للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرَّغْبَةِ فِي الْمُرَاجَعَةِ وَالنَّدَمِ عَلَى الْفِرَاقِ. وَنَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ الْإِجْمَاعَ عَلَى لُزُومِ الثَّلَاثِ فِي حَقِّ مَنْ أَوْقَعَهَا، وَعَنْ بَعْضِ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ مُوقِعَ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ، وَعَنْ بَعْضِ الظَّاهِرِيَّةِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَحَكَى التِّلْمِسَانِيُّ أَنَّ عِنْدَنَا قَوْلًا بِأَنَّهُ إذَا أَوْقَعَ الثَّلَاثَ فِي كَلِمَةٍ إنَّمَا تَلْزَمُهُ وَاحِدَةٌ (الْقَيْدُ الرَّابِعُ) أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُعْتَدَّةٍ لِيَحْتَرِزَ مِنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ طُهْرٍ طَلْقَةً فَإِنْ فَعَلَ فَالْأُولَى لِلسُّنَّةِ وَالْأُخْرَيَانِ لِلْبِدْعَةِ وَهَذَا مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ اهـ بِاخْتِصَارٍ.

فَقَوْلُ النَّاظِمِ: " مِنْ غَيْرِ مَسٍّ " هُوَ إشَارَةٌ لِلْقَيْدِ الثَّانِي الْمُتَقَدِّمِ عَنْ التَّوْضِيحِ وَقَوْلُهُ: " وَارْتِدَافِ زَائِدَهُ " هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْقَيْدِ الرَّابِعِ فِي التَّوْضِيحِ (وَفِي الرِّسَالَةِ) وَطَلَاقُ السُّنَّةِ مُبَاحٌ وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ لَمْ يَقْرَبْهَا فِيهِ طَلْقَةً ثُمَّ لَا يُتْبِعَهَا طَلَاقًا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ اهـ. فَقَوْلُهُ: " ثُمَّ لَا يُتْبِعُهَا طَلَاقًا " هُوَ الْقَيْدُ الرَّابِعُ فِي التَّوْضِيحِ وَهُوَ مُرَادُ النَّاظِمِ بِقَوْلِهِ: " وَارْتِدَافِ زَائِدَهُ " أَيْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْدِفَ عَلَى الطَّلْقَةِ الْأُولَى طَلْقَةً زَائِدَةً عَلَيْهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ كَمَا فِي الرِّسَالَةِ. وَقَوْلُهُ: " مِنْ ذَاكَ بَائِنٌ " أَيْ مِنْ الطَّلَاقِ السُّنِّيِّ مَا هُوَ بَائِنٌ وَمِنْهُ مَا هُوَ رَجْعِيٌّ كَمَا تَقَدَّمَ تَمْثِيلُهُ، وَقَوْلُهُ: " مَا عَدَا السُّنِّيَّ فَهُوَ بِدْعِيٌّ " أَيْ مَا اخْتَلَّ فِيهِ قَيْدٌ مِنْ قُيُودِ السُّنِّيِّ فَهُوَ بِدْعِيٌّ، وَقَوْلُهُ:

مِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعِيٌّ

أَيْ مِنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ يَعْنِي الْبَائِنَ مُمَلَّكٌ وَخُلْعِيٌّ، وَقَوْلُهُ " وَذُو الثَّلَاثِ مُطْلَقًا " عَطْفٌ عَلَى مُمَلَّكٍ، وَأَشَارَ بِالطَّلَاقِ فِي الثَّلَاثِ إلَى كَوْنِهِ لَا يَكُونُ سُنِّيًّا بِوَجْهٍ، قَالَ الشَّارِحُ: يَعْنِي بِخِلَافِ طَلَاقِ مَنْ بَقِيَتْ عَلَى وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ بَائِنًا فَهُوَ سُنِّيٌّ إنْ كَانَ فِي طُهْرٍ لَمْ يَقْرَبْهَا فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقَوْلُهُ: " وَرَجْعِي " أَيْ وَمِنْ الطَّلَاقِ الْبِدْعِيِّ مَا هُوَ رَجْعِيٌّ وَهُوَ مُقَابِلُ قَوْلِهِ:

مِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعِي

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ:

مِنْهُ مُمَلَّكٌ وَمِنْهُ خُلْعِي

أَيْ وَهُوَ بَائِنٌ.

وَيَمْلِكُ الرَّجْعَةَ فِي الرَّجْعِيِّ ... قَبْلَ انْقِضَاءِ الْأَمَدِ الْمَرْعِيِّ

وَلَا افْتِقَارَ فِيهِ لِلصَّدَاقِ ... وَالْإِذْنِ وَالْوَلِيِّ بِاتِّفَاقِ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا سَوَاءٌ كَانَ سُنِّيًّا أَوْ بِدْعِيًّا فَإِنَّهُ يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا. وَالْعِدَّةُ هِيَ مُرَادُهُ بِالْأَمَدِ الْمَرْعِيِّ، فَإِذَا رَاجَعَهَا فَلَا يَفْتَقِرُ لِصَدَاقٍ وَلَا لِإِذْنِ الزَّوْجَةِ وَلَا لِلْوَلِيِّ بِاتِّفَاقٍ (وَقَالَ فِي الْمَنْهَجِ السَّالِكِ) فَالزَّوْجُ يَمْلِكُ رَجْعَةَ زَوْجَتِهِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهَا وَتَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِالْقَوْلِ وَتَصِحُّ أَيْضًا بِالْفِعْلِ الْحَالِّ مَحَلَّ الْقَوْلِ وَالدَّالِّ فِي الْعِدَّةِ عَلَى الِارْتِجَاعِ كَالْوَطْءِ وَالْقُبْلَةِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ بِشَرْطِ الْقَصْدِ إلَى الِارْتِجَاعِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْمَذْهَبِ إذَا انْفَرَدَتْ النِّيَّةُ فِي ذَلِكَ دُونَ اللَّفْظِ فَقِيلَ لَا تَصِحُّ الرَّجْعَةُ بِذَلِكَ وَقِيلَ تَصِحُّ وَهُوَ الصَّوَابُ اهـ.

وَمَوْقِعُ الرَّجْعِيِّ دُونَ طُهْرِ ... يُمْنَعْ مَعَ رُجُوعِهِ بِالْقَهْرِ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا رَجْعِيًّا وَهِيَ حَائِضٌ فَإِنَّهُ فَعَلَ مَمْنُوعًا وَيُجْبَرُ عَلَى الرَّجْعَةِ، فَإِذَا ارْتَجَعَ أَمْسَكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ ثُمَّ إنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، (قَالَ فِي الْمُنْتَخَبِ) وَمَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ أُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا إلَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مَدْخُولٍ فَلَا بَأْسَ بِطَلَاقِهَا، وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا وَإِذَا أُجْبِرَ عَلَى رَجْعَتِهَا أَمْهَلَهَا حَتَّى تَطْهُرَ مِنْ دَمِ حَيْضِهَا أَوْ نِفَاسِهَا ثُمَّ ابْتِدَاءً أَوْ حِنْثًا أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ شَيْءٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبَى ابْتِدَاءً أَوْ حِنْثًا أُجْبِرَ عَلَى الرَّجْعَةِ مَا بَقِيَ مِنْ الْعِدَّةِ شَيْءٌ، وَقَالَ أَشْهَبُ: مَا لَمْ تَطْهُرْ مِنْ الثَّانِيَةِ فَإِنْ أَبَى أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْأَدَبِ وَإِنْ أَبَى ارْتَجَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُمْسِكَهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ ثُمَّ تَطْهُرَ. (التَّوْضِيحَ) لِأَنَّهُ لَمَّا طَلَّقَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ لِئَلَّا تَطُولَ الْعِدَّةُ أُمِرَ بِالْمُرَاجَعَةِ لِيُوقِعَ الطَّلَاقَ عَلَى سُنَّتِهِ فَلَوْ أُبِيحَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَ إذَا طَهُرَتْ مِنْ تِلْكَ الْحَيْضَةِ كَانَتْ فِي مَعْنَى الْمُطَلَّقَةِ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَتْ تَبْنِي عَلَى عِدَّتِهَا الْأُولَى فَيَتِمُّ مَقْصُودُهُ فَأُمِرَ بِالْوَطْءِ لِيَقْطَعَ حُكْمَ الطَّلَاقِ الْأَوَّلِ، وَإِذَا وَطِئَهَا لَمْ يُمَكَّنْ مِنْ طَلَاقِهَا فِي ذَلِكَ الطُّهْرِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نُهِيَ عَنْ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي طُهْرٍ مَسَّهَا فِيهِ اهـ.

وَفِي الْمُمَلِّكِ الْخِلَافُ وَالْقَضَا ... بِطَلْقَةٍ بَائِنَةٍ فِي الْمُرْتَضَى

<<  <  ج: ص:  >  >>