للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْبَيْعُ وَالشَّرْطُ الْحَلَالُ إنْ وَقَعْ ... مُؤَثِّرًا فِي ثَمَنٍ مِمَّا امْتَنَعْ

وَكُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرُ ... فِي ثَمَنٍ جَوَازُهُ مَأْثُورُ

وَالشَّرْطُ إنْ كَانَ حَرَامًا بَطَلَا ... بِهِ الْمَبِيعُ مُطْلَقًا إنْ جُعِلَا

يَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ إذَا وَقَعَ مُصَاحِبًا الشَّرْطَ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الشَّرْطُ حَلَالًا، أَوْ حَرَامًا.

فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَفِيهِ تَفْصِيلٌ، إنْ وَقَعَ مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَنِ جَهْلًا مَثَلًا فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ، وَإِنْ لَمْ يُؤَثِّرْ فِي ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ وَالشَّرْطُ مَعْمُولٌ بِهِ وَإِلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي، وَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ حَرَامًا بَطَلَ بِهِ الْبَيْعُ مُطْلَقًا، أَيْ أَثَّرَ جَهْلًا فِي الثَّمَنِ، أَوْ لَا، وَإِلَى هَذَا الْوَجْهِ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ، فَمِثَالُ الشَّرْطِ الْحَلَالِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ جَهْلًا: أَنْ يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ لَا يَبِيعَ مَا اشْتَرَى مِنْهُ، وَلَا يَهَبَهُ فَنَفْسُ الشَّرْطِ وَهُوَ كَوْنُ الْمُشْتَرِي يَتَمَسَّكُ بِمَا اشْتَرَى وَلَا يَبِيعُهُ وَلَا يَهَبُهُ حَلَالٌ جَائِزٌ.

وَاشْتِرَاطُهُ الدُّخُولَ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ إنَّمَا يَكُونُ غَالِبًا بِرُخْصٍ وَنَقْصٍ عَنْ ثَمَنِ ذَلِكَ الْمَبِيعِ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ فِي بَيْعِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْجِيرِ عَلَى الْمُشْتَرِي، وَمِقْدَارُ مَا اُنْتُقِصَ مِنْ الثَّمَنِ لِأَجْلِ ذَلِكَ الشَّرْطِ مَجْهُولٌ وَالْجَهْلُ فِي الثَّمَنِ لَا يَجُوزُ وَيَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَمِثَالُهُ أَيْضًا أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ عَلَى الْآخَرِ أَنْ يُسَلِّفَهُ دَرَاهِمَ طَعَامًا مَثَلًا فَنَفْسُ الْمَشْرُوطِ الَّذِي هُوَ السَّلَفُ جَائِزٌ، وَاشْتِرَاطُهُ وَانْعِقَادُ الْبَيْعِ عَلَيْهِ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ السَّلَفُ مِنْ الْبَائِعِ فَإِنَّمَا يَبِيعُ غَالِبًا بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ لِأَجْلِ السَّلَفِ.

وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّمَا يَشْتَرِي غَالِبًا بِأَقَلَّ لِأَجْلِ السَّلَفِ أَيْضًا، وَمِقْدَارُ مَا ازْدَادَ فِي الثَّمَنِ، أَوْ اُنْتُقِصَ بِسَبَبِ الشَّرْطِ مَجْهُولٌ، وَالْمَجْهُولُ فِي الثَّمَنِ مَمْنُوعٌ يَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَلَوْ تَحَقَّقْنَا أَنْ لَا زِيَادَةَ فِي الثَّمَنِ وَلَا نَقْصَ؛ لِأَنَّ الْقَاعِدَةَ أَنَّ الْحُكْمَ إذَا عُلِّلَ بِعِلَّةٍ غَالِبًا اُكْتُفِيَ بِغَلَبَتِهَا عَنْ تَتَبُّعِهَا فِي كُلِّ صُورَةٍ صُورَةٍ، إعْطَاءً لِلنَّادِرِ حُكْمَ الْغَالِبِ قَالَهُ فِي التَّوْضِيحِ، وَعِبَارَةُ ابْنِ عَرَفَةَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمُ الْمُعَلَّقُ بِالْمَظِنَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى تَحَقُّقِ الْحِكْمَةِ اهـ.

وَعَلَّلَ بَعْضُهُمْ الْمَنْعَ فِي الْمِثَالِ الثَّانِي بِأَنَّ السَّلَفَ صَارَ بِسَبَبِ اشْتِرَاطِهِ مِنْ جُمْلَةِ الثَّمَنِ، وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مَجْهُولٌ اهـ.

وَمَا عَلَّلْنَا بِهِ أَظْهَرُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَنْعُ فِي الْمِثَالِ الْأَوَّلِ أَشَدُّ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةً عَلَى التَّأْثِيرِ فِي الثَّمَنِ عِلَّةً أُخْرَى لِلْمَنْعِ وَهِيَ كَوْنُ ذَلِكَ الْمُؤَثِّرِ مِنْ بَابِ اشْتِرَاطِ مَا يُوجِبُ الْحُكْمُ خِلَافَهُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ يُوجِبُ جَوَازَ تَصَرُّفِ الْمُشْتَرِي فِيمَا اشْتَرَاهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ شَاءَ، مِمَّا أَبَاحَهُ الشَّارِعُ مِنْ بَيْعٍ، أَوْ هِبَةٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَالتَّحْجِيرُ عَلَيْهِ بِأَنْ لَا يَبِيعَ وَلَا يَهَبَ شَرْطٌ مُنَاقِضٍ لِمُقْتَضَى عَقْدِ الْبَيْعِ، وَاشْتِرَاطُ مِثْلِهِ مَمْنُوعٌ وَيَفْسُدُ بِهِ الْبَيْعُ، وَمِثَالُ الشَّرْطِ الْحَلَالِ الَّذِي لَا يُؤَثِّرُ فِي الثَّمَنِ اشْتِرَاطُ الْمُشْتَرِي كَوْنَ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُعَيَّنٍ غَيْرِ بَعِيدٍ جِدًّا.

وَاشْتِرَاطُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ الْمُؤَجَّلِ، أَوْ الْمُعَجَّلِ أَنْ يُعْطِيَهُ فِيهِ رَهْنًا، أَوْ حَمِيلًا فَإِنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ جَائِزٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ فَلَا يُتَوَهَّمُ فِيهِ أَنَّهُ مِنْ الشَّرْطِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ، وَهَذَا شَرْطٌ صَحِيحٌ مَعْمُولٌ بِهِ وَهُوَ مِمَّا لَا يَقْتَضِيهِ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَلَا يُنَافِيهِ وَفِيهِ مَصْلَحَةٌ لِلْبَائِعِ وَيَنْدَرِجُ فِي هَذَا الْقِسْمِ الشَّرْطُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ عَقْدُ الْبَيْعِ كَالرُّجُوعِ بِدَرْكِ الْعَيْبِ وَالِاسْتِحْقَاقِ، وَيُعْمَلُ بِهِ وَلَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ، وَاشْتِرَاطُهُ تَأْكِيدٌ، وَمِثَالُ الشَّرْطِ الْحَرَامِ مَنْ بَاعَ أَمَةً رَفِيعَةً وَاشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يَمْنَعَهَا الدُّخُولَ وَالْخُرُوجَ، أَوْ اشْتَرَطَ كَوْنَهَا مُغَنِّيَةً، أَوْ بَاعَ دَارًا وَاشْتَرَطَ اتِّخَاذَهَا مَجْمَعًا لِأَهْلِ الْفَسَادِ فَالشَّرْطُ حَرَامٌ.

وَالْبَيْعُ بِهِ فَاسِدٌ، وَإِذَا فَسَدَ الْبَيْعُ بِالشَّرْطِ الْحَلَالِ الْمُؤَثِّرِ فِي الثَّمَنِ فَأَحْرَى أَنْ يَفْسُدَ بِالْحَرَامِ الْمُؤَثِّرِ كَالْمِثَالِ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ مِنْ هَذَا الْقِسْمِ، فَلَا فَرْقَ فِي الشَّرْطِ الْحَرَامِ بَيْنَ كَوْنِهِ مُؤَثِّرًا فِي الثَّمَنِ، أَوْ لَا، وَعَلَى ذَلِكَ نَبَّهَ بِالْإِطْلَاقِ، فَقَوْلُهُ " وَالْبَيْعُ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ " مِمَّا امْتَنَعَ " وَ " الشَّرْطُ عَطْفٌ عَلَى الْبَيْعِ، وَيَصِحُّ نَصْبُهُ عَلَى الْمَعِيَّةِ " وَالْحَلَالِ " نَعْتٌ لِلشَّرْطِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ وَ " مُؤَثِّرًا " حَالٌ مِنْ فَاعِل وَقَعَ الْعَائِدِ عَلَى الشَّرْطِ وَفِي " ثَمَنٍ " يَتَعَلَّقُ بِمُؤَثِّرٍ، وَجَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْخَبَرِ عَلَيْهِ وَهُوَ " مِمَّا امْتَنَعَ " وَكُلُّ " مُبْتَدَأٌ مُضَافٌ إلَى " مَا " وَهِيَ نَكِرَةٌ مَوْصُوفَةٌ وَاقِعَةٌ عَلَى شَرْطٍ، أَيْ كُلُّ شَرْطٍ.

وَجُمْلَةُ " لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرُ " صِفَةُ " مَا "، وَجُمْلَةُ " جَوَازُهُ مَأْثُورُ " مِنْ الْمُبْتَدَأ، وَالْخَبَرُ خَبَرُ " كُلُّ " وَمَأْثُورٌ، أَيْ مَرْوِيٌّ، وَ " الشَّرْطُ " مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ جُمْلَةُ الشَّرْطِ وَجَوَابُهَا، وَمَرَّ إنْ كَانَ حَرَامًا بَطَلَا بِهِ الْمَبِيعُ مُطْلَقًا، وَ " إنْ جُعِلَ " حَشْوٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ وَقَعَ وَذَلِكَ هُوَ فَرْضُ الْمَسْأَلَةِ، وَالْمَبِيعُ فَاعِلُ بَطَلَ

<<  <  ج: ص:  >  >>