للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَنَّ لَهَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ مِثْقَالًا وَلَمْ يُوصِ هُوَ أَنَّ عَلَيْهَا شَيْئًا فَمَاتَ فَطَلَبَتْ الْيَتِيمَةُ الْمَثَاقِيلَ فَادَّعَى الْوَرَثَةُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهَا نَفَقَةً وَأَثْبَتُوا أَنَّهَا كَانَتْ فِي حَضَانَتِهِ مُدَّةَ نَظَرِهِ فَهَلْ لَهُ مُحَاسَبَتُهَا أَمْ لَا.

(فَأَجَابَ) إشْهَادُ الْوَصِيِّ لَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ بِالْعِشْرِينِ مِثْقَالًا يُوجِبُهَا لَهَا وَيُبْطِلُ دَعْوَى الْوَرَثَةِ عَلَيْهَا وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى مَا أَثْبَتُوهُ وَلَا يُحَاسِبُونَهَا بِشَيْءٍ. اهـ

[فَصْلٌ فِي الْإِقْرَارِ]

ِ الْإِقْرَارُ فِي اللُّغَةِ: الِاعْتِرَافُ وَاخْتُلِفَ هَلْ هُوَ بَدِيهِيٌّ وَأَنَّهُ قَوْلٌ يُوجِبُ حَقًّا عَلَى قَائِلِهِ ابْنُ عَرَفَةَ وَالْحَقُّ أَنَّهُ نَظَرِيٌّ، فَإِنَّ تَصَوُّرَ مَاهِيَّتِهِ الْعُرْفِيَّةِ لَيْسَ ضَرُورِيًّا لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ مَسَائِلِهِ يُتَرَدَّدُ فِيهَا هَلْ هِيَ مِنْ بَابِ الْإِقْرَارِ أَمْ لَا؟ كَمَا إذَا قَالَ أَقِرَّ عَنِّي بِمِائَةٍ هَلْ هُوَ إقْرَارٌ أَوْ وَكَالَةٌ فَلَوْ كَانَ الْإِقْرَارُ ضَرُورِيَّ التَّصَوُّرِ لَمَا وَقْعَ الشَّكِّ فِي تَصَوُّرِ فَرْدٍ مِنْ مَصْدُوقَاتِهِ وَعَلَى أَنَّهُ نَظَرِيٌّ فَيُعَرَّفُ بِأَنَّهُ خَبَرٌ يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ بِلَفْظِهِ أَوْ لَفْظِ نَائِبِهِ فَقَوْلُهُ: خَبَرُ جِنْسٌ يُخْرِجُ الْإِنْشَاءَاتِ كَبِعْت وَاشْتَرَيْت وَنُطْقَ الْكَافِرِ بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَقَوْلُهُ: يُوجِبُ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ أَخْرَجَ بِهِ الرِّوَايَةَ وَالشَّهَادَةَ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ: الصَّلَاةُ وَاجِبَهُ فَذَلِكَ خَبَرٌ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى مُخْبِرِهِ وَغَيْرِهِ وَإِذَا شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَقَطْ وَإِذَا قَالَ فِي ذِمَّتِي دِينَارٌ فَهُوَ خَبَرٌ أَوْجَبَ حُكْمَ صِدْقِهِ عَلَى الْمُخْبِرِ وَحْدَهُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَقَطْ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ زَيْدٌ زَانٍ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْحَدُّ وَإِنْ كَانَ أَوْجَبَ حُكْمًا عَلَى قَائِلِهِ فَقَطْ وَهُوَ حَدُّ الْقَذْفِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ حُكْمَ مَا اقْتَضَاهُ الصِّدْقُ لِأَنَّ الَّذِي اقْتَضَاهُ الصِّدْقُ جَلْدُ مِائَةٍ عَلَى غَيْرِهِ انْتَهَى مِنْ الرَّصَّاع بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ وَلَمْ يُشْرَحْ قَوْلُهُ بِلَفْظِهِ أَوْ لَفْظِ نَائِبِهِ وَلَعَلَّهُ زَادَ لَفْظَ نَائِبِهِ لِيَدْخُلَ أَقَرَّ عَنِّي بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ إقْرَارٌ لَا وَكَالَةٌ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَالِكٌ لِأَمْرِهِ أَقَرَّ فِي ... صِحَّتِهِ لِأَجْنَبِيٍّ اُقْتُفِيَ

وَمَا لِوَارِثٍ فَفِيهِ اُخْتُلِفَا ... وَمُنْفِذٌ لَهُ لِتُهْمَةٍ نَفَى

وَرَأْسَ مَتْرُوكِ الْمُقِرِّ أَلْزَمَا ... وَهُوَ بِهِ فِي فَلَسٍ كَالْغُرَمَا

اعْلَمْ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الْمُقِرِّ أَنْ يَكُونَ رَشِيدًا غَيْرَ مَحْجُورٍ عَلَيْهِ وَعَنْ ذَلِكَ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ وَمَالِكٍ لِأَمْرِهِ فَلَفْظُ مَالِكٍ هُنَا اسْمُ فَاعِلٍ لَا عَلَمٌ عَلَى إمَامِ الْمَذْهَبِ وَأُخْرِجَ بِذَلِكَ إقْرَارُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَالْمُبَذِّرِ وَالْمُفْلِسِ وَالْعَبْدِ فَلَا عَمَلَ عَلَيْهِ.

وَلَا يُؤَاخَذُ بِهِ لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَجْرِ عَلَيْهِمْ رَدُّ تَصَرُّفَاتِهِمْ الْمَالِيَّةِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا الْإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْإِقْرَارَ تَارَةً يَكُونُ فِي صِحَّةِ الْمُقِرِّ وَتَارَةً فِي مَرَضِهِ وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُقَرُّ لَهُ وَارِثًا أَوْ أَجْنَبِيًّا فَالْأَقْسَامُ أَرْبَعَةٌ وَالْمُقَرُّ لَهُ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ وَارِثٍ فَإِنَّهُ مَعْمُولٌ بِهِ نَافِذٌ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَعَنْ إعْمَالِهِ عَبَّرَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: اُقْتُفِيَ أَيْ اُتُّبِعَ إقْرَارُهُ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَاهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَإِنْ كَانَ لِوَارِثٍ فَفِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ نَافِذٌ مَعْمُولٌ بِهِ أَيْضًا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ

وَمَا لِوَارِثٍ فَفِيهِ اُخْتُلِفَا

ثُمَّ أَشَارَ بِقَوْلِهِ

وَمُنْفِذٌ لَهُ لِتُهْمَةٍ نَفَى

وَرَأْسَ مَتْرُوكِ الْبَيْتَ إلَّا أَنَّ مَنْ قَالَ بِإِعْمَالِ الْإِقْرَارِ فِي الصِّحَّةِ لِلْوَارِثِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَرَ فِي إقْرَارِهِ لِلْوَارِثِ تُهْمَةً بَلْ نَفَى التُّهْمَةَ فِي ذَلِكَ وَأَلْزَمَ الْمُقِرَّ مَا أَقَرَّ بِهِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَجَعَلَهُ كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ يُحَاصَصُ بِهِ الْغُرَمَاءُ فِي الْفَلَسِ قَالَ الشَّارِحُ وَبِهَذَا الْقَوْلِ الْعَمَلُ. اهـ.

وَقَالَ قَبْلَهُ ابْنُ رُشْدٍ لَا يُحَاصَصُ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>