَعَةِ مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ غَيْرَ سَفِينَةٍ وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ بِعِوَضٍ غَيْرِ نَاشِئٍ عَنْهَا بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا " اهـ.

وَكَأَنَّهُ أَطْلَقَ الْبَيْعَ عَلَى الْعَقْدِ وَلَوْ قَالَ: عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ إلَخْ لَكَانَ أَوْلَى لِأَنَّ الْإِجَارَةَ خَارِجَةٌ عَنْ الْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَالْأَخَصِّ وَأَخْرَجَ بِقَوْلِهِ: " مَا أَمْكَنَ نَقْلُهُ " كِرَاءَ الدُّورِ وَالْأَرَضِينَ وَقَوْلُهُ: " غَيْرَ سَفِينَةٍ " مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالِ أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ السُّفُنِ وَقَوْلُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>