للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء: ٦] (وَفِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) الْمُشَاوِرُ فَإِنْ عَلِمَ الْوَصِيُّ بِرُشْدِهِ وَلَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مَالَهُ وَتَلِفَ عِنْدَهُ ضَمِنَهُ سَوَاءٌ تَلِفَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي حَبْسِ مَالِهِ ظَالِمٌ لَهُ وَغَاصِبٌ لِمَالِ مَنْ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ وَكَذَلِكَ إنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ بِتَرْشِيدِهِ وَقْتَ تَلَفِ مَالِهِ ضَمِنَهُ الْوَصِيُّ. اهـ. وَفَاعِلُ يَأْنَسُ الْوَصِيُّ أَيْ يُبْصِرَ، وَمَالَهُ مَفْعُولُ يَذَرَ أَيْ: يَتْرُكُ لَهُ مَالَهُ

[فَصْلٌ فِي الْوَصِيَّةِ مَا يَجْرِي مَجْرَاهَا]

(ابْنُ عَرَفَةَ) الْوَصِيَّةُ: عَقْدٌ يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ لَزِمَ بِمَوْتِهِ أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ فَقَوْلُهُ: الْوَصِيَّةُ أَيْ: فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ لَا الْفُرَّاضِ؛ لِأَنَّهَا عِنْدَهُمْ خَاصَّةٌ بِمَا يُوجِبُ الْحَقَّ فِي الثُّلُثِ، وَعِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ فَالْعَقْدُ جِنْسٌ لِلْوَصِيَّةِ وَيَدْخُلُ تَحْتَهُ عُقُودٌ كَثِيرَةٌ، وَقَوْلُهُ: يُوجِبُ حَقًّا فِي ثُلُثِ عَاقِدِهِ أَخْرَجَ بِهِ مَا يُوجِبُ حَقًّا فِي رَأْسِ مَالِهِ مِمَّا عَقَدَهُ عَلَى نَفْسِهِ فِي صِحَّتِهِ قَوْلُهُ يَلْزَمُ بِمَوْتِهِ هُوَ صِفَةٌ لِعَقْدٍ أَخْرَجَ بِهِ الْمَرْأَةَ إذَا وَهَبَتْ أَوْ الْتَزَمَتْ ثُلُثَ مَالِهَا وَلَهَا زَوْجٌ أَوْ مَنْ الْتَزَمَ ثُلُثَ مَالِهِ لِشَخْصٍ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ وَالْوَصِيَّةُ لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْمَوْتِ قَوْلُهُ: أَوْ نِيَابَةً عَنْهُ بَعْدَهُ، نِيَابَةً: عَطْفٌ عَلَى حَقًّا، وَالْمَعْنَى أَوْ يُوجِبُ نِيَابَةً عَنْ عَاقِدِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَدْخُلُ الْإِيصَاءُ بِالنِّيَابَةِ عَنْ الْمَيِّتِ (الرَّصَّاع) فَإِنْ قُلْتَ: إذَا أَوْصَى أَوْ الْتَزَمَ عَدَمَ الرُّجُوعِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْتٍ قُلْتُ فِيهِ خِلَافٌ وَالْحَدُّ لِلْأَعَمِّ مِنْ مَحَلِّ الْخِلَافِ وَالِاتِّفَاقِ، وَالْحَقُّ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِّ أَعَمُّ مِنْ الْمَنْفَعَةِ أَوْ الذَّاتِ أَوْ الْعِتْقِ.

فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَأَدْنَى فِي الْمَرَضْ ... أَوْ صِحَّةٍ وَصِيَّةٌ لَا تُعْتَرَضْ

حَتَّى مِنْ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ ... إنْ عَقَلَ الْقُرْبَةَ فِي الْأُمُورِ

وَالْعَبْدُ لَا تَصِحُّ مِنْهُ مُطْلَقَا ... وَهْيَ مِنْ الْكَافِرِ لَيْسَتْ تُتَّقَى

يَعْنِي: أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ وَلَا يَعْتَرِضُهَا مُعْتَرِضٌ أَيْ لَا يَرُدُّهَا زَادَ إذَا كَانَتْ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَأَدْنَى كَانَ الْمُوصِي صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا رَشِيدًا كَانَ أَوْ سَفِيهًا بَالِغًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا إذَا عَقَلَ الْقُرْبَةَ وَالطَّاعَةَ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا لَكِنْ بِشَرْطِ الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ قِنًّا كَانَ أَوْ فِيهِ شَائِبَةُ رِقٍّ وَهُوَ الَّذِي عُنِيَ بِالْإِطْلَاقِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ مِنْ الْعَبْدِ قَالَ فِي (الْمُقَرَّبِ) :.

قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ أَوْصَى بِأَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ جَازَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ، وَفِيهِ أَيْضًا وَصِيَّةُ الْأَحْمَقِ وَالسَّفِيهِ وَالْمُصَابِ الَّذِي يُفِيقُ أَحْيَانًا جَائِزَةٌ إذَا كَانَ مَعَهُمْ مِنْ عُقُولِهِمْ مَا يَعْرِفُونَ بِهِ الْوَصِيَّةَ قَالَ (مَالِكٌ) وَالصَّبِيُّ إذَا أَوْصَى وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ بِالشَّيْءِ الْخَفِيفِ فَوَصِيَّتُهُ أَيْضًا جَائِزَةٌ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا اخْتِلَاطٌ وَفِي (الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) الْوَصِيَّةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى الثُّلُثِ وَلَا تَجُوزُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ (وَفِيهِ أَيْضًا) وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ السَّفِيهِ وَالصَّغِيرِ الْمُمَيِّزِ الَّذِي يَعْقِلُ وُجُوهَ الْقُرَبِ وَفِي (الْجَوَاهِرِ) وَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ مِنْ كُلِّ حُرٍّ مُمَيِّزٍ مَالِكٍ، وَلَا تَصِحُّ مِنْ الْعَبْدِ وَلَا مِنْ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ الَّذِي لَا يُمَيِّزُ وَتَصِحُّ مِنْ السَّفِيهِ الْمُبَذِّرِ إذْ لَا يَخَافُ الْفَقْرَ بَعْدَ مَوْتِهِ وَتَصِحُّ وَصِيَّةُ الْمُمَيِّزِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَجْهَ الْقُرَبِ وَأَصَابَ وَجْهَ الْوَصِيَّةِ وَذَلِكَ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِيهَا اخْتِلَاطٌ، وَالْكَافِرُ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِخَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لِمُسْلِمٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>