للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَاكِمٍ رَجَعَ بِهَا عَلَى الزَّوْجَةِ وَإِنْ دَفَعَهَا بِاخْتِيَارِهِ مِنْ غَيْرِ حُكْمٍ فَفِي رُجُوعِهِ وَعَدَمِ رُجُوعِهِ قَوْلَانِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: وَحَيْثُ بِالْقَضَا

تُؤْخَذُ وَانْفَشَّ فَمِنْهَا تُقْتَضَى ... وَإِنْ يَكُنْ دَفْعٌ بِلَا سُلْطَانِ

فَفِي رُجُوعِهِ بِهِ قَوْلَانِ ...

ابْنُ الْحَاجِبِ وَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِثُبُوتِ الْحَمْلِ بِالنِّسَاءِ (التَّوْضِيحُ) هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ، وَلِمَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّهَا لَا تُدْفَعُ لَهَا النَّفَقَةُ إلَّا بَعْدَ الْوَضْعِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَنْفَشَّ مِنْ غَيْرِ حَمْلٍ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَفِي رُجُوعِهِ ثَالِثُهَا إنْ كَانَ بِحُكْمٍ رَجَعَ، وَرَابِعُهَا بِعَكْسِهِ (التَّوْضِيحُ) وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ وَأَنْفَقَ بِظُهُورِ الْحَمْلِ، ثَمَّ تَبَيَّنَ أَنْ لَا حَمْلَ فَهَلْ يَرْجِعُ بِالنَّفَقَةِ أَمْ لَا؟ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ الرُّجُوعُ مُطْلَقًا، وَعَدَمُ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا، وَالثَّالِثُ إنْ دَفَعَ لَهَا بِحُكْمٍ رَجَعَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَبَانَ أَنَّ الْأَمْرَ عَلَى خِلَافِ مَا ثَبَتَ وَإِنْ دَفَعَ بِغَيْرِ حُكْمٍ لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ مُتَطَوِّعٌ وَالرَّابِعُ عَكْسُهُ اهـ.

بِاخْتِصَارٍ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ قَاعِدَةِ الْحُكْمِ بِمَا ظَاهِرُهُ صَوَابٌ وَبَاطِنُهُ خَطَأٌ وَبَاطِلٌ هَلْ يُغَلَّبُ حُكْمُ الظَّاهِرِ فَتَنْفُذُ الْأَحْكَامُ أَوْ الْبَاطِنُ فَتُرَدُّ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ فُرُوعٌ وَمِنْ جُمْلَتِهَا هَذِهِ مَنْ دَفَعَ نَفَقَةَ الْحَمْلِ، ثُمَّ انْفَشَّ هَلْ يَرْجِعُ أَمْ لَا؟ قَوْلُهُ:

وَمَنْ لَهُ مَالٌ فَفِيهِ الْفَرْضُ حَقُّ

الْبَيْتُ يَعْنِي أَنَّ الْأَوْلَادَ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَتُهُمْ وَكِسْوَتُهُمْ وَأُجْرَةُ رَضَاعِهِمْ وَغَيْرُ ذَلِكَ عَلَى أَبِيهِمْ إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَلَا مَالَ لَهُمْ، وَأَمَّا إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ، فَإِنَّ جَمِيعَ مُؤْنَتِهِمْ مِنْ مَالِ أَنْفُسِهِمْ وَلَيْسَ عَلَى الْأَبِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ (قَالَ فِي الْمُفِيدِ) وَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَةُ بَنِيهِ إنْ كَانَ لَهُمْ مَالٌ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيُّ) : وَمَنْ كَانَ مِنْ صِغَارِ بَنِيهِ وَأَبْكَارِ بَنَاتِهِ لَهُ مَالٌ فَلَا يَلْزَمُ الْأَبَ نَفَقَتُهُ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ الْأَبُ مِنْهُ عَيْنًا كَانَ أَوْ عُرُوضًا، وَقَدْ سُئِلَ الْأُسْتَاذُ أَبُو سَعِيدِ بْنُ لُبٍّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَنْ رَجُلٍ أَنْفَقَ نَفَقَةً كَبِيرَةً فِي عُرْسِ ابْنِهِ، ثُمَّ طَلَبَهُ بِهَا (فَأَجَابَ) : لَا طَلَبَ لِلْأَبِ عَلَى ابْنِهِ بِمَا كَثُرَ مِنْ النَّفَقَةِ فِي عُرْسِهِ وَدَخَلَ فِي بَابِ السَّرَفِ، وَإِنَّمَا يَطْلُبُهُ بِالْقَدْرِ الْمُعْتَادِ فِي ذَلِكَ مِمَّا هُوَ دَاخِلٌ فِي بَابِ الِاقْتِصَادِ عَلَى مُقْتَضَى الْعَادَةِ الْجَارِيَةِ لِمِثْلِ الزَّوْجِ مَعَ تِلْكَ الزَّوْجَةِ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ يَمِينًا بِاَللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ إنَّمَا أَنْفَقَ تِلْكَ النَّفَقَةَ مِنْ مَالِهِ لِيَرْجِعَ بِهَا عَلَى ابْنِهِ وَهَذَا إنْ كَانَ لِلِابْنِ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ، وَإِلَّا فَلَا رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ. اهـ.

وَمَا أَفْتَى بِهِ ظَاهِرٌ إنْ كَانَ الِابْنُ صَغِيرًا وَانْظُرْ مَا الْحُكْمُ إنْ كَانَ كَبِيرًا هَلْ هُوَ كَالصَّغِيرِ أَوْ يُرْجَعُ عَلَيْهِ كَانَ لَهُ مَالٌ وَقْتَ الْإِنْفَاقِ أَوْ لَا؟ وَهُوَ ظَاهِرُ اشْتِرَاطِهِمْ فِي الصَّغِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ دُونَ الْكَبِيرِ فَيُرْجَعُ عَلَيْهِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. ثَمَّ قَالَ

وَكُلُّ مَا يَرْجِعُ لِافْتِرَاضِ ... مُوَكَّلٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي

بِحَسَبِ الْأَقْوَاتِ وَالْأَعْيَانِ ... وَالسِّعْرِ وَالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ

يَعْنِي: أَنَّ كُلَّ مَا يَرْجِعُ لِلْفَرْضِ وَالتَّقْدِيرِ مِنْ نَفَقَةٍ وَكِسْوَةٍ وَإِسْكَانٍ وَمَا يَلْتَحِقُ بِذَلِكَ فَإِنَّهُ مَوْكُولٌ إلَى اجْتِهَادِ الْقَاضِي فَيَجْتَهِدُ فِيهِ بِحَسَبِ جِنْسِ الْقُوتِ وَقَدْرِهِ وَبِحَسَبِ عَيْنِ مَا فُرِضَ لَهُ أَوْ عَلَيْهِ وَبِاعْتِبَارِ السِّعْرِ مِنْ رَخَاءٍ وَغَلَاءٍ وَبِاعْتِبَارِ الزَّمَانِ مِنْ شِتَاءٍ وَصَيْفٍ وَبِاعْتِبَارِ الْمَكَانِ فِي عَادَةِ أَهْلِهِ، وَكَذَلِكَ الْكِسْوَةُ يُلَاحَظُ فِيهَا هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتُ وَالْمَسْكَنُ كَذَلِكَ فَفِي مُخْتَصَرِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ أَنَّهُ يَجِبُ لِلزَّوْجَةِ قُوتٌ وَإِدَامٌ وَكِسْوَةٌ وَمَسْكَنٌ بِالْعَادَةِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ وَحَالِهَا وَالْبَلَدِ وَالسِّعْرِ وَإِنْ أَكُولَةً وَتُزَادُ الْمُرْضِعُ مَا تَقْوَى بِهِ، إلَّا الْمَرِيضَةَ وَقَلِيلَةَ الْأَكْلِ فَلَا يَلْزَمُ إلَّا مَا تَأْكُلُ عَلَى الْأَصْوَبِ.

وَلَا يَلْزَمُ الْحَرِيرُ وَحُمِلَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَعَلَى الْمُتَدَيِّنَةِ لِقَنَاعَتِهَا فَيُفْرَضُ الْمَاءُ وَالزَّيْتُ وَالْحَطَبُ وَالْمِلْحُ وَاللَّحْمُ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ، وَحَصِيرٌ وَسَرِيرٌ اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَأُجْرَةُ قَابِلَةٍ، وَزِينَةٌ تُسْتَضَرُّ بِتَرْكِهَا كَكُحْلٍ وَدُهْنٍ مُعْتَادَيْنِ وَحِنَّاءٍ وَمُشْطٍ وَإِخْدَامُ أَهْلِهِ وَإِنْ بِكِرَاءٍ وَلَوْ بِأَكْثَرَ مِنْ وَاحِدَةٍ وَقَضَى لَهَا بِخَادِمِهَا إنْ أَحَبَّتْ إلَّا لِرِيبَةٍ وَإِلَّا فَعَلَيْهَا الْخِدْمَةُ الْبَاطِنَةُ مِنْ عَجْنٍ وَكَنْسٍ وَفَرْشٍ بِخِلَافِ النَّسْجِ وَالْغَسْلِ، وَفِي ابْنِ الْحَاجِبِ نَحْوُهُ قَالَ وَقَدَّرَ مَالِكٌ الْمُدَّ فِي الْيَوْمِ وَقَدَّرَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَيْبَتَيْنِ وَنِصْفًا فِي الشَّهْرِ إلَى ثَلَاثَةٍ؛ لِأَنَّ مَالِكًا بِالْمَدِينَةِ وَابْنَ الْقَاسِمِ بِمِصْرَ قَالَ وَإِنْ أَكَلَ الشَّعِيرَ أَكَلَتْهُ (التَّوْضِيحُ) وَالْمُرَادُ بِالْمُدِّ هُنَا الْمُدُّ الْهَاشِمِيُّ وَهُوَ مَنْسُوبٌ إلَى هِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْمَخْزُومِيِّ وَكَانَ أَمِيرًا بِالْمَدِينَةِ فِي خِلَافَةِ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ (ابْنُ حَبِيبٍ وَغَيْرُهُ) وَفِي الْوَيْبَةِ اثْنَتَانِ وَعِشْرُونَ مُدًّا بِمُدِّ النَّبِيِّ. - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اهـ.

وَفِي الْمُدِّ الْهِشَامِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>