للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَاضِرًا مَعَهُ فِي مِصْرِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يُوَجِّهُ إلَيْهِ أَحَدَ خُدَّامِهِ يَرْفَعُهُ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي الْمِصْرِ، فَإِنْ كَانَ عَلَى يَسِيرِ الْأَمْيَالِ مَعَ أَمْنِ الطَّرِيقِ مِنْ مَوْضِعِهِ إلَى مَحَلِّ الْحُكْمِ مِنْ الْحَاضِرَةِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ إلَيْهِ يَأْمُرُهُ بِالْحُضُورِ عِوَضًا مِنْ دَفْعِ الْخَاتَمِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الْعَمَلُ قَدِيمًا.

وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا إمَّا بُعْدًا حِسِّيًّا مِنْ جِهَةِ الْمَسَافَةِ، وَإِمَّا بُعْدًا مَعْنَوِيًّا مِنْ جِهَةِ الْخَوْفِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَكْتُبُ لِأَمْثَلِ مَنْ بِمَوْضِعِ حُلُولِ الْمَطْلُوبِ بِالْأَمْرِ بِفِعْلِ مَا يَجِبُ مِنْ النَّظَرِ الْمُؤَدِّي لِلتَّنَافِي بَيْنَهُمَا إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِالْغُرْمِ، أَوْ بِالْعَزْمِ عَلَى الْمَطْلُوبِ فِي الْوُصُولِ لِمَحَلِّ الْحُكْمِ. وَرَفْعُ الْمَطْلُوبِ مِنْ مَوْضِعِهِ لِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فِي الْأَوْجُهِ الثَّلَاثَةِ مُقَيَّدٌ بِظُهُورِ مَخَايِلِ صِدْقِ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِقَوْلِهِ: (وَمَعْ مَخِيلَةٍ بِصِدْقِ الطَّالِبِ) وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا قَالَ سَحْنُونٌ مِنْ أَنَّ الْحَاكِمَ لَا يَدْفَعُ طَابِعَهُ وَلَا يَرْفَعُ الْمَطْلُوبَ حَتَّى يَأْتِيَهُ الطَّالِبُ بِشُبْهَةٍ؛ لِئَلَّا يَكُونَ مُدَّعِيًا بَاطِلًا يُرِيدُ تَعَنُّتَ الْمَطْلُوبِ. اهـ.

وَقَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: ظَاهِرُ قَوْلِ ابْنِ أَبِي زَمَنِينَ أَنَّهُ يُرْفَعُ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ الطَّالِبُ بِشُبْهَةٍ وَبِهِ جَرَى الْعَمَلُ وَلَمْ يَعْتَمِدْهُ النَّاظِمُ، هَذَا حَاصِلُ الْأَبْيَاتِ مَا عَدَا الْأَخِيرَ مِنْهَا، وَالْمَخِيلَةُ دَلِيلُ الصِّدْقِ، وَمَخَايِلُ الصِّدْقِ دَلَائِلُهُ، وَغَيْرُ الْغَائِبِ هُوَ الْحَاضِرُ مَعَ الطَّالِبِ فِي بَلَدِهِ وَإِذَا كَانَ قَرِيبًا وَكَتَبَ إلَيْهِ لِيَحْضُرَ وَلَمْ يَحْضُرْ - وَالطَّرِيقُ مَأْمُونَةٌ - فَإِنَّهُ يَحْكُمُ عَلَيْهِ كَالْحَاضِرِ مَعَهُ فِي الْبَلَدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الْمَطْلُوبُ فِي بَلَدٍ لَيْسَتْ تَحْتَ عِمَالَةِ الْقَاضِي الَّذِي حَضَرَ الطَّالِبُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَإِنْ كَانَ حُلُولُهُ بِهَا لِتِجَارَةٍ أَوْ زِيَارَةٍ أَوْ نَحْوِهَا، فَيَأْتِي حُكْمُهُ فِي فَصْلِ الْبَيْعِ عَلَى الْغَائِبِ مِنْ بَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنْ كَانَ حُلُولُهُ بِهَا أَصَالَةً؛ لِكَوْنِهَا بَلَدَهُ وَمَوْضِعَ سُكْنَاهُ وَوَطَنًا لَهُ فَفِي مَوْضِعِ تَعْيِينِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمَا تَفْصِيلٌ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: (وَالْحُكْمُ فِي الْمَشْهُورِ) إلَى آخِرِ الْبَيْتَيْنِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ: (وَمَنْ عَصَى الْأَمْرَ) الْبَيْتَ فَمَعْنَاهُ أَنَّ مَنْ دَعَاهُ الْقَاضِي لِحُضُورِ مَجْلِسِ الْحُكْمِ مَعَ خَصْمِهِ فَتَغَيَّبَ، وَلَمْ يَأْتِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَطْبَعُ عَلَيْهِ مَا يُهِمُّهُ طَبْعُهُ مِمَّا لَا صَبْرَ لَهُ عَنْهُ كَدَارِهِ وَحَانُوتِهِ لِيَرْتَفِعَ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَصِفَةُ الطَّبْعِ أَنْ يُلْصِقَ شَمْعًا أَوْ عَجِينًا بِالْبَابِ وَبِمَا يَلِيهَا وَيَتَّصِلُ بِهَا حَالَ سَدِّهَا، وَيَطْبَعُ عَلَيْهَا بِطَابَعٍ عَلَيْهِ نَقْشٌ أَوْ كِتَابَةٌ يَظْهَرُ أَثَرُهُ فِي ذَلِكَ الشَّمْعِ أَوْ الْعَجِينِ، فَإِذَا فَتَحَ الْبَابَ وَرَدَّ ذَلِكَ الشَّمْعَ أَوْ الْعَجِينَ لِمَحَلِّهِ أَوْ لَا تَغَيَّرَ نَقْشُهُ، وَعَلِمَ أَنَّ الْبَابَ قَدْ فُتِحَ فَيُعَاقِبُ مَنْ فَتَحَهُ أَشَدَّ الْعُقُوبَةِ، وَهَذَا الطَّبْعُ أَوْلَى مِنْ التَّسْمِيرِ؛ لِأَنَّهُ يَعِيبُ الْبَابَ أَوْ يُفْسِدُهُ.

(قَالَ فِي الْمَقْصِدِ الْمَحْمُودِ) وَإِنْ تَغَيَّبَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ طَبَعَ الْقَاضِي عَلَى دَارِهِ، وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ التَّسْمِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُ الْبَابَ فَإِنْ لَمْ يُفْسِدْهُ سَمَّرَهُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْهَا مَا فِيهَا مِنْ الْحَيَوَانِ وَبَنِي آدَمَ اهـ.

وَعَبَّرَ بَعْضُهُمْ عَنْ هَذَا الطَّبْعِ بِالْخَتْمِ (قَالَ فِي الطُّرَرِ) عَنْ الشَّعْبَانِيِّ مَنْ ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ دَعْوًى، وَدَعَاهُ لِلْقَاضِي فَإِنْ امْتَنَعَ خَتَمَ لَهُ خَاتَمًا مِنْ طِينٍ اهـ.

وَفِي عُرْفِنَا الْيَوْمَ الطَّبْعُ وَالْخَتْمُ هُوَ التَّسْمِيرُ، وَهُوَ أَنْ يُسَمِّرَ طَرَفَ جِلْدٍ بِالْبَابِ وَطَرَفَهُ الْآخَرَ بِمَا يَلِيهَا، فَإِذَا فَتَحَ الْبَابَ ظَهَرَ ذَلِكَ غَالِبًا فَعُوقِبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>