للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ أَقَرَّ بِوَطْءِ أَمَةِ رَجُلٍ وَادَّعَى أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ، أَوْ بِوَطْءِ امْرَأَةٍ وَادَّعَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فَتُحَدُّ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ إلَّا أَنْ تَرْجِعَ عَنْ قَوْلِهَا، وَلَا تُحَدُّ عَلَى مَذْهَبِ أَشْهَبَ وَهُوَ نَصُّ ابْنِ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ.

وَكَذَا الْمَجْهُولُ الْحَالِ فِي هَذَا الْوَجْهِ إذَا كَانَتْ هِيَ مَجْهُولَةَ الْحَالِ، أَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ أَهْلِ الصَّوْنِ، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِنْ أَهْلِ الصَّوْنِ وَكَانَ مَجْهُولَ الْحَالِ فَيَتَخَرَّجُ وُجُوبُ حَدِّ الْقَذْفِ عَلَيْهَا لَهُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَيَحْلِفُ بِدَعْوَاهَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تُحَدُّ، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَكَانَ لَهَا صَدَاقُهَا عَلَيْهِ. اهـ وَإِنَّمَا قَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَنَّهُ يَأْتِي فِي الْمَسْأَلَةِ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَعَ أَنَّهَا سِتَّةٌ كَمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْوَجْهَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي الْمَعْرُوفِ بِالْفِسْقِ مِنْ قِيَامِهَا فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ مُدَّةٍ، وَبَاقِي كَلَامِ ابْنِ رُشْدٍ كَكَلَامِ النَّاظِمِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَجَزَاهُمَا عَنْ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا.

وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعَلُّقَا ... حَدُّ الزِّنَا يَسْقُطُ عَنْهَا مُطْلَقَا

وَالْقَذْفُ فِيهِ الْحَدُّ لِابْنِ الْقَاسِمِ ... وَحَلْفُهُ لَدَيْهِ غَيْرُ لَازِمِ

وَمَنْ نَفَى الْحَدَّ فَعِنْدَهُ يَجِبْ ... تَحْلِيفُهُ بِأَنَّ دَعْوَاهَا كَذِبْ

وَمِنْ نُكُولِهِ لَهَا الْيَمِينُ ... وَتَأْخُذُ الصَّدَاقَ مَا يَكُونُ

وَحَدُّهَا لَهُ اتِّفَاقًا إنْ تَكُنْ ... لَيْسَ لَهَا صَوْنٌ وَلَا حَالٌ حَسَنْ

وَعَدَمُ الْحَدِّ كَذَا لِلْمُنْبَهِمْ ... حَالًا إذَا كَانَتْ تَوَقَّى مَا يَصِمْ

وَإِنْ تَكُنْ لَا تَتَوَقَّى ذَلِكَا ... فَالْحَلْفُ تَخْرِيجًا بَدَا هُنَالِكَا

تَكَلَّمَ فِي الْأَبْيَاتِ عَلَى مَا إذَا ادَّعَتْ الِاغْتِصَابَ عَلَى الْمَشْهُورِ بِالدَّيْنِ أَوْ الْمَجْهُولِ الْحَالِ، وَقَامَتْ فِي الْحِينِ بِحَيْثُ جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِهِ لِقَوْلِهِ:

وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعَلُّقَا

فَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ قَبْلُ:

فَإِنْ تَكُنْ بَعْدَ التَّرَاخِي زَمَنًا

فَأَخْبَرَ هُنَا أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِصَالِحِ الْحَالِ فَإِنَّ حَدَّ الزِّنَا يَسْقُطُ عَنْهَا ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ أَوْ لَا، وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ.

وَأَمَّا حَدُّ الْقَذْفِ فَفِيهِ قَوْلَانِ: مَذْهَبُ ابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهَا تُحَدُّ لِقَذْفِهَا لِلرَّجُلِ وَلَا يَمِينَ عَلَى الرَّجُلِ. وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ الْقَاسِمِ لَا حَدَّ عَلَيْهَا وَيَحْلِفُ الرَّجُلُ عَلَى تَكْذِيبِهَا، فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَوَجَبَ لَهَا الصَّدَاقُ وَمَحَلُّ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ إنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مَعْرُوفَةً بِالصِّيَانَةِ وَحُسْنِ الْحَالِ، وَأَمَّا إنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَتُحَدُّ الْمَرْأَةُ لِلْقَذْفِ اتِّفَاقًا، هَذَا كُلُّهُ فِي الدَّعْوَى عَلَى صَالِحِ الْحَالِ مَعَ التَّشَبُّثِ بِهِ، وَإِلَيْهِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَحَيْثُ دَعْوَى صَاحَبَتْ تَعَلُّقَا

الْأَبْيَاتَ الْخَمْسَةَ، ثُمَّ أَشَارَ لِحُكْمِ مَا إذَا جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالْمُنْبَهِمِ الْأَمْرُ الْمَجْهُولُ الْحَالِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يُنْظَرُ لِلْمَرْأَةِ إنْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالصِّيَانَةِ وَالْعَفَافِ فَلَا تُحَدُّ لِقَذْفِهِ اتِّفَاقًا، وَإِلَى الِاتِّفَاقِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: كَذَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَفِي حَدِّهَا لِلْقَذْفِ قَوْلَانِ مُخَرَّجَانِ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَعَدَمُ الْحَدِّ كَذَا لِلْمُنْبَهِمِ الْبَيْتَيْنِ.

وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهَا إذَا جَاءَتْ مُتَعَلِّقَةً بِالصَّالِحِ أَوْ بِالْمَجْهُولِ لَا تُحَدُّ لِلزِّنَا، وَالْكَلَامُ إنَّمَا هُوَ فِي حَدِّ الْقَذْفِ، وَعَلَى سُقُوطِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهَا، فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا وَطِئَ وَلَا يَلْزَمُهُ صَدَاقٌ فَإِنْ نَكَلَ عَنْهَا انْقَلَبَتْ عَلَى الزَّوْجَةِ فَتَحْلِفُ وَيَلْزَمُهُ صَدَاقُهَا. وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ بِقَوْلِهِ:

وَإِنْ يَكُنْ مَجْهُولَ حَالٍ فَيَجِبْ ... تَحْلِيفُهُ وَمَعْ نُكُولٍ يَنْقَلِبْ

فَمَحَلُّ هَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ قَوْلِهِ:

وَإِنْ تَكُنْ لَا تَتَوَقَّى ذَلِكَا ... فَالْحَلْفُ تَخْرِيجًا بَدَا هُنَالِكَا

قَالَ فِي الْمُقَدِّمَاتِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْأَبْيَاتِ قَبْلَ هَذِهِ مَا نَصُّهُ: وَأَمَّا الْوَجْهُ الثَّانِي مِنْ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَهُوَ أَنْ تَدَّعِيَ ذَلِكَ عَلَى رَجُلٍ صَالِحٍ لَا يَلِيقُ بِهِ ذَلِكَ، وَتَأْتِيَ مُتَعَلِّقَةً بِهِ مُتَشَبِّثَةً، قَدْ بَالَغَتْ فِي فَضِيحَةِ نَفْسِهَا فَهَذَا الْوَجْهُ يُسْقِطُ عَنْهَا حَدَّ الزِّنَا وَإِنْ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ لِمَا بَالَغَتْ فِي فَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَاخْتُلِفَ: هَلْ تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ أَمْ لَا؟ .

فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهَا تُحَدُّ حَدَّ الْقَذْفِ، وَحَكَى ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْوَاضِحَةِ أَنَّهَا لَا تُحَدُّ لَهُ حَدَّ الْقَذْفِ وَلَا يَمِينَ لَهَا عَلَيْهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا تُحَدُّ لَهُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهَا لَا تُحَدُّ لَهُ، فَيَحْلِفُ عَلَى تَكْذِيبِ دَعْوَاهَا فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَتْ وَاسْتَحَقَّتْ عَلَيْهِ صَدَاقَهَا، وَهَذَا إذَا كَانَتْ مِمَّنْ تُبَالِي بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ لَا تُبَالِي بِفَضِيحَةِ نَفْسِهَا، فَتُحَدُّ لَهُ قَوْلًا وَاحِدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>