للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا حَيَوَانٍ لَا يَعْقِلُ " أَخْرَجَ بِهِ كِرَاءَ الرَّوَاحِلِ فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ بَابِ الْكِرَاءِ لَا مِنْ بَابِ الْإِجَارَةِ، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْحَيَوَانِ الْعَاقِلِ فَهِيَ الْإِجَارَةُ الْمُرَادَةُ هُنَا، وَذَكَرَ الْعِوَضَ لِأَنَّهُ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِجَارَةِ، ثُمَّ وَصَفَهُ بِكَوْنِهِ غَيْرَ نَاشِئٍ عَنْهَا لِيُخْرِجَ الْقِرَاضَ، وَالْمُسَاقَاةَ وَالْمُغَارَسَةَ، وَأَخْرَجَ الْجُعْلَ بِقَوْلِهِ: " يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا ".

وَقَوْلُهُ: " بَعْضُهُ يَتَبَعَّضُ " ضَمِيرُ " بَعْضُهُ " لِلْعِوَضِ، وَضَمِيرُ بِتَبْعِيضِهَا لِلْإِجَارَةِ وَكَأَنَّهُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ بِتَبْعِيضِ عَمَلِهَا، وَلَوْ قَالَ جُلُّهُ يَتَبَعَّضُ إلَخْ لَكَانَ أَنْسَبَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(قَالَهُ الْإِمَامُ ابْنُ عَرَفَةَ) إنَّمَا ذَكَرْته خَوْفًا مِنْ نَقْضِ عَكْسِ الْحَدِّ لِأَجْلِ قَوْله تَعَالَى {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص: ٢٧] لِأَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا إجَارَةٌ عِوَضُهَا الْبُضْعُ وَهُوَ لَا يَتَبَعَّضُ فَلَوْ أَسْقَطْت قَوْلِي بَعْضُهُ وَقُلْت يَتَبَعَّضُ بِتَبْعِيضِهَا لَخَرَجَتْ هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ الْحَدِّ فَكَانَ غَيْرَ مُنْعَكِسٍ مِنْ الرَّصَّاعِ

الْعَمَلُ الْمَعْلُومُ مِنْ تَعْيِينِهِ ... يَجُوزُ فِيهِ الْأَجْرُ مَعَ تَبْيِينِهِ

وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكَمِّلَهْ ... إنْ تَمَّ أَوْ بِقَدْرِ مَا قَدْ عَمِلَهْ

يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ الْمَعْلُومَ أَيْ لِلْعَامِلِ وَالْمَعْمُولِ لَهُ الَّذِي عَمِلَهُ حَاصِلٌ مِنْ تَعْيِينِهِ أَيْ مِنْ تَعْيِينِ قَدْرِهِ وَجِنْسِهِ وَصِفَتِهِ وَالتَّعْيِينُ إمَّا بِالْعَادَةِ أَوْ بِالِاتِّفَاقِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِجَارَةَ عَلَيْهِ جَائِزَةٌ إذَا وَقَعَ مَعَ الْبَيَانِ الْمَذْكُورِ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّعْيِينِ الْبَيَانُ فَهُوَ أَيْ قَوْلُهُ مَعَ تَبْيِينِهِ كَالْمُسْتَغْنَى عَنْهُ مِمَّا قَبْلَهُ ثُمَّ إنْ أَكْمَلَ ذَلِكَ الْعَمَلَ فَلِلْأَجِيرِ أُجْرَتُهُ كَامِلَةً، وَإِنْ لَمْ يُكْمِلْ فَلَهُ بِقَدْرِ مَا عَمِلَ مِنْهُ وَهَذَا مَعْنَى الْبَيْتَيْنِ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) : " الْإِجَارَةُ مُنْعَقِدَةٌ كَالْبِيَاعَاتِ ".

(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَالْإِجَارَةُ عَلَى جَمِيعِ الْأَعْمَالِ مِنْ خِيَاطَةٍ، وَصَبْغٍ، وَدَبْغٍ، وَصِيَاغَةٍ، وَقِصَارَةٍ، وَغَيْرِ ذَلِكَ جَائِزَةٌ إذَا سَمَّى الثَّمَنَ، وَوَصَفَ الْعَمَلَ. وَفِي الْمُنْتَخَبِ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ اُسْتُؤْجِرَ عَلَى عَمَلٍ يَعْمَلُهُ، فَعَمِلَ بَعْضَهُ ثُمَّ مَاتَ الْعَامِلُ فَقَالَ: " أَمَّا مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ فَإِنَّهُ يُحْتَسَبُ مَا قَدْ عَمِلَ ثُمَّ يُرَدُّ مَا بَقِيَ، وَأَمَّا مَا كَانَ مَضْمُونًا فَهُوَ فِي مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ الْعَامِلُ وَفَاءً حَاصَّ الْمُسْتَعْمَلُ الْغُرَمَاءَ بِقَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعَمَلِ يَوْمَ يُحَاصُّ بِهِ، وَلَيْسَ عَلَى قَدْرِ مَا بَقِيَ مِنْ إجَارَتِهِ اهـ.

وَإِلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ مَا يَعْمَلُهُ بِيَدِهِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ: " وَلِلْأَجِيرِ أُجْرَةٌ مُكَمِّلَهْ " (الْبَيْتَ) وَلَمْ يَتَكَلَّمْ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الْمَضْمُونُ، وَمَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ مِنْ تَبْيِينِ الْأَجْرِ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ: " أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِ الْخَيَّاطِ الْمُخَالِطِ الَّذِي لَا يَكَادُ يُخَالِفُ مُسْتَعْمِلَهُ دُونَ تَسْمِيَةِ أَجْرٍ إذَا فَرَغَ أَرْضَاهُ بِشَيْءٍ يُعْطِيهِ، وَمِنْ هَذَا: اعْمَلْ عَلَى دَابَّتِي فَمَا حَصَلَ فَلَكَ نِصْفُهُ وَأَخَذَ عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ فَرَسًا عَلَى النِّصْفِ وَأَجَازَ ذَلِكَ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ اهـ.

(الْمَوَّاقُ) وَكَانَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِيمَا هُوَ جَارٍ عَلَى هَذَا لَا يُفْتِي بِفِعْلِهِ ابْتِدَاءً، وَلَا يُشَنِّعُ عَلَى مَنْ ارْتَكَبَهُ قُصَارَى أَمْرِ مُرْتَكِبِهِ أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَرَعِ، وَمَا الْخِلَافُ فِيهِ شَهِيرٌ لَا حِسْبَةَ فِيهِ وَلَا سِيَّمَا إنْ دَعَتْ لِذَلِكَ حَاجَةٌ وَمِنْ أُصُولِ مَالِكٍ: أَنَّهُ يُرَاعِي الْحَاجَاتِ كَمَا يُرَاعِي الضَّرُورَاتِ.

(وَمِنْ نَوَازِلِ الشَّعْبِيِّ) وَسُئِلَ أَصْبَغُ عَنْ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ مَنْ يَعْمَلُ لَهُ فِي كَرْمٍ عَلَى جُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْكَرْمِ قَالَ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ جَمِيعُ مَا يُضْطَرُّ إلَيْهِ مِثْلُ مَنْ يَسْتَأْجِرُ الْأَجِيرَ يَحْرُسُ لَهُ الزَّرْعَ، وَلَهُ بَعْضُهُ قَالَ: يُنْظَرُ إلَى أَمْرِ النَّاسِ إذَا اُضْطُرُّوا إلَيْهِ فِيمَا لَا بُدَّ لَهُمْ مِنْهُ وَلَا يَجِدُونَ الْعَمَلَ إلَّا بِهِ، فَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ إذَا عَمَّ وَمِثْلُ ذَلِكَ كِرَاءُ السُّفُنِ فِي حَمْلِ الطَّعَامِ وَسُئِلَ سَيِّدِي ابْنُ سِرَاجٍ عَنْ إعْطَاءِ الْجِبَاحِ لِمَنْ يَخْدُمُهَا بِجُزْءٍ مِنْ غَلَّتِهَا فَقَالَ: " هِيَ إجَارَةٌ مَجْهُولَةٌ "، وَكَذَلِكَ الْأَفْرَانُ، وَالْأَرْحَاءُ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَسْتَبِيحُ الْقِيَاسَ عَلَى الْمُسَاقَاةِ، وَالْقِرَاضِ، وَحُكِيَ هَذَا عَنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَجَمَاعَةٍ، وَعَلَيْهِ يَخْرُجُ الْيَوْمَ عَمَلُ النَّاسِ فِي أُجْرَةِ الدَّلَّالِ لِحَاجَةِ النَّاسِ إلَيْهَا لِقِلَّةِ الْأَمَانَةِ، وَكَثْرَةِ الْخِيَانَةِ كَمَا اعْتَذَرَ مَالِكٌ بِمِثْلِ هَذَا فِي إبَاحَةِ تَأْخِيرِ الْأُجْرَةِ فِي الْكِرَاءِ الْمَضْمُونِ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ لِأَنَّ الْأَكْرِيَاءَ رُبَّمَا لَا يُوفُونَ فَعَدَّ مَالِكٌ هَذَا ضَرُورَةَ إبَاحَةِ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ فَالنَّاسُ مُضْطَرُّونَ لِهَذَا وَاَللَّهُ الْمُخَلِّصُ. انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>