مِنْ يَدِهِ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ الْخَمْسَةِ؛ لِكَوْنِ ضَمَانِ ذَلِكَ الْمِلْكِ كَانَ مِنْهُ، فَالْغَلَّةُ لَهُ إلَّا أَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ يُتَصَوَّرُ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي وَالْمَوْهُوبِ لَهُ، وَمَا عَدَاهُ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمُشْتَرِي فَقَطْ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَالَ فِي إيضَاحِ الْمَسَالِكِ مَا نَصُّهُ) : تَنْبِيهٌ: لِلْمُشْتَرِي الْغَلَّةُ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ: الرَّدُّ بِالْعَيْبِ، وَالْبَيْعُ الْفَاسِدُ، وَالِاسْتِحْقَاقُ، وَالشُّفْعَةُ، وَالتَّفْلِيسُ. وَقَدْ نَظَمْتُهَا فَقُلْتُ:
وَلَا يَرُدُّ مُشْتَرٍ غَلَّةَ مَا ... قَدْ اشْتَرَاهُ فَاحْفَظَنْهُ وَاعْلَمَا
فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ ... وَفَاسِدِ الْبَيْعِ بِلَا شِقَاقِ
وَفَلَسٍ وَشُفْعَةٍ يَا طَالِبُ ... مُكَمِّلَيْنِ عِدَّةَ الْمَطَالِبِ
فَفِي الْمُقَدِّمَاتِ ذَا الْمَذْكُورُ ... وَفِي خَلِيلٍ مِثْلُهُ مَشْهُورُ
وَاخْتَلَفَ الْمَشْهُورُ بِمَاذَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إنْ لَمْ تُفَارِقْ الْأُصُولَ فَاحْفَظْهَا بِمَا ضَبَطَهَا بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الْحُرُوفِ تَجِد عفزا شسيا فَالتَّاءُ (مِنْ تَجِدَّ) لِلتَّفْلِيسِ وَالْجِيمُ وَالدَّالُ لِلْجِدَادِ فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تَكُونُ لِلْمُشْتَرِي فِي التَّفْلِيسِ إلَّا بِالْجِدَادِ، وَالْعَيْنُ وَالْفَاءُ (مِنْ عفزا) لِلرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْبَيْعِ الْفَاسِدِ وَالزَّايُ الزَّهْوُ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا لَا تُرَدُّ مَعَ أُصُولِهَا إذَا أَزْهَتْ وَلَمْ تُجَدَّ، وَلَا يَبِسَتْ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ، وَفِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَالشِّينُ وَالسِّينُ مِنْ (شسيا) لِلشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ وَالْيَاءُ لِلْيُبْسِ، فَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا تُرَدُّ مَعَ أُصُولِهَا، وَإِنْ أَزْهَتْ مَا لَمْ تَيْبَسْ فِي الشُّفْعَةِ وَالِاسْتِحْقَاقِ. اهـ
(وَفِي التَّوْضِيحِ) عَنْ الْمَازِرِيِّ قَالَ: كَانَ بَعْضُ أَشْيَاخِي يَرَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَأَنَّهُ يَخْرُجُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مَا هُوَ مَنْصُوصٌ فِي الْأُخْرَى. اهـ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ غَازِيٍّ بَعْدَ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ السَّابِقِ وَقَبْلَهُ ابْنُ عَرَفَةَ بَعْدَ أَنْ نَقَلَ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي التَّوْضِيحِ، وَقَدْ كُنْتُ نَظَمْتُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ فِي رَجَزٍ مَعَ زِيَادَةِ بَعْضِ الْفَوَائِدِ، فَقُلْتُ:
الْخَرْجُ بِالضَّمَانِ فِي التَّفْلِيسِ ... وَالْعَيْبُ عَنْ جَهْلٍ وَعَنْ تَدْلِيسِ
وَفَاسِدٍ وَشُفْعَةٍ وَمُسْتَحَقْ ... ذِي عِوَضٍ وَلَوْ كَوَقْفٍ فِي الْأَحَقْ
وَالْجَدُّ فِي الثِّمَارِ فِيمَا اُنْتُقِيَا ... يَضْبِطُهُ تَجِدَّ عفزا شسيا
الْخَرْجُ وَالْخَرَاجُ لُغَتَانِ اجْتَمَعَتَا فِي قِرَاءَةِ نَافِعٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ {أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ} [المؤمنون: ٧٢] وَدَخَلَ تَحْتَ الْكَافِ مِنْ قَوْلِنَا: كَوَقْفِ الِاسْتِحْقَاقِ بِالْحُرِّيَّةِ، وَمَعْنَى فِي الْأَحَقِّ: فِي الْقَوْلِ الْأَحَقِّ تَلْوِيحًا بِقَوْلِ الْمُغِيرَةِ وَمَنْ وَافَقَهُ، وَمَعْنَى اُنْتُقِيَ اُخْتِيرَ وَهُوَ مَبْنِيٌّ لِمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ، قَالَ: وَاخْتَصَرْتُهَا فِي بَيْتٍ مِنْ الْمُجْتَثِّ، فَقُلْتُ:
ضَمِّنْ بِخَرْجٍ وَفِيَّا ... تَجِدَّ عفزا شسيا
عَلَى أَنَّا مَسْبُوقُونَ بِهَذَا التَّرْكِيبِ الَّذِي هُوَ تَجِدَّ عفزا شسيا، سَبَقَ إلَيْهِ الْوَانُّوغِيُّ اهـ.
(تَنْبِيهٌ) عَدَمُ رَدِّ الْغَلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ الْخَمْسِ إنَّمَا هُوَ مُطْلَقٌ إذَا كَانَ الْمَبِيعُ لَا غَلَّةَ فِيهِ يَوْمَ الْبَيْعِ، وَلَا يَوْمَ الرَّدِّ، وَاغْتَلَّ الْمُشْتَرِي فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ وَأَخَذَ الْغَلَّةَ، وَبَانَ بِهَا، وَأَمَّا إنْ كَانَتْ الْغَلَّةُ يَوْمَ الْبَيْعِ أَوْ يَوْمَ الرَّدِّ فَلِكُلِّ مَسْأَلَةٍ حُكْمٌ فَإِنْ أَرَدْتَ تَفْصِيلَ ذَلِكَ فَرَاجِعْ الْحَطَّابَ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالْغَلَّةُ لَهُ لِلْفَسْخِ وَلَمْ تُرَدَّ بِخِلَافِ وَلَدٍ وَثَمَرَةٍ أُبِّرَتْ وَصُوفٍ تَمَّ إلَخْ، وَقَدْ نَقَلَ الشَّارِحُ هُنَا نُصُوصَ الْفِقْهِ عَلَى عَدَمِ رَدِّ الْغَلَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، فَرَأَيْتُ جَلْبَهُ مِمَّا يَطُولُ، وَالْمَسْأَلَةُ مَشْهُورَةٌ فِي كُتُبِ الْفُقَهَاءِ.
وَمُتْلِفُ مَنْفَعَةٍ مَقْصُودَهْ ... مِمَّا لَهُ كَيْفِيَّةٌ مَعْهُودَهْ
صَاحِبُهُ خُيِّرَ فِي الْأَخْذِ لَهُ ... مَعْ أَخْذِهِ لِأَرْشِ عَيْبِ جُلِّهِ
أَوْ أَخْذِهِ لِقِيمَةِ الْمَعِيبِ ... يَوْمَ حُدُوثِ حَالَةِ التَّعْيِيبِ
وَلَيْسَ إلَّا الْأَرْشُ حَيْثُ الْمَنْفَعَةُ ... يَسِيرَةٌ وَالشَّيْءُ مَعَهَا فِي سَعَهْ
مِنْ بَعْدِ رَفْوِ الثَّوْبِ أَوْ إصْلَاحِ ... مَا كَانَ مِنْهُ قَابِلَ الصَّلَاحِ
يَعْنِي أَنَّ الْأَشْيَاءَ الَّتِي يُنْتَفَعُ بِهَا كَالثَّوْبِ وَالسَّيْفِ وَالصَّحْفَةِ وَنَحْوِهَا إذَا تَعَدَّى عَلَيْهَا مُتَعَدٍّ وَأَتْلَفَهَا أَوْ عَيَّبَهَا عَمْدًا أَوْ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْعَمْدَ وَالْخَطَأَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ سَوَاءٌ، فَإِنْ كَانَ مَا فَعَلَ هَذَا الْمُتَعَدِّي أَتْلَفَ بِسَبَبِهِ الْمَنْفَعَةَ الْمَقْصُودَةَ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ فَإِنَّ صَاحِبَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ شَيْأَهُ عَلَى مَا حَدَثَ فِيهِ مِنْ الْفَسَادِ وَيَأْخُذَ مَعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُتَعَدِّي مَا بَيْنَ قِيمَةِ شَيْئِهِ سَالِمًا وَمَعِيبًا، وَبَيْنَ أَنْ يَتْرُكَهُ لِلَّذِي جَنَى