للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَتَصَرَّفُ فِي الشَّيْءِ الْمَحُوزِ بِأَوْجُهِ التَّصَرُّفَاتِ كَتَصَرُّفِ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ وَيُنْسَبُ إلَيْهِ ذَلِكَ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ يَدَّعِي مِلْكِيَّتِهِ، ثُمَّ قَامَ إنْسَانٌ يَدَّعِي مِلْكِيَّةَ ذَلِكَ الْمَحُوزِ.

وَالْقَائِمُ الْمَذْكُورُ حَاضِرٌ عَالِمٌ بِحَوْزِ الْحَائِزِ وَتَصَرُّفِهِ وَادِّعَاءِ مِلْكِيَّتِهِ، عَالِمٌ بِأَنَّ ذَلِكَ لَهُ، وَلَمْ يَدَّعِ شَيْئًا طِوَالَ الْمُدَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَا مَانِعَ لَهُ مِنْ الْكَلَامِ مِنْ خَوْفٍ وَلَا غَيْرِهِ مِنْ قَرَابَةٍ أَوْ صِهْرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ حَجْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّ دَعْوَى هَذَا الْقَائِمِ لَا تُسْمَعُ، وَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهَا لِبُعْدِهَا، كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَقْسِيمِ الدَّعْوَى، وَيَبْقَى الْأَصْلُ لِمَنْ هُوَ فِي يَدِهِ، وَحَائِزٌ لَهُ بَعْدَ يَمِينِهِ كَمَا سَيَأْتِي، وَإِلَى بَقَائِهِ بِيَدِهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: فَالتَّمَلُّكُ اُسْتُحِقَّ فِي الْقَلْشَانِيّ عَنْ الْمَازِرِيِّ: تَصِحُّ الْحِيَازَةُ بِسَبْعَةِ شُرُوطٍ هِيَ: الْحَوْزُ، وَهُوَ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الشَّيْءِ الْمُحَازِ أَنْ يُنْسَبَ إلَيْهِ، وَأَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمَالِكِ فِي مِلْكِهِ، وَأَنْ تَطُولَ الْمُدَّةُ، وَأَنْ لَا يُنَازَعَ الْمُحَازُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، وَأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا عَالِمًا بَالِغًا رَشِيدًا لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ الْقِيَامِ مَانِعٌ اهـ.

إلَّا أَنَّهُ جَعَلَ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ الَّذِي هُوَ الْحَوْزُ شَرْطًا وَالشَّرْطُ خَارِجٌ عَنْ الْمَاهِيَّةِ، وَالصَّوَابُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ الشُّرُوطَ مَا عَدَاهُ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : مُجَرَّدُ الْحِيَازَةِ لَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ مِنْ الْمَحُوزِ عَلَيْهِ إلَى الْحَائِزِ بِاتِّفَاقٍ، وَلَكِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ، كَإِرْخَاءِ السِّتْرِ وَمَعْرِفَةِ الْعِفَاصِ وَالْوِكَاءِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَيَكُونُ بِسَبَبِهَا الْقَوْلُ قَوْلُ الْحَائِزِ مَعَ يَمِينِهِ اهـ.

فَقَوْلُهُ وَالْأَجْنَبِيُّ إنْ يَحُزْ احْتَرَزَ بِالْأَجْنَبِيِّ مِنْ حَوْزِ الْقَرِيبِ، وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ:

وَالْأَقْرَبُونَ حَوْزُهُمْ مُخْتَلِفٌ

الْأَبْيَاتَ الْخَمْسَةَ، وَقَوْلُهُ: أَصْلًا احْتَرَزَ مِنْ غَيْرِ الْأُصُولِ، وَيَأْتِي لَهُ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ:

وَفِي سِوَى الْأُصُولِ حَوْزُ النَّاسِ

الْأَبْيَاتَ الْأَرْبَعَةَ، وَقَوْلُهُ: " بِحَقٍ " يَتَعَلَّقُ بِيَحُزْ أَيْ بِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ، وَاحْتَرَزَ بِهِ مِمَّنْ حَازَهُ بِغَصْبٍ أَوْ تَعَدٍّ، فَإِنَّ حَوْزَهُ كَلَا حَوْزٍ، وَقَوْلُهُ: " عَشْرَ سِنِينَ " يُرِيدُ وَمَا يُقَارِبُهَا كَالتِّسْعِ سِنِينَ وَالثَّمَانِ، وَاحْتَرَزَ مِمَّا هُوَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَلَا تَنْقَطِعُ بِهِ دَعْوَى الْمُدَّعِي، وَقَوْلُهُ: مَعَ الْحُضُورِ احْتَرَزَ بِهِ مِمَّا إذَا كَانَ الْقَائِمُ الْمُدَّعِي غَائِبًا عَلَى حُجَّتِهِ وَفِيهِ تَفْصِيلٌ، يَأْتِي فِي قَوْلِهِ:

وَقَائِمٌ ذُو غَيْبَةٍ بَعِيدَهْ

الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ، وَقَوْلُهُ: عَنْ خِصَامٍ فِيهِ يَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوفٍ أَيْ سَاكِتًا عَنْ خِصَامٍ فِيهِ، وَاحْتَرَزَ بِذَلِكَ مِمَّا إذَا كَانَ يُخَاصِمُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَإِنَّ حُجَّتَهُ لَا تَنْقَطِعُ، كَمَا يَأْتِي فِي قَوْلِهِ:

وَالْمُدَّعِي إنْ أَثْبَتَ النِّزَاعَ مَعْ ... خَصِيمِهِ فِي مُدَّةِ الْحَوْزِ انْتَفَعْ

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) : بَقِيَ عَلَى النَّاظِمِ اشْتِرَاطُ تَصَرُّفِ الْحَائِزِ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَنَحْوِهِمَا كَمَا فِي ابْنِ الْحَاجِبِ: وَادِّعَاءُ الْحَائِزِ الْمِلْكِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْحَوْزَ لَا يَنْفَعُ إلَّا لِمُدَّعِيهَا وَجُهِلَ الْأَصْلُ، أَمَّا مَا عُلِمَ أَصْلُهُ فَلَا تَنْفَعُ فِيهِ الْحِيَازَةُ، وَكَذَا يُشْتَرَطُ عِلْمُ الْقَائِمِ أَنَّ الْمَحُوزَ مِلْكٌ لَهُ كُلِّهِ أَوْ بَعْضِهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) فِي تَقْسِيمِ الدَّعْوَى وَغَيْرُ مُشْبِهَةٍ عُرْفًا، كَدَعْوَى دَارٍ بِيَدِ حَائِزٍ يَتَصَرَّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ مُدَّةً طَوِيلَةً، وَالْمُدَّعِي شَاهِدٌ سَاكِتٌ، وَلَا مَانِعَ مِنْ خَوْفٍ وَلَا قَرَابَةٍ وَلَا صِهْرٍ وَشُبْهَةٍ فَغَيْرُ مَسْمُوعَةٍ (التَّوْضِيحُ) إنَّمَا لَمْ تَكُنْ مُشْبِهَةً عُرْفًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ يُكَذِّبُ مُدَّعِيهَا ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ وَفِي الْبَيَانِ فِي بَابِ الِاسْتِحْقَاقِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْحِيَازَةَ تَكُونُ بَيْنَهُمْ فِي عَشَرَةِ أَعْوَامٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَدْمٌ وَلَا بُنْيَانٌ وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا تَكُونُ حِيَازَةٌ إلَّا مَعَ الْهَدْمِ وَالْبُنْيَانِ ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلَى صِفَةِ الْحَوْزِ بِقَوْلِهِ: يَتَصَرَّفُ بِالْهَدْمِ وَالْبِنَاءِ وَالْعِمَارَةِ، وَهُوَ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يُهْدَمْ مَا يُخْشَى سُقُوطُهُ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُسْقِطُ الْمِلْكَ.

قِيلَ: وَكَذَلِكَ الْإِصْلَاحُ الْيَسِيرُ؛ لِأَنَّ رَبَّ الدَّارِ يَأْمُرُ الْمُكْتَرِي بِهِ، وَفِي نَوَازِلِ الْبُيُوعِ مِنْ الْمِعْيَارِ وَفِي أَثْنَاءِ جَوَابٍ لِمُؤَلِّفِهِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْحِيَازَةُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِضَمِيمَةِ دَعْوَى الْمِلْكِ

<<  <  ج: ص:  >  >>