للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْحَوْزِ]

(فَصْلٌ فِي حُكْمِ الْحَوْزِ)

وَالْأَجْنَبِيُّ إنْ يَحُزْ أَصْلًا بِحَقْ ... عَشْرَ سِنِينَ فَالتَّمَلُّكُ اُسْتُحِقَّ

وَانْقَطَعَتْ حُجَّةُ مُدَّعِيهِ ... مَعَ الْحُضُورِ عَنْ خِصَامٍ فِيهِ

إلَّا إذَا أَثْبَتَ حَوْزًا بِالْكِرَا ... أَوْ مَا يُضَاهِيهِ فَلَنْ يُعْتَبَرَا

أَوْ يَدَّعِي حُصُولَهُ تَبَرُّعًا ... مِنْ قَائِمٍ فَلْيُثْبِتَنَّ مَا ادَّعَى

أَوْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ وَالْيَمِينُ لَهْ ... إنْ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ مُعْمَلَهْ

وَيُثْبِتُ الدَّفْعَ وَإِلَّا الطَّالِبُ ... لَهُ الْيَمِينُ وَالتَّقَضِّي لَازِبُ

وَإِنْ يَكُنْ مُدَّعِيًا إقَالَهْ ... فَمَعْ يَمِينِهِ لَهُ الْمَقَالَهْ

وَالتِّسْعُ كَالْعَشْرِ لَدَى ابْنِ الْقَاسِمِ ... أَوْ الثَّمَانِ فِي انْقِطَاعِ الْقَائِمِ

قَسَّمَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَغَيْرُهُ الدَّعْوَى إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ مُشْبِهَةٍ عُرْفًا وَهِيَ اللَّائِقَةُ بِالْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَتَتَوَجَّهُ فِيهَا الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِ خِلْطَةٍ اتِّفَاقًا عَلَى ظَاهِرِ كَلَامِهِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَذَلِكَ إذَا عَجَزَ الْمُدَّعِي عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَلَا إشْكَالَ.

وَذَلِكَ كَالدَّعَاوَى عَلَى الصُّنَّاعِ وَالْمُنْتَصِبِينَ لِلتِّجَارَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْوَدَائِعِ عَلَى أَهْلِهَا وَالْمُسَافِرِ فِي رُفْقَتِهِ وَالْمُدَّعِي لِسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا أَوْ بَعِيدَةٍ لَا تُشْبِهُ حَالَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَلَا تُسْمَعُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا كَدَعْوَى دَارٍ بِيَدِ حَائِزٍ يَتَصَرَّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَالْمُدَّعِي شَاهِدٌ سَاكِتٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ خَوْفٍ وَلَا قَرَابَةٍ وَلَا صِهْرٍ وَشُبْهَةٍ، وَمُتَوَسَّطَةٍ بَيْنَ الْمُشْبِهَةِ وَالْبَعِيدَةِ فَتُسْمَعُ مِنْ مُدَّعِيهَا، وَيُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْهَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَهَلْ بَعْدَ ثُبُوتِ الْخِلْطَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُدَّعِي، (قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ) : وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ أَوْ تَتَوَجَّهُ الْيَمِينُ، وَإِنْ لَمْ يُثْبِتْ خِلْطَةً، وَبِهِ الْعَمَلُ وَعَلَى الثَّانِي: فَحُكْمُهُمَا حُكْمُ الْمُشْبَهَةِ وَمَثَّلَ لَهَا ابْنُ الْحَاجِبِ بِدَعْوَى الدَّيْنِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: احْتَرَزَ بِالدَّيْنِ مِنْ دَعْوَى الْمُعَيَّنَاتِ فَإِنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ خِلْطَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ أَيْ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ا. هـ.

وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ هَذَا لِيَكُونَ النَّاظِرُ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ عَلَى بَصِيرَةٍ فِي تَقْسِيمِ الدَّعْوَى وَأَنَّ مَسْأَلَةَ النَّاظِمِ هِيَ جُزْئِيَّةٌ وَفَرْدٌ مِنْ أَفْرَادِ الدَّعْوَى الْبَعِيدَةِ وَمِثَالُ مَنْ مَثَّلَهَا؛ لِأَنَّهَا قَاعِدَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ. وَاعْلَمْ أَنْ النَّاظِمَ قَدَّمَ أَوَّلًا الْكَلَامَ عَلَى الْمَسْأَلَةِ الْمَشْهُورَةِ وَهِيَ مَنْ حَازَ دَارًا مَثَلًا عَلَى حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ إلَى آخِرِهَا كَمَا يَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ فَرَّعَ عَلَيْهَا أَرْبَعَ مَسَائِلَ.

(الْأُولَى) أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ أَنَّ حَوْزَ الْحَائِزِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَتِهِ بِكِرَاءٍ أَوْ عُمْرَى أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ (الثَّانِيَةُ) أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ الْمِلْكِيَّةَ، فَيَدَّعِي الْحَائِزُ أَنَّ الْقَائِمَ تَبَرَّعَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ بِهِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ وَنَحْوِهِمَا (الثَّالِثَةُ) : كَذَلِكَ، وَيَدَّعِي الْحَائِزُ الشِّرَاءَ مِنْ الْقَائِمِ.

(الرَّابِعَةُ) : أَنْ يُثْبِتَ الْقَائِمُ الشِّرَاءَ مِنْ الْحَائِزِ فَادَّعَى الْحَائِزُ الْإِقَالَةَ. قَوْلُهُ:

وَالْأَجْنَبِيُّ إنْ يَحُزْ أَصْلًا بِحَقْ

إلَخْ (اعْلَمْ) أَنَّ الْحَائِزَ يَتَنَوَّعُ إلَى ثَمَانِيَةِ أَنْوَاعٍ إلَى قَرِيبٍ جِدًّا كَالْأَبِ مَعَ ابْنِهِ وَإِلَى قَرِيبٍ دُونَ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْأَقْرِبَاءِ وَرَثَةً أَوْ غَيْرَ وَرَثَةٍ، وَإِلَى كَوْنِهِ مِنْ الْأَصْهَارِ وَالْمَوْلَى وَإِلَى كَوْنِهِ أَجْنَبِيًّا وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَرْبَعَةِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ شَرِيكًا أَوْ لَا فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَنْوَاعٍ ثُمَّ الْحَوْزُ فِي كُلِّ نَوْعٍ مِنْهَا يَتَنَوَّعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ يَكُونَ بِأَقْوَى أَوْجُهِ الْحِيَازَةِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْعِتْقِ وَالْوَطْءِ لِلْأَمَةِ وَإِمَّا بِمَا دُونَ ذَلِكَ كَالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَإِمَّا بِمَا دُونَ ذَلِكَ كَزِرَاعَةِ الْأَرْضِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَاعْتِمَارِ الْحَانُوتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِذَا ضَرَبْت ثَمَانِيَةَ عِدَّةِ أَنْوَاعِ الْحَائِزِ فِي ثَلَاثَةٍ عِدَّةِ أَوْجُهِ الْحَوْزِ خَرَجَ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ وَجْهًا ثُمَّ الْمَحُوزُ عَنْهُ يَتَنَوَّعُ إلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَيْضًا إلَى كَوْنِهِ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا غَيْبَةً قَرِيبَةً أَوْ بَعِيدَةً، فَإِذَا ضَرَبْت الْأَرْبَعَةَ وَالْعِشْرِينَ فِي هَذِهِ الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ خَرَجَ اثْنَانِ وَسَبْعُونَ وَجْهًا تُنْظَرُ فِي الْمُطَوَّلَاتِ.

قَوْلُهُ: وَالْأَجْنَبِيّ إلَخْ يَعْنِي أَنَّ مَنْ حَازَ دَارًا أَوْ حَانُوتًا أَوْ أَرْضًا أَوْ غَيْرَهَا مِنْ الْأُصُولِ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ كَالشِّرَاءِ وَالْإِرْثِ وَعَلَى كَوْنِ الْحَوْزِ شَرْعِيًّا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: بِحَقٍّ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِنْ الْحَوْزِ بِغَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، فَلَا عِبْرَةَ بِهِ، وَيَجْرِي مَجْرَى الْحَوْزِ الشَّرْعِيِّ، الْجَهْلُ بِوَجْهِ الْحَوْزِ وَبِسَبَبِهِ وَطُولِ حَوْزِهِ لِذَلِكَ كَالْعَشْرِ سِنِينَ وَمَا قَارَبَهَا كَالتِّسْعِ وَالثَّمَانِ، وَالْحَائِزُ أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْقَائِمِ عَلَيْهِ لَيْسَ قَرِيبًا لَهُ، وَلَا شَرِيكًا مَعَهُ وَهُوَ فِي مِلْكِ الْمُدَّةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>