[فَصْلٌ فِي أَحْكَامِ الدِّمَاء]
ِ
الْقَتْلُ عَمْدًا لِلْقِصَاصِ مُوجِبُ ... بَعْدَ ثُبُوتِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ
مِنْ اعْتِرَافِ ذِي بُلُوغٍ عَاقِلِ ... أَوْ شَاهِدَيْ عَدْلٍ بِقَتْلِ الْقَاتِلِ
أَوْ بِالْقَسَامَةِ وَبِاللَّوْثِ تَجِبْ ... وَهُوَ بِعَدْلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ
أَوْ بِكَثِيرٍ مِنْ لَفِيفِ الشُّهَدَا ... وَيَسْقُطُ الْإِعْذَارُ فِيهِمْ أَبَدَا
وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ ... قَسَامَةً بِغَيْرِ عَدْلٍ يُوجِبُ
أَوْ بِمَقَالَةِ الْجَرِيحِ الْمُسْلِمِ ... الْبَالِغِ الْحُرِّ فُلَانٌ بِدَمِ
يَشْهَدُ عَدْلَانِ عَلَى اعْتِرَافِهِ ... وَصِفَةُ التَّمْيِيزِ مِنْ أَوْصَافِهِ
أَوْ بِقَتِيلٍ مَعَهُ قَدْ وُجِدَا ... مَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ عَلَيْهِ قَدْ بَدَا
يَعْنِي أَنَّ مَنْ قَتَلَ إنْسَانًا عَمْدًا بِغَيْرِ حَقٍّ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ بِهِ، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْقِصَاصِ وَإِنَّمَا يُقْتَصُّ مِنْ الْقَاتِلِ إذَا ثَبَتَ الْقَتْلُ بِمَا يَجِبُ ثُبُوتُهُ بِهِ، وَهُوَ أَحَدُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ: (أَوَّلُهَا: اعْتِرَافُ الْقَاتِلِ بِالْقَتْلِ إذَا كَانَ عَاقِلًا بَالِغًا.
(الثَّانِي) : شَهَادَةُ عَدْلَيْنِ عَلَى الْقَتْلِ. (الثَّالِثُ) : الْقَسَامَةُ وَهِيَ حَلِفُ وُلَاةِ الْمَقْتُولِ خَمْسِينَ يَمِينًا أَنَّهُ قَتَلَهُ إذَا وُجِدَ اللَّوْثُ وَهُوَ أَمْرٌ يَنْشَأُ عَنْهُ غَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي وَيَأْتِي بَعْضُ مُثُلِهِ، وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
الْقَتْلُ عَمْدًا لِلْقِصَاصِ مُوجِبُ
إلَى قَوْلِهِ وَبِاللَّوْثِ تَجِبُ ثُمَّ فَسَّرَ اللَّوْثَ بِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: شَهَادَةُ عَدْلٍ وَاحِدٍ بِالْقَتْلِ، هُوَ مُرَادُهُ بِمَا طَلَبَ. الثَّانِي: شَهَادَةُ اللَّفِيفِ وَهُمْ جَمَاعَةٌ غَيْرُ عُدُولٍ وَلَا يُعْذَرُ فِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ مَدْخُولٌ عَلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُمْ غَيْرُ عُدُولٍ وَيُعْذَرُ إلَى الْقَاتِلِ فَيُقَالُ لَهُ: إنْ كَانَتْ لَك مَنْفَعَةٌ مِنْ غَيْرِ بَابِ الشُّهُودِ فَأْتِ بِهَا وَيُوَسَّعُ لَهُ فِي الْأَجَلِ.
الثَّالِثُ: رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْقَسَامَةَ تَجِبُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَمَالِكٌ فِيمَا رَوَاهُ أَشْهَبُ
الْبَيْتَ. فَمَالِكٌ مُبْتَدَأٌ وَجُمْلَةُ يُوجِبُ خَبَرُهُ، وَقَسَامَةَ مَفْعُولُ يُوجِبُ. الرَّابِعُ: قَوْلُ الْجَرِيحِ الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الْبَالِغِ الْمُمَيِّزِ دَمِي عِنْدَ فُلَانٍ إذَا سَمِعَ ذَلِكَ مِنْهُ عَدْلَانِ يَعْنِي وَفِيهِ جُرْحٌ ظَاهِرٌ. الْخَامِسُ: إذَا وُجِدَ قَتِيلٌ يَتَشَحَّطُ فِي دَمِهِ وَالْمُتَّهَمُ قُرْبَهُ عَلَيْهِ أَثَرُهُ وَإِلَى هَذِهِ الْوُجُوهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَهُوَ بِعَدْلٍ شَاهِدٍ بِمَا طُلِبْ
.. إلَخْ.
وَضَمِيرُ ثُبُوتِهِ لِلْقَتْلِ عَمْدًا (وَمِنْ اعْتِرَافٍ) بَيَانٌ لِلْإِبْهَامِ الَّذِي فِي لَفْظِ مَا مِنْ قَوْلِهِ بِمَا يَسْتَوْجِبُ وَشَاهِدَيْ عَطْفٌ عَلَى اعْتِرَافٍ وَبِقَتْلِ يَتَعَلَّقُ بِشَاهِدَيْ وَبِالْقَسَامَةِ عَطْفٌ عَلَى اعْتِرَافٍ أَيْضًا، وَبَاؤُهُ بِمَعْنَى مِنْ وَبِاللَّوْثِ يَتَعَلَّقُ بِتَجِبُ وَضَمِيرُ هُوَ يَعُودُ عَلَى اللَّوْثِ (وَبِكَثِيرٍ) عَطْفٌ عَلَى بِعَدْلٍ وَبِمَقَالَةِ عَطْفٌ عَلَى بِكَثِيرٍ، وَفُلَانٌ بِدَمِ هُوَ الْمَحْكِيُّ بِقَوْلِهِ أَوْ بِمَقَالَةِ، وَضَمِيرُ اعْتِرَافِهِ لِلْجَرِيحِ، وَكَذَا ضَمِيرُ أَوْصَافِهِ، وَبِقَتِيلٍ عَطْفٌ عَلَى (بِمَقَالَةِ) وَجُمْلَةُ قَدْ وُجِدَ مَعَهُ صِفَةُ قَتِيلٍ وَمَنْ أَثَرُ الْقَتْلِ نَائِبُ وُجِدَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. (تَنْبِيهَاتٌ: الْأَوَّلُ) : تَقَدَّمَ أَنَّ الْقِصَاصَ إنَّمَا هُوَ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ أَيْ لَا فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَالْعَمْدِ (قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ) : قَالَ فِي التَّلْقِينِ: الْعَمْدُ مَا قُصِدَ بِهِ إتْلَافُ النَّفْسِ بِآلَةٍ تَقْتُلُ غَالِبًا وَلَوْ بِمُثْقَلٍ أَوْ بِإِصَابَةِ