يَجُوزُ صُلْحُهُ عَنْ الْيَتِيمِ الَّذِي إلَى نَظَرِهِ، فِيمَا طُلِبَ لَهُ مِنْ الْحَقِّ أَوْ طُولِبَ بِهِ، فِي أَنْ يَأْخُذَ بَعْضَ حَقِّهِ الَّذِي يُطْلَبُ. مِنْ الْغَيْرِ، وَيَضَعُ بَعْضَهُ إذَا خُشِيَ أَنْ لَا يَصِحَّ لَهُ مَا ادَّعَاهُ، وَبِأَنْ يُعْطِيَ مِنْ مَالِهِ بَعْضَ مَا يُطْلَبُ بِهِ، إذَا خُشِيَ أَنْ يَثْبُتَ عَلَيْهِ جَمِيعُ مَا يُطْلَبُ بِهِ، وَفِي أَوَاخِرِ السِّفْرِ الثَّالِثِ مِنْ الْمِعْيَارِ، فِي صَدْرِ جَوَابٍ لِمُؤَلِّفِهِ فِي مَسْأَلَةٍ مِنْ الصُّلْحِ، سُمِّيَ جَوَابُهُ الْمَذْكُورُ تَنْبِيهُ الطَّالِبِ الدَّرَّاكِ فِي الصُّلْحِ الْمُنْعَقِدِ بَيْنَ ابْنِ سَعْدٍ، وَالْحَبَّاكِ. قَالَ: تَحْصِيلُ صُلْحِ الْوَصِيِّ عَنْ أَيْتَامِهِ بِبَعْضِ الْحَقِّ، بَعْدَ فَرْضِ سَلَامَتِهِ مِنْ الْقَوَادِحِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْمَوَانِعِ الشَّرْعِيَّةِ، إنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُطْلَبُ لِلْمَحْجُورِ، وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مِمَّا يُطْلَبُ بِهِ، فَالْأَوَّلُ لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلُ - أَنْ يَكُونَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ لَهُمْ، بِحَيْثُ لَا خِصَامَ فِيهِ وَلَا دَعْوَى، وَالثَّانِي - أَنْ يَكُونَ قَبْلَ ثُبُوتِهِ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، وَالثَّالِثُ - أَنْ يَكُونَ غَيْرَ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ، لَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ فَالْأَوَّلُ لَا يَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ فِي مَالِ الْمَحْجُورِ، وَهُوَ مَمْنُوعٌ عِنْدَ الْكَافَّةِ وَالْجُمْهُورِ، وَالثَّانِي مَشْرُوعٌ، وَالثَّالِثُ مَمْنُوعٌ.
وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُطْلَبُ بِهِ، فَلَا يَخْلُو أَيْضًا إمَّا أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، أَوْ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، أَوْ لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَالْأَوَّلُ يَجُوزُ صُلْحُهُ عَلَيْهِ بِمِثْلِ الْحَقِّ فَأَقَلَّ، وَلَا يَجُوزُ بِأَكْثَرَ، وَالثَّانِي وَهُوَ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ فِي إجَازَتِهِ وَمَنْعِهِ عَلَى قَوْلَيْنِ. وَالْقَوْلُ بِالْإِجَازَةِ مِنْهُمَا هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي سَمَاعِ أَصْبَغَ، وَالْمَنْعُ هُوَ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِي وَاضِحَتِهِ وَأَحْكَامِهِ، ثُمَّ قَالَ: قُلْتُ وَالْقَوْلَانِ مُتَكَافِئَانِ فِي نَظَرِ كَثِيرٍ مِنْ مَشَايِخِ الْمَذْهَبِ، وَصَوَّبَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ قَوْلَ ابْنِ الْقَاسِمِ، وَاعْتَلَّ لَهُ بِأَنَّ فِعْلَ الْوَصِيِّ مَحْمُولٌ عَلَى النَّظَرِ، حَتَّى يَثْبُتَ خِلَافُهُ اهـ كَذَا وَجَدْتُ هَذَا الْكَلَامَ فِي نُسْخَتَيْنِ مِنْ الْمِعْيَارِ، وَالْغَالِبُ أَنَّهُ سَقَطَ بَعْضُهُ وَأَصْلُهُ، وَالثَّانِيَ وَهُوَ مَا لَيْسَ بِثَابِتٍ فِي الْحَالِ، وَلَا يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَلَا يَجُوزُ الصُّلْحُ فِيهِ عَنْهُ بِحَالٍ، وَأَمَّا الثَّالِثُ - وَهُوَ مَا لَيْسَ ثَابِتًا فِي الْحَالِ، وَلَكِنْ يُرْجَى ثُبُوتُهُ فِي الْمَآلِ، فَاخْتَلَفَ الْمَذْهَبُ. . . إلَخْ، وَهَذَا الْقِسْمُ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَحَلِّ الْخِلَافِ بِسَبَبِ النَّظَرِ إلَى الْحَالِ، وَالْمَآلِ، وَهِيَ قَاعِدَةٌ مِنْ الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ قَوْلُهُ (وَلِلْوَصِيِّ) يَتَعَلَّقُ بِ يَجُوزُ، وَالصُّلْحُ مُبْتَدَأٌ وَعَمَّنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ، وَجُمْلَةُ لَا يَجُوزُ خَبَرُ الصُّلْحِ.
وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ صُلْحٍ أُبْرِمَا ... وَإِنْ تَرَاضَيَا وَجَبْرًا أُلْزِمَا
يَعْنِي أَنَّ الْمُتَخَاصِمَيْنِ إذَا وَقَعَ الصُّلْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى وَجْهٍ جَائِزٍ ثُمَّ أَرَادَا الرُّجُوعَ إلَى مَا كَانَا عَلَيْهِ مِنْ الْخُصُومَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ وَيُجْبَرَانِ عَلَى الْتِزَامِ مَا وَقَعَ بَيْنَهُمَا مِنْ الصُّلْحِ (قَالَ ابْنُ أَبِي زَمَنِينَ فِي مُنْتَخَبِهِ) وَسُئِلَ عِيسَى عَنْ رَجُلَيْنِ اصْطَلَحَا فِي شَيْءٍ تَدَاعَيَا فِيهِ ثُمَّ أَرَادَا أَنْ يَنْقُضَا الصُّلْحَ وَيَرْجِعَا إلَى الدَّعْوَى الْأُولَى قَالَ هَذَا لَا يَجُوزُ (سَحْنُونٌ) إنْ اسْتَحَقَّ مَا قَبَضَ الْمُدَّعِي فِي الصُّلْحِ عَلَى الْإِنْكَارِ فَلْيَرْجِعْ بِقِيمَةِ مَا قَبَضَ أَوْ مِثْلِهِ إنْ كَانَ يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ (ابْنُ يُونُسَ) هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لَا الرُّجُوعُ إلَى الْخُصُومَةِ.
وَيُنْقَضُ الْوَاقِعُ فِي الْإِنْكَارِ ... إنْ عَادَ مُنْكِرٌ إلَى الْإِقْرَارِ
يَعْنِي أَنَّ مَنْ ادَّعَى حَقًّا عَلَى غَيْرِهِ، فَجَحَدَهُ وَأَنْكَرَهُ ثُمَّ صَالَحَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ أَقَرَّ بِمَا أَنْكَرَ أَوَّلًا قَبْلَ الصُّلْحِ فَإِنَّ الصُّلْحَ يُنْقَضُ وَيَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعِي، وَهَذَا الْفَرْعُ وَمَا يُسْتَطْرَدُ بَعْدَهُ مِنْ نَظَائِرِهِ فِي مَعْرِضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ
وَلَا يَجُوزُ نَقْضُ صُلْحٍ أُبْرِمَا
قَالَ فِي (الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) قَالَ أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ سُئِلَ عِيسَى بْنُ دِينَارٍ عَنْ رَجُلٍ لَهُ حَقٌّ عَلَى رَجُلٍ فَجَحَدَهُ، فَصَالَحَهُ عَلَى الْإِنْكَارِ بِبَعْضِ الْحَقِّ، ثُمَّ أَقَرَّ بَعْدُ أَنَّ مَا ادَّعَى بِهِ عَلَيْهِ حَقٌّ فَقَالَ عِيسَى يَلْزَمُهُ غُرْمُ مَا بَقِيَ مِنْ حَقِّ الْمُدَّعَى وَقَالَ لَوْ أَنَّ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ وَثِيقَةً بِحَقٍّ فَضَاعَتْ فَأَنْكَرَ غَرِيمُهُ فَصَالَحَهُ بِبَعْضِ الْحَقِّ ثُمَّ وَجَدَهَا فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَقِّهِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَالصُّلْحُ عَلَى الْإِنْكَارِ وَعَلَى الِافْتِدَاءِ مِنْ الْيَمِينِ جَائِزٌ حُكْمُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute