للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّجُلِ فِي الْحَالِ وَإِنَّمَا يَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَمْرِهِ فَيَسْجُنُهُ وَيَتَجَسَّسُ عَنْ أَمْرِهِ، فَإِنْ ظَهَرَ لَهُ صِحَّةُ دَعْوَى الْمَرْأَةِ لَزِمَهُ الصَّدَاقُ أَوْ بُطْلَانُ دَعْوَاهَا بَرِئَ.

وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ حَلَفَ أَنَّهُ مَا وَطِئَ وَبَرِيءَ، وَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَوَجَبَ لَهَا عَلَيْهِ صَدَاقُ مِثْلِهَا. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

وَإِنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حَالٍ فَيَجِبْ

(الْبَيْتَ) فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَحَلَّهُ قَبْلَ أَوَّلِ هَذِهِ الْأَبْيَاتِ مُتَّصِلًا بِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُشْتَهَرِ بِالْفِسْقِ، وَالْمُشْتَهَرُ بِالْفِسْقِ لَيْسَ مَجْهُولَ الْحَالِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ:) وَأَمَّا الْوَجْهُ الْأَوَّلُ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ وَلَا تَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ فَهَذَا الْوَجْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا فِيهِ حَدُّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ وَلَا حَدُّ الزِّنَا لِنَفْسِهَا، إلَّا أَنْ يَظْهَرَ بِهَا حَمْلٌ وَلَا صَدَاقَ لَهَا وَيَنْظُرُ الْإِمَامُ فِي أَمْرِهِ فَيَسْجُنُهُ وَيَتَجَسَّسُ عَنْ أَمْرِهِ، وَيَفْعَلُ فِيهِ مَا يَكْشِفُ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ، فَإِنْ لَمْ يَنْكَشِفْ مِنْ أَمْرِهِ شَيْءٌ اُسْتُحْلِفَ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ صَدَاقَ مِثْلِهَا.

وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يُشَارُ إلَيْهِ بِالْفِسْقِ وَتَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ مُتَشَبِّثَةً تَدْمَى إنْ كَانَتْ بِكْرًا فَهَذَا الْوَجْهُ يُسْقِطُ عَنْهَا حَدَّ الْقَذْفِ لِلرَّجُلِ وَحَدَّ الزِّنَا، وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ. وَاخْتُلِفَ فِي وُجُوبِ الصَّدَاقِ لَهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهُ يَجِبُ وَهِيَ رِوَايَةُ أَشْهَبَ عَنْ مَالِكٍ فِي كِتَابِ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ إذَا وَجَبَ لِلْأَمَةِ مَا نَقَصَهَا فَأَحْرَى أَنْ يُوجِبَ لِلْحُرَّةِ صَدَاقَ مِثْلِهَا. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ لَهَا شَيْءٌ وَهِيَ رِوَايَةُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ الْحُدُودِ فِي الْقَذْفِ، قَالَ: وَلَوْ كَانَ أَشَرَّ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْرَقِ فِي زَمَانِهِ. وَالثَّالِثُ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي الْوَاضِحَةِ إنَّهُ يَجِبُ لَهَا الصَّدَاقُ إنْ كَانَتْ حُرَّةً وَلَا شَيْءَ لَهَا إنْ كَانَتْ أَمَةً.

وَاخْتُلِفَ إذَا وَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ بِدَعْوَاهَا مَعَ مَا بَلَغَتْ إلَيْهِ مِنْ فَضِيحَةِ نَفْسِهَا: هَلْ يَجِبُ بِيَمِينٍ أَوْ بِغَيْرِ يَمِينٍ؟ فَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تَأْخُذُهُ بِغَيْرِ يَمِينٍ، وَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهَا لَا تَأْخُذُ إلَّا بَعْدَ الْيَمِينِ. وَهُوَ أَوْضَحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ لَمْ يَكُنْ لَهَا صَدَاقٌ وَاسْتُحْلِفَ هُوَ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَأَخَذَتْ صَدَاقَهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ. اهـ وَقَوْلُهُ: وَإِنْ كَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ إلَخْ هُوَ الَّذِي تَبِعَ الْمُؤَلِّفَ فِي ذِكْرِهِ ذَلِكَ فِي هَذَا الْقِسْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِمَ فَعَلَ ذَلِكَ

[فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ]

(فَصْلٌ فِي دَعْوَى السَّرِقَةِ) (ابْنُ عَرَفَةَ) السَّرِقَةُ أَخْذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ لِصِغَرِهِ أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا لِغَيْرِهِ نِصَابًا أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزِهِ بِقَصْدٍ وَاحِدٍ خُفْيَةً لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ. (قَالَ الرَّصَّاعُ) : السَّرِقَةُ اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ سَرَقَ وَيُقَالُ فِي الْمَصْدَرِ سَرَقًا، قَالَ الْمَازِرِيُّ هِيَ أَخْذُ الْمَالِ عَلَى الِاسْتِسْرَارِ، هَذَا حَدُّهَا عُرْفًا فَيَخْرُجُ أَخْذُهُ قَهْرًا وَغَصْبًا وَحِرَابَةً وَغِيلَةً وَخَدِيعَةً. قَالُوا: وَيَرِدُ عَلَيْهِ الِاخْتِلَاسُ وَيَرِدُ عَلَيْهِ أَيْضًا بَعْضُ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخُ فِي قَيْدِهِ فِي الطَّرْدِ، وَمَا أَدْخَلَ فِي الْعَكْسِ، فَقَوْلُهُ: أَخْذُ، مُنَاسِبٌ لِاسْمِ الْمَصْدَرِ، وَإِذَا أُرِيدَ الِاسْمُ قِيلَ: مَأْخُوذُ مُكَلَّفٍ حُرًّا لَا يَعْقِلُ. إلَخْ.

وَأَخْرَجَ بِالْمُكَلَّفِ الْمَجْنُونَ وَالصَّبِيَّ إلَى أَنْ يَحْتَلِمَ أَوْ يَبْلُغَ سِنَّ الِاحْتِلَامِ عَادَةً. وَقَوْلُهُ: لَا يَعْقِلُ. أَدْخَلَ بِهِ الصَّبِيَّ قَبْلَ بُلُوغِهِ إذَا لَمْ يَعْقِل إذَا أُخِذَ مِنْ حِرْزِهِ فَإِنَّهُ سَرِقَةٌ يُقْطَعُ بِهِ. وَمَعْنَى: لَا يَعْقِلُ لَا يَفْهَمُ لِقُوَّةِ صِغَرِهِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْبَهِيمَةِ لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا وَلَا تَتَكَلَّمُ بِمَا يُفْهَمُ عَنْهَا، وَقَوْلُهُ: نِصَابًا أَيْ مِنْ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ أَوْ مِنْ الْعُرُوضِ، وَهَلْ الْمُرَاد مَا قَصَدَ كَوْنَهُ نِصَابًا فَيَرِدُ عَلَيْهِ مَنْ سَرَقَ ثَوْبًا خَلِقًا فَوَجَدَ فِيهِ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ مَعَ كَوْنِهِ إنَّمَا قَصَدَ الثَّوْبَ الَّذِي لَيْسَ بِنِصَابٍ؟ أَوْ الْمُرَادُ مَا وَجَدَ فِيهِ النِّصَابَ فَيَرِدُ عَلَيْهِ إذَا سَرَقَ خَشَبَةً فَوَجَدَ فِيهَا ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ لَا يُقْطَعُ. وَالْأَوَّلُ وَارِدٌ عَلَى الْعَكْسِ وَالثَّانِي عَلَى الطَّرْدِ.

وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ نِصَابٌ مَوْجُودٌ مَقْصُودٌ. وَقَوْلُهُ: مِنْ حِرْزِهِ. أَخْرَجَ بِهِ مَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ حِرْزِهِ أَوْ إذَا لَمْ يَكُنْ حِرْزٌ بِوَجْهٍ. وَقَوْلُهُ: أَوْ مَالًا مُحْتَرَمًا أَخْرَجَ بِهِ أَخْذَ غَيْرِ الْأَسِيرِ مَالَ حَرْبِيٍّ وَسَرِقَةَ الْخَمْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ مِمَّا يَجُوزُ مِلْكُهُ مِنْ حَيَوَانٍ وَغَيْرِهِ وَقَوْلُهُ: بِقَصْدٍ وَاحِدٍ. ذَكَرَهُ لِيُدْخِلَ بِهِ إذَا سَرَقَ أَقَلَّ مِنْ النِّصَابِ، ثُمَّ كَرَّرَ ذَلِكَ مِرَارًا بِقَصْدٍ وَاحِدٍ حَتَّى كَمُلَ النِّصَابُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ، وَقَوْلُهُ: لَا شُبْهَةَ فِيهِ يُخْرِجُ أَخْذَ الْأَبِ

<<  <  ج: ص:  >  >>