للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فَصْلٌ فِي ضَرَرِ الْأَشْجَارِ]

ِ

وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَشْجَارِ ... جَنْبَ جِدَارٍ مُبْدِيَ انْتِشَارِ

فَإِنْ يَكُنْ بَعْدَ الْجِدَارِ وُجِدَا ... قُطِعَ مَا يُؤْذِي الْجِدَارَ أَبَدَا

وَحَيْثُ كَانَ قَبْلَهُ يُشَمَّرُ ... وَتَرْكُهُ وَإِنْ أَضَرَّ الْأَشْهَرُ

يَعْنِي إنْ كَانَتْ لَهُ شَجَرَةٌ أَوْ أَشْجَارٌ إلَى جَنْبِ جِدَارٍ لِغَيْرِهِ وَأَضَرَّتْ تِلْكَ الشَّجَرَةُ أَوْ الْأَشْجَارُ بِذَلِكَ الْجِدَارِ بِانْتِشَارِ أَغْصَانِهَا وَامْتِدَادِ فُرُوعِهَا حَتَّى خَرَجَتْ عَنْ حُدُودِ مِلْكِ رَبِّهَا فَلَا يَخْلُو الْحَالُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إنْ سَبَقَ الْجِدَارُ الْأَشْجَارَ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهَا فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مِنْ تِلْكَ الْأَغْصَانِ مَا أَضَرَّ وَانْتَشَرَ؛ لِأَنَّ الضَّرَرَ حَادِثٌ عَلَى الْجِدَارِ، وَكُلُّ حَادِثٍ مِنْ الضَّرَرِ يُحْكَمُ بِزَوَالِهِ وَإِنْ سَبَقَتْ الْأَشْجَارُ الْجِدَارَ فَقَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ يُقْطَعُ مَا أَضَرَّ وَانْتَشَرَ وَخَرَجَ عَنْ أَرْضِ صَاحِبِهِ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالتَّشْمِيرِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ يُتْرَكُ وَلَا يُزَالُ وَإِنْ أَضَرَّ وَهُوَ أَشْهَرُ الْقَوْلَيْنِ. قَالَ الشَّارِحُ: فَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمُطَرِّفٍ وَوَجْهُهُ كَوْنُ الْحَائِطِ فِي مِلْكِ رَبِّهِ قَدْ بَنَاهُ فِي مَوْضِعِهِ الَّذِي يَسُوغُ لَهُ بِنَاؤُهُ فِيهِ فَلَا سَبِيلَ لَأَنْ يَسْتَحِقَّهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ بِفُرُوعِ شَجَرَتِهِ الْخَارِجَةِ عَنْ حُدُودِ مِلْكِهِ. وَالْقَوْلُ الثَّانِي لِابْنِ الْمَاجِشُونِ وَوَجْهُهُ أَنَّ الَّذِي بَنَى الْحَائِطَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى أَنَّ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ شَجَرَةً قَدْ اسْتَحَقَّتْ بِانْتِشَارِهَا هَوَاءَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ، فَلَا حَقَّ لَهُ فِيهِ وَقَدْ سَبَقَ انْتِشَارُ أَغْصَانِ الشَّجَرَةِ لِبُنْيَانِهِ، وَلِكِلَا الْقَوْلَيْنِ وَجْهٌ، لَكِنَّ الثَّانِيَ هُوَ الْأَشْهَرُ.

فَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ مُطَرِّفٌ فِي الشَّجَرَةِ تَكُونُ إلَى جَانِبِ جِدَارِ الرَّجُلِ فَيُصَوِّرُ لَهُ فَإِنْ كَانَتْ أَقْدَمَ مِنْ الْجِدَارِ وَكَانَتْ عَلَى حَالِ مَا هِيَ عَلَيْهِ الْيَوْمَ مِنْ انْبِسَاطٍ فَلَا تُقْطَعُ، وَإِنْ حَدَثَ لَهَا أَغْصَانٌ بَعْدَ مَا بَنَى الْجِدَارَ تَضُرُّ بِالْجِدَارِ فَلِيُشَمِّرْ مِنْهَا كُلَّ مَا أَضَرَّ بِالْجِدَارِ مِمَّا حَدَثَ.

وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ تُتْرَكُ وَمَا حَدَثَ وَانْتَشَرَ مِنْ أَغْصَانِهَا وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِالْجِدَارِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ هَذَا شَأْنُ الشَّجَرِ فَقَدْ صَارَ مِنْ حَرِيمِهَا قَبْلَ بِنَاءِ الْجِدَارِ وَقَالَ أَصْبَغُ كَقَوْلِ مُطَرِّفٍ وَبِهِ أَقُولُ. قَالَ ابْنُ يُونُسَ وَقَالَهُ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ وَقَالُوا أَجْمَعَ وَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ مُحْدَثَةً بَعْدَ الْجِدَارِ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ كُلُّ مَا آذَى الْجِدَارَ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : وَلَا خَفَاءَ بِوَجْهِ هَذَا الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ إذَا كَانَتْ الشَّجَرَةُ أَقْدَمَ مِنْ الْحَائِطِ؛ لِأَنَّ رَبَّ الْحَائِطِ لَمْ يَدْخُلْ إلَّا عَلَى أَنَّ الشَّجَرَةَ قَدْ مَلَكَتْ هَوَاءَ الْمَوْضِعِ الَّذِي بَنَى فِيهِ حَائِطَهُ. اهـ فَقَوْلُهُ:

وَكُلُّ مَا كَانَ مِنْ الْأَشْجَارِ

.. إلَخْ كُلُّ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ الشَّرْطُ وَجَوَابُهُ فِي قَوْلِهِ:

فَإِنْ يَكُنْ بَعْدَ الْجِدَارِ وُجِدَا ... قُطِعَ مَا يُؤْذِي الْجِدَارَ أَبَدَا

وَاسْمُ كَانَ ضَمِيرٌ يَعُودُ عَلَى مَا الْوَاقِعَةِ عَلَى الْأَشْجَارِ، وَمِنْ الْأَشْجَارِ بَيَانٌ لِلْإِبْهَامِ الَّذِي فِي مَا، وَجَنْبُ، خَبَرُ كَانَ وَمُبْدِيَ حَالٌ مِنْ الْأَشْجَارِ وَاسْمُ يَكُنْ أَيْ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَشْجَارِ وَكَذَا اسْمُ كَانَ فِي الْبَيْتِ الثَّالِثِ، وَضَمِيرُ قَبْلُهُ لِلْجِدَارِ.

وَمَنْ تَكُنْ لَهُ بِمِلْكٍ شَجَرَهْ ... أَغْصَانُهَا عَالِيَةٌ مُنْتَشِرَهْ

فَلَا كَلَامَ عِنْدَ ذَا لِجَارِهَا ... لَا فِي ارْتِفَاعِهَا وَلَا انْتِشَارِهَا

وَكُلُّ مَا يَخْرُجُ عَنْ هَوَاءِ ... صَاحِبِهَا يُقْطَعُ بِاسْتِوَاءِ

<<  <  ج: ص:  >  >>