للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَقَالَ: لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَالِحُوهَا - يَعْنِي الزَّوْجَةَ - بِشَيْءٍ، عَلَى أَنْ يَكُونَ الطَّعَامُ لَهُمْ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ الطَّعَامِ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَفِيهِ فِي جَامِعِ الصُّلْحِ (قُلْتُ) : فَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ إرْدَبُّ حِنْطَةٍ، وَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ، فَصَالَحَهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا أَيَجُوزُ هَذَا؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا كَانَ الطَّعَامُ مِنْ قَرْضٍ اهـ. وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَالصُّلْحُ بِالْمَطْعُومِ قَبْلَ الْقَبْضِ

الْبَيْتَيْنِ وَقَوْلُهُ: (مِنْ أَمَانَهْ) هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَفْهُومِ قَوْلِهِ: (مِنْ ذِمَّةِ) (وَالْوَضْعُ) مُبْتَدَأٌ، وَ (الْمَزِيدُ) (وَالْجَمْعُ) (وَمَا أَبَانَ) مَعْطُوفَاتٌ عَلَيْهِ، وَجُمْلَةُ (اتَّصَفَ بِذَا) خَبَرُ الْوَضْعِ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ، وَالْإِشَارَةُ (بِذَا) لِرَدِّ الصُّلْحِ الْمُتَقَدِّمِ فِي قَوْلِهِ: (رُدَّ عَلَى الْعُمُومِ) .

[فَصْلٌ وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ]

فَصْلٌ

وَلِلْأَبِ الصُّلْحُ عَلَى الْمَحْجُورِ ... وَلَوْ بِدُونِ حَقِّهِ الْمَأْثُورِ

إنْ خَشِيَ الْفَوْتَ عَلَى جَمِيعِ مَا ... هُوَ بِهِ يَطْلُبُ مَنْ قَدْ خَصَمَا

وَالْبِكْرُ وَحْدَهَا تُخَصُّ هَاهُنَا ... بِعَفْوِهِ عَنْ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَا

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْأَبِ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ وَلَدِهِ الْمَحْجُورِ، ذَكَرًا كَانَ الْوَلَدُ أَوْ أُنْثَى، بِحَقِّهِ الْوَاجِبِ لَهُ فَأَكْثَرَ - وَلَا إشْكَالَ - كَأَنْ يَكُونَ لِوَلَدِهِ عَرَضٌ عَلَى مَدِينٍ، فَيُصَالِحُهُ الْأَبُ عَلَى عَرَضٍ آخَرَ، يُسَاوِي قِيمَةَ الْعَرَضِ الَّذِي فِي الذِّمَّةِ أَوْ أَكْثَر، وَكَذَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ وَلَدِهِ بِأَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ، لَكِنْ بِشَرْطٍ وَهُوَ أَنْ يَخْشَى فَوَاتَ جَمِيعِ الْحَقِّ، فَالصُّلْحُ بِبَعْضِهِ أَوْلَى مِنْ فَوْتِ جَمِيعِهِ، وَتَخْتَصُّ الْبِكْرُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَبِيهَا الْعَفْوُ عَنْ نِصْفِ صَدَاقِهَا؛ إنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: ٢٣٧] إلَى قَوْلِهِ: {عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] (قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) : قَالَ جَمَاعَةٌ فِي تَفْسِيرِ {الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} [البقرة: ٢٣٧] : هُوَ الْأَبُ فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ، مِنْهُمْ الزُّهْرِيُّ وَعَلْقَمَةُ وَالْحَسَنُ وَطَاوُسٌ وَمَالِكٌ، وَأَصْحَابُهُ وَبِهِ الْفَتْوَى (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) : وَإِذَا صَالَحَ الرَّجُلُ عَلَى ابْنَتِهِ الْبِكْرِ بِبَعْضِ حَقِّهَا مِنْ مِيرَاثٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ حَقُّهَا عَيْنًا، لَا خِصَامَ فِيهِ وَلَا دَعْوَى، فَلَا يَجُوزُ صُلْحُهُ عَلَيْهَا بِأَقَلَّ مِنْ حَقِّهَا، إذْ لَا يُنْظَرُ فِي ذَلِكَ.

فَإِنْ رُفِعَ رَجَعَتْ بِبَاقِي حَقِّهَا عَلَى مَنْ هُوَ لَهَا عَلَيْهِ، ثُمَّ لَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى وَالِدِهَا، إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ فِي ذَلِكَ مَا يُدْرِكُهُ مِنْ دَرْكٍ، فَيَكُونُ هُوَ الْمَطْلُوبُ بِهِ فِي عُسْرِهِ وَيُسْرِهِ، وَيَتْبَعُهُ بِذَلِكَ غَرِيمُ الِابْنَةِ، وَإِنْ كَانَ غَرِيمُهَا عَدِيمًا؛ طَلَبَتْ وَالِدَهَا بِحَقِّهَا قَالَ مُطَرِّفٌ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ (قَالَ الشَّارِحُ) : " وَالِابْنُ وَالْبِنْتُ فِي هَذَا سَوَاءٌ، وَلِذَلِكَ أَتَى الشَّيْخُ بِلَفْظِ " الْمَحْجُورِ " الشَّامِلِ لَهُمَا "، وَذِكْرُ ابْنِ هِشَامٍ الْبِنْتَ فَقَطْ، هُوَ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ فَقَطْ، وَلَا تَخْتَصُّ الْبِنْتُ إلَّا بِجَوَازِ الْعَفْوِ عَنْ نِصْفِ مَهْرِهَا قَبْلَ الْبِنَاءِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ (وَفِي الطُّرَرِ) قَالَ مَالِكٌ: وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِهَا - يُرِيدُ الْبِكْرَ - إلَّا الْأَبُ وَحْدَهُ، لَا وَصِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ (وَفِي ابْنِ يُونُسَ) : " فَأَمَّا قَبْلَ الطَّلَاقِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَضَعَ مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا ".

(التَّوْضِيحُ) وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَفْوَ الْوَلِيِّ قَبْلَ الطَّلَاقِ أَيْضًا، وَرَأَى أَنَّهُ إذَا جَازَ ذَلِكَ لِتَحْصِيلِ زَوْجٍ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، فَلَا يَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْحَاصِلِ لَهَا الَّذِي لَمْ يُطَلِّقْهَا أَوْلَى اهـ. وَالْعَفْوُ قَبْلَ الطَّلَاقِ إمَّا عَلَى شَرْطِ التَّطْلِيقِ، أَوْ عَلَى بَقَاءِ الْعِصْمَةِ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَتْرُكَ لَهَا مَا يَحِلُّ بِهِ النِّكَاحُ.

وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ عَمَّنْ قَدْ حُجْر ... وَلَا يَجُوزُ مَعَ غَبْنٍ أَوْ ضَرَرْ

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْوَصِيِّ أَنْ يُصَالِحَ عَنْ مَحْجُورِهِ إذَا كَانَ نَظَرًا لِلْمَحْجُورِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ غَبْنٌ وَنَقْصٌ مِنْ حَقِّهِ، أَوْ عَلَيْهِ فِيهِ ضَرَرٌ لَمْ يَجُزْ.

(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : وَقَعَتْ هَذِهِ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ، وَظَاهِرُهَا أَنَّ الْوَصِيَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>