للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمْ يُبَيِّنْ الْمُؤَلِّفُ يَعْنِي الشَّيْخَ خَلِيلًا حَقِيقَتَهُ وَلَا حُكْمَهُ وَسَبَبَهُ وَشُرُوطَهُ وَمَوَانِعَهُ، وَلَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بِمَعْرِفَةِ ذَلِكَ ابْنُ عَرَفَةَ، وَهُوَ مِنْ تَرَاجِمَ كَتَبَهَا، أَمَّا حَقِيقَتُهُ، فَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ، هُوَ رَفْعُ مِلْكِ شَيْءٍ إلَى آخِرِ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ التَّرْجَمَةِ، وَأَمَّا حُكْمُهُ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ: حُكْمُهُ الْوُجُوبُ عِنْدَ تَيَسُّرِ أَسْبَابِهِ فِي الرَّفْعِ عَلَى الْقَوْلِ بَعْدَ يَمِينٍ مُسْتَحَقَّةٍ، وَعَلَى الْيَمِينِ هُوَ مُبَاحٌ كَغَيْرِ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّ الْحَلِفَ مَشَقَّةٌ، وَأَمَّا سَبَبُهُ، فَهُوَ قِيَامُ الْبَيِّنَةِ عَلَى عَيْنِ الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ أَنَّهُ مِلْكٌ لِلْمُدَّعِي، لَا يَعْلَمُونَ خُرُوجَهُ، وَلَا خُرُوجَ شَيْءٍ مِنْهُ عَنْ مِلْكِهِ حَتَّى الْآنَ، وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ فِي قَوْلِ، ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَعْمُولِ بِهِ، قَالَهُ فِي اللُّبَابِ.

وَأَمَّا شُرُوطُهُ فَثَلَاثَةٌ: الْأَوَّلُ: الشَّهَادَةُ عَلَى عَيْنِهِ إنْ أَمْكَنَ، وَإِلَّا فَبِحِيَازَتِهِ، وَهِيَ أَنْ يَبْعَثَ الْقَاضِي عَدْلَيْنِ وَقِيلَ أَوْ عَدْلًا مَعَ الشُّهُودِ الَّذِينَ شَهِدُوا بِالْمِلْكِيَّةِ فَإِذَا كَانَتْ دَارًا مَثَلًا، قَالُوا: لَهُمَا هَذِهِ الدَّارُ هِيَ الَّتِي شَهِدْنَا بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي فُلَانٍ، الشَّهَادَةَ الْمُقَيَّدَةَ أَعْلَاهُ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ، وَإِنَّ الشَّهَادَةَ تَجُوزُ عَلَى النَّعْتِ وَالِاسْمِ وَقَالَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ آخِرَ بَابِ الْقَضَاءِ، وَحَكَمَ بِمَا يَتَمَيَّزُ غَائِبًا بِالصِّفَةِ.

الثَّانِي: الْإِعْذَارُ فِي ذَلِكَ لِلْحَائِزِ، فَإِنْ ادَّعَى مَدْفَعًا أَجَّلَهُ فِيهِ بِحَسَبِ، مَا يَرَاهُ. الثَّالِثُ: يَمِينُ الِاسْتِبْرَاءِ، وَاخْتُلِفَ فِي لُزُومِهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا: لَا يَحْلِفُ فِي الْعَقَارِ، وَيَحْلِفُ فِي غَيْرِهِ، وَهُوَ الْمَعْمُولُ بِهِ عِنْدَ الْأَنْدَلُسِيِّينَ، وَفِي سِجِلَّاتِ الْبَاجِيِّ لَوْ اسْتَحَقَّ ذَلِكَ مِنْ يَدِ غَاصِبٍ لَمْ يَحْلِفْ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) : وَلَا يَمِينَ عَلَى مُسْتَحِقِّ الْأَصْلِ إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ عَلَيْهِ خَصْمُهُ مَا يُوجِبُهَا، وَقِيلَ: لَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ اهـ.

وَأَمَّا مَوَانِعُهُ فَفِعْلٌ وَسُكُوتٌ، فَالْفِعْلُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا ادَّعَاهُ مِنْ يَدِ حَائِزِهِ، فَلَوْ قَالَ: إنَّمَا اشْتَرَيْتُهُ خَوْفَ أَنْ يَغِيبَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَثْبَتَهُ رَجَعَتْ عَلَيْهِ بِالثَّمَنِ، لَمْ يَكُنْ لَهُ مَقَالٌ وَقَالَ أَصْبَغُ إلَّا أَنْ تَكُونَ بَيِّنَتُهُ بَعِيدَةً جِدًّا أَوْ يُشْهِدَ قَبْلَ الشِّرَاءِ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَاهُ لِذَلِكَ، فَذَلِكَ يَنْفَعُهُ، وَلَوْ اشْتَرَاهُ، وَهُوَ يَرَى أَنْ لَا بَيِّنَةَ لَهُ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً، فَلَهُ الْقِيَامُ وَأَخْذُ الثَّمَنِ مِنْهُ، قَالَ أَصْبَغُ وَالْقَوْلُ: قَوْلُهُ، وَأَمَّا السُّكُوتُ فَمِثْلُ أَنْ يَتْرُكَ الْقِيَامَ مِنْ غَيْرِ مَانِعٍ أَمَدَ الْحِيَازَةِ. قَالَهُ فِي اللُّبَابِ اهـ

وَلَا يَمِينَ فِي أُصُولِ مَا اُسْتُحِقَّ ... وَفِي سِوَاهَا قَبْلَ الْإِعْذَارِ يَحِقْ

وَحَيْثُمَا يَقُولُ مَا لِي مَدْفَعُ ... فَهْوَ عَلَى مَنْ بَاعَ مِنْهُ يَرْجِعُ

وَإِنْ يَكُنْ لَهُ مَقَالٌ أُجِّلَا ... فَإِنْ أَتَى بِمَا يُفِيدُ أُعْمِلَا

وَمَا لَهُ فِي عَجْزِهِ رُجُوعُ ... عَلَى الَّذِي كَانَ لَهُ الْمَبِيعُ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ اسْتَحَقَّ شَيْئًا، وَشَهِدَتْ لَهُ بِاسْتِحْقَاقِهِ بَيِّنَةٌ، فَإِنَّهُ، إنْ كَانَ ذَلِكَ الْمُسْتَحَقُّ أَصْلًا مِنْ الْأُصُولِ كَالدَّارِ وَالْحَانُوتِ وَالْأَرْضِ وَنَحْوِهِمَا، فَلَا يَمِينَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ أَصْلٍ مِنْ الْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ أَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ لَهُ، وَأَنَّهُ مَا بَاعَهُ وَلَا وَهَبَهُ وَلَا فَوَّتَهُ وَلَا فُوِّتَ عَلَيْهِ، وَمَا زَالَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى الْآنَ؛ لَأَنْ الْبَيِّنَةَ إنَّمَا شَهِدَتْ عَلَى الْعِلْمِ، فَيَحْلِفُ هُوَ عَلَى الْبَيْتِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِظَاهِرِ الْحَالِ، فَلَا بُدَّ مِنْ يَمِينِهِ قَبْلَ الْإِعْذَارِ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ الْمُسْتَحَقِّ مِنْ يَدِهِ، لِأَنَّ الْإِعْذَارَ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ الثُّبُوتِ، وَكَمَالُ الثُّبُوتِ هُوَ بِحَلِفِهِ قَالَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ:.

وَلَا يَكُونُ الْحُكْمُ بِالِاسْتِحْقَاقِ إلَّا بَعْدَ الْإِعْذَارِ لِلْمُقَوَّمِ عَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا عَنْ الْحَطَّابِ أَنَّ فِي يَمِينِ الِاسْتِحْقَاقِ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: ثَالِثُهَا: تَجِبُ فِي غَيْرِ الْأُصُولِ، وَلَا تَجِبُ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّ بِهَذَا الْقَوْلِ الْعَمَلَ (وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ)

<<  <  ج: ص:  >  >>