للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَتْ غَيْبَتُهُ قَبْلَ الْبِنَاءِ، وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا فَإِنَّهَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ إذَا دَعَتْ إلَى ذَلِكَ عَلَى الصَّحِيحِ وَقِيلَ لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ النَّفَقَةَ لَا تَجِبُ لَهَا حَتَّى تَطْلُبَهَا وَبِغَيْبَتِهِ عُدِمَ ذَلِكَ، ثُمَّ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الَّذِي غَابَ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَكَانَتْ غَيْبَتُهُ قَرِيبَةً دُونَ الْبَعِيدَةِ فَتَلْزَمُهُ قَوْلًا وَاحِدًا إنْ طَلَبَتْ الزَّوْجَةُ، ثُمَّ ذَكَرَ وَثِيقَةَ الْبَيِّنَةِ بِأَنَّهُ غَابَ وَلَمْ يَتْرُكْ لَهَا نَفَقَةً، ثُمَّ وَثِيقَةَ التَّأْجِيلِ بِالشَّهْرِ، ثُمَّ وَثِيقَةَ التَّطْلِيقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرِ وَنَصُّهَا لَمَّا انْصَرَمَ الْأَجَلُ الْمُقَيَّدُ فِي كَذَا وَلَمْ يَئُبْ الزَّوْجُ الْمَذْكُورُ فِي كَذَا لِزَوْجَتِهِ الْمَذْكُورَةِ فِيهِ مِنْ الْغَيْبَةِ الْمَشْهُودِ بِهَا فِي كَذَا، وَسَأَلَتْ الزَّوْجَةُ مِنْ الْقَاضِي فُلَانٍ وَفَّقَهُ اللَّهُ النَّظَرَ لَهَا فِي ذَلِكَ اقْتَضَى نَظَرُهُ إحْلَافَهَا فَحَلَفَتْ بِحَيْثُ يَجِبُ.

وَكَمَا يَجِبُ يَمِينًا قَالَتْ فِيهَا: بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ لَقَدْ غَابَ عَنِّي زَوْجِي فُلَانٌ الْمَذْكُورُ فِي كَذَا الْغَيْبَةَ الْمَشْهُودَ بِهَا فِي كَذَا وَلَا رَجَعَ مِنْ مَغِيبِهِ سِرًّا وَلَا جَهْرًا وَتَرَكَنِي دُونَ نَفَقَةٍ وَلَا شَيْءَ أَمُونُ بِهِ نَفْسِي وَلَا بَعَثَ إلَيَّ بِشَيْءٍ فَوَصَلَنِي وَلَا أَقَامَ لِي بِذَلِكَ كَفِيلًا وَلَا مَنْ يَنُوبُ عَنْهُ وَلَا قَامَ عَنْهُ أَحَدٌ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَذِنْتُ لَهُ فِي سَفَرِهِ وَلَا رَضِيتُ بِالْمُقَامِ مَعَهُ دُونَ النَّفَقَةِ وَلَا أَعْلَمُ مَالًا أُعْدِي لَهُ فِيهِ بِذَلِكَ وَلَا أَنَّ عِصْمَةَ النِّكَاحِ انْفَصَلَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُ بِوَجْهٍ حَتَّى الْآنَ، وَلَمَّا كَمَّلَتْ يَمِينَهَا وَثَبَتَتْ لَدَيْهِ أَذِنَ لَهَا فِي تَطْلِيقِ نَفْسِهَا إنْ شَاءَتْ فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا عَلَيْهِ وَاحِدَةً قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا مَلَكَتْ بِهَا أَمْرَ نَفْسِهَا، أَوْ بَعْدَ الْبِنَاءِ بِهَا طَلْقَةً رَجْعِيَّةً يَمْلِكُ بِهَا رَجْعَتَهَا إنْ قَدِمَ مُوسِرًا فِي عِدَّتِهَا وَأَمَرَهَا بِالِاعْتِدَادِ مِنْ الْآنَ.

وَإِرْجَاءُ الْحُجَّةِ لِلْغَائِبِ مَتَى قَدِمَ وَمَنْ حَضَرَ الْيَمِينَ الْمَنْصُوصَةَ وَاسْتَوْعَبَهَا مِنْ الْحَالِفِ وَيَعْرِفُ الْإِذْنَ فِيهَا وَفِي الطَّلَاقِ وَأَشْهَدَتْهُ الْحَالِفَةُ بِمَا فِيهِ عَنْهَا وَعَرَفَهَا قَيَّدَ بِذَلِكَ شَهَادَتَهُ فِي كَذَا وَأَسْقَطَ ابْنُ فَتْحُونٍ أَذِنَ لَهَا فِي الطَّلَاقِ وَجَعَلَ فِي عِوَضِهِ فَطَلَّقَهَا وَمَا ذَكَرْنَا أَصْوَبُ اهـ.

وَعَلَى التَّنْبِيهِ عَلَى هَذَا الْأَصْوَبِ أَشَارَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " وَبِاخْتِيَارِهَا يَقَعْ " (قَالَ ابْنُ عَاتٍ) وَالْمَعْنَى الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَرْأَةَ هِيَ الْمُفَارِقَةُ وَأَنَّ الْحَقَّ إذَا كَانَ لِلْمَرْأَةِ خَالِصًا فَإِنْفَاذُ الطَّلَاقِ مَوْكُولٌ إلَيْهَا مَعَ إبَاحَةِ الْحَاكِمِ ذَلِكَ لَهَا وَنُسِبَ ذَلِكَ إلَى السُّلْطَانِ؛ لِأَنَّهُ الْحَاكِمُ بِهِ وَمُنَفِّذُهُ (فَرْعٌ) اُخْتُلِفَ إذَا فُقِدَ الزَّوْجُ قَبْلَ الْبِنَاءِ وَضَرَبَ الْحَاكِمُ الْأَجَلَ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَسَوَاءٌ تَزَوَّجَتْ أَمْ لَا فَعَنْ مَالِكٍ أَنَّهَا تُعْطَى جَمِيعَ الصَّدَاقِ، وَبِهِ قَالَ سَحْنُونٌ وَابْنُ الْعَطَّارِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْجَلَّابِ أَنَّهَا تُعْطَى نِصْفَ الصَّدَاقِ فَقَطْ، فَإِنْ ثَبَتَ بَعْدَ ذَلِكَ وَفَاتُهُ أَكْمَلَ لَهَا صَدَاقَهَا، وَكَذَلِكَ إنْ مَضَى عَلَيْهِ مِنْ السِّنِينَ مَا لَا يَحْيَا إلَى مِثْلِهِ وَقَالَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ وَابْنُ دِينَارٍ مِنْ التَّوْضِيحِ.

(فَرْعٌ) إذَا تَطَوَّعَ أَحَدُ أَقَارِبِ الزَّوْجِ، أَوْ أَجْنَبِيٌّ بِالنَّفَقَةِ عَلَى زَوْجَةِ الْغَائِبِ فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْكَاتِبِ لَهَا أَنْ تُفَارِقَ؛ لِأَنَّ الْفِرَاقَ قَدْ وَجَبَ لَهَا وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: لَا مَقَالَ لَهَا؛ لِأَنَّ سَبَبَ الْفِرَاقِ هُوَ عَدَمُ النَّفَقَةِ وَقَدْ وَجَدْتُهَا اهـ.

مِنْ طُرَرِ سَيِّدِي أَحْمَدَ الْوَنْشَرِيسِيِّ عَلَى وَثَائِقِ الْقَشْتَالِيِّ، ثُمَّ قَالَ

وَمَنْ عَنْ الْإِخْدَامِ عَجْزُهُ ظَهَرْ ... فَلَا طَلَاقَ وَبِذَا الْحُكْمِ اشْتَهَرَ

يَعْنِي أَنَّ الزَّوْجَ إذَا قَدَرَ عَلَى النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ وَعَجَزَ عَنْ الْإِخْدَامِ مَعَ كَوْنِهِ وَزَوْجَتَهُ أَهْلًا لِلْإِخْدَامِ فَفِي التَّطْلِيقِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَوْلَانِ الْمَشْهُورُ مِنْهُمَا أَنَّهَا لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.

(قَالَ فِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَاخْتُلِفَ إذَا عَجَزَ الزَّوْجُ عَنْ الْإِخْدَامِ هَلْ تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَمْ لَا؟ فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي رِوَايَةِ عِيسَى: لَا تَطْلُقُ عَلَيْهِ بِذَلِكَ قَالَ الْمُتَيْطِيُّ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَبِهِ الْقَضَاءُ وَعَلَيْهِ الْعَمَلُ. اهـ. وَجُمْلَةُ " عَجْزُهُ ظَهَرَ عَنْ الْإِخْدَامِ " صِلَةُ مَنْ وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ " عَجْزُهُ " وَ " فَلَا طَلَاقَ " جَوَابُ " مَنْ ".

<<  <  ج: ص:  >  >>