للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَعَهَا، فَلَا تَنْقُلُ الْمِلْكَ عَنْ الْمَحُوزِ عَنْهُ إلَى الْحَائِزِ اتِّفَاقًا فِي الْمَذْهَبِ الْمَالِكِيِّ، حَسْبَمَا صَرَّحَ بِهِ زَعِيمُ الْفُقَهَاءِ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ بْنُ رُشْدٍ وَهُوَ مِمَّا لَا نِزَاعَ فِيهِ وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُ الْقَرَافِيِّ لَا يَكْتَفِي مِنْ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فِي الِاخْتِلَافِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ أَنْ يَقُولَ هِيَ لِي؛ لِأَنَّهُ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ حَتَّى يَقُولَ مَالِي وَمِلْكِي اهـ.

ثُمَّ نَقَلَ فِي جَوَابٍ آخَرَ لِلْأُسْتَاذِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ لُبٍّ مَا نَصُّهُ وَشَرْطُ اعْتِبَارِ الْحِيَازَةِ الطَّوِيلَةِ الَّتِي يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ بِهَا فِي مِثْلِ هَذِهِ، اقْتِرَانُ دَعْوَى الْمَالِ وَالْمِلْكِ جَزْمًا، أَمَّا إذَا قَالَ الْوَارِثُ لَا أَعْرِفُهُ إلَّا فِي حِيَازَةِ مُوَرِّثِي، وَقَدْ ثَبَتَ الْمَالُ وَالْمِلْكُ لِغَيْرِهِ فَالْحِيَازَةُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ إذَا ثَبَتَ الْمَالُ وَالْمِلْكُ، وَكَمَلَ ذَلِكَ بِمَا يَجِبُ مِنْ الْحِيَازَةِ وَالْإِعْذَارِ، وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّ الِاعْتِمَادَ هُنَا مَعْلُومٌ أَصْلُهُ وَسَبَبُهُ بِالْأَمْرِ الْمُعْتَادِ مِنْ الزَّوْجِيَّةِ وَالْمُصَاهَرَةِ وَإِنَّمَا تَنْفَعُ الْحِيَازَةُ اتِّفَاقًا فِيمَا جُهِلَ أَصْلُهُ جُمْلَةً انْتَهَى مَحَلُّ الْحَاجَةِ مِنْهُ. وَفِي جَوَابٍ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمِعْيَارِ مَا نَصُّهُ: لَا تَنْفَعُ الْحِيَازَةُ فِيمَا عُلِمَ أَصْلُهُ وَتَحَقَّقَ مَدْخَلُهُ، وَتَحَقَّقَ بِوَجْهٍ لَا يَقْضِي نَقْلَ الْمِلْكِ مِنْ رِعَايَةٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إنْ جَهِلَ أَصْلَ مَا وَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، هَلْ كَانَ مُشْتَرَكًا أَمْ لَا؟ وَلَا يَعْلَمُ بِمَا وَصَلَ إلَيْهِ الْمُوَرِّثُ بِتِلْكَ حِيَازَةً نَافِعَةً اهـ.

ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْحَاضِرِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهَا مِلْكُهُ (قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : وَإِذَا كَانَ وَارِثٌ، وَادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ قُضِيَ لَهُ اهـ.

(الثَّانِي) : طُولُ الْحَوْزِ الْعَشْرَ سِنِينَ وَنَحْوَهَا، إنَّمَا هُوَ فِي الْحَوْزِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي تَغْيِيرِ الْمِلْكِ، أَمَّا مَا يُؤَثِّرُ فِي تَغْيِيرِهِ، فَإِنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى مُدَّةٍ طَوِيلَةٍ، كَإِتْلَافِ الشَّيْءِ وَوَطْءِ الْأَمَةِ، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْ بِحِدْثَانِ وُقُوعِهِ، فَإِنَّهُ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ طِبَاعُ الْبَشَرِ مِنْ أَنَّهُمْ لَا يَسْكُتُونَ عَنْ الْإِنْكَارِ عَلَى مُتْلِفِ أَمْوَالِهِمْ، قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ أَثَرُ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ (الثَّالِثُ) : قَالَ فِي التَّوْضِيحِ ظَاهِرُ قَوْلِهِ: أَيْ ابْنِ الْحَاجِبِ: فَغَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، أَنَّهُ لَا يَمِينَ عَلَى الْحَائِزِ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا نَقَلَهُ ابْنُ يُونُسَ وَغَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ: وَلَكِنْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ اهـ.

(فَرْعٌ) وَهَلْ يُطَالَبُ الْحَائِزُ بِبَيَانِ وَجْهِ مِلْكِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ لَا يُطَالَبُ بِهِ، وَقَالَ غَيْرُهُ: يُطَالَبُ وَقِيلَ: إنْ لَمْ يَثْبُتْ أَصْلُ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي لَمْ تُسْمَعْ دَعْوَاهُ، وَلَا يُسْأَلُ الْحَائِزُ عَنْ أَصْلِ مِلْكِهِ، وَإِنْ ثَبَتَ الْأَصْلُ لِلْمُدَّعِي بِبَيِّنَةٍ وَإِقْرَارِ الْحَائِزِ سُئِلَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ وَقَالَ ابْنُ عَتَّابٍ وَابْنُ الْقَطَّانِ: وَلَا يُطَالَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَائِزُ مَعْرُوفًا بِالْغَصْبِ وَالِاسْتِطَالَةِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ. اهـ.

وَإِلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِرُمَّتِهَا أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: وَالْأَجْنَبِيُّ إنْ يَحُزْ أَصْلًا الْأَبْيَاتَ الثَّلَاثَةَ، وَإِلَيْهَا أَشَارَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ بِقَوْلِهِ: وَإِنْ حَازَ أَجْنَبِيٌّ غَيْرُ شَرِيكٍ وَتَصَرَّفَ ثُمَّ ادَّعَى حَاضِرٌ سَاكِتٌ، بِلَا مَانِعٍ عَشْرَ سِنِينَ لَمْ يُسْمَعْ، وَلَا بَيِّنَتُهُ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي الرِّسَالَةِ: مَنْ حَازَ دَارًا عَلَى حَاضِرٍ عَشْرَ سِنِينَ تُنْسَبُ إلَيْهِ وَصَاحِبُهَا حَاضِرٌ عَالِمٌ لَا يَدَّعِي شَيْئًا، فَلَا قِيَامَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ نَصُّ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهَا، ثُمَّ أَشَارَ النَّاظِمُ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَسَائِلِ الْأَرْبَعِ الَّتِي فَرَّعَ عَلَى الْأُولَى بِقَوْلِهِ:

إلَّا إذَا أَثْبَتَ حَوْزًا بِالْكِرَا ... أَوْ مَا يُضَاهِيهِ فَلَنْ يُعْتَبَرَا

يَعْنِي أَنَّ عَدَمَ سَمَاعِ دَعْوَى الْقَائِمِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ أَكْرَى لِلْحَائِزِ وَأَعْمَرَهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَثْبَتَ الْقَائِمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّ دَعْوَاهُ مَقْبُولَةٌ مَسْمُوعَةٌ، وَيُحْكَمُ بِالدَّارِ لِلْقَائِمِ الْمَذْكُورِ، وَلَا يُعْتَبَرُ الْحَوْزُ حِينَئِذٍ، وَيَحْلِفُ كَمَا يَأْتِي عَنْ ابْنِ الْحَاجِب فَفَاعِلُ أَثْبَتَ لِلْمُدَّعِي الْقَائِمِ وَنَائِبُ يُعْتَبَرُ لِلْحَوْزِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) عَنْ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَبِيعَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ يَرْفَعُ الْحَدِيثَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَازَ شَيْئًا عَشْرَ سِنِينَ فَهُوَ لَهُ» .

قَالَ عَبْدُ الْجَبَّارِ وَقَالَ رَبِيعَةُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ حَاضِرًا وَمَالُهُ فِي يَدِ غَيْرِهِ فَمَضَتْ عَلَيْهِ عَشْرُ سِنِينَ، وَهُوَ عَلَى ذَلِكَ، فَالْمَالُ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ الْآخَرُ بِبَيِّنَةٍ عَلَى أَنَّهُ أَكْرَى أَوْ أَسْكَنَ أَوْ أَعَارَ عَارِيَّةً، وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الشَّيْخِ خَلِيلٍ إلَّا بِإِسْكَانٍ وَنَحْوِهِ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَنَّ دَعْوَى الْقَائِمِ لَا تُسْمَعُ مَا نَصُّهُ: وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ إلَّا بِإِسْكَانٍ أَوْ إعْمَارٍ أَوْ مُسَاقَاةٍ وَشِبْهِهِ ا. هـ.

وَالْمَعْنَى أَنَّ مُجَرَّدَ دَعْوَى الْقَائِمِ لَا تُسْمَعُ وَأَمَّا بَيِّنَتُهُ، فَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ بِمِلْكِيَّةِ الْمَحُوزِ عَنْهُ لَمْ تُسْمَعْ أَيْضًا وَإِنْ شَهِدَتْ لَهُ، بِأَنَّهُ أَسْكَنَهُ أَوْ أَكْرَاهُ أَوْ نَحْوِهِ، فَتُقْبَلُ، ثُمَّ أَشَارَ لِلْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ بِقَوْلِهِ:

أَوْ يَدَّعِي حُصُولَهُ تَبَرُّعًا ... مِنْ قَائِمٍ فَلْيُثْبِتَنَّ مَا ادَّعَى

أَوْ يَحْلِفُ الْقَائِمُ يَعْنِي أَنَّ الدَّارَ تَكُونُ لِلْحَائِزِ إلَّا إذَا ادَّعَى أَنَّ الْقَائِمَ وَهَبَهَا لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>