للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَجْرِيحَهُمْ، فَقَوْلُهُ وَفِي سِوَاهُمْ الضَّمِيرُ لِلشُّهُودِ، أَيْ وَفِي تَجْرِيحِ الشُّهُودِ وَتَعْدِيلِهِمْ، وَشَمَلَ قَوْلُهُ وَفِي سِوَاهُمْ شَهَادَتَهُ بِمَا حَكَمَ بِهِ وَبِمَا تَحَمَّلَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ أَيْ فِي وِلَايَتِهِ أَوْ فِي مَجْلِسِ قَضَائِهِ عَلَى قَوْلِ غَيْرِ سَحْنُونٍ.

وَفِي هَذَا الْوَجْهِ كَلَامٌ يَأْتِي قَرِيبًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ فَإِنَّهُ يَرْفَعُ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ وَيَكُونُ شَاهِدًا لَا حَاكِمًا كَمَا يَأْتِي لِلنَّاظِمِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ:

وَحَقُّهُ إنْهَاءُ مَا فِي عِلْمِهِ

إلَخْ فَقَوْلُهُ:

وَقَوْلُ سَحْنُونٍ بِهِ الْيَوْمَ الْعَمَلْ

.. إلَخْ هُوَ فِي مَعْرَضِ الِاسْتِثْنَاءِ مِنْ قَوْلِهِ:

وَفِي سِوَاهُمْ مَالِكٌ قَدْ شَدَّدَا

يَعْنِي أَنَّ عَمَلَ الْقُضَاةِ الْيَوْمَ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلِ سَحْنُونٍ فِي كَوْنِهِ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِمَا عَلِمَهُ مِنْ إقْرَارِ الْخَصْمَيْنِ فِي مَجْلِسِ حُكُومَتِهِمَا عِنْدَهُ.

(قَالَ اللَّخْمِيُّ) وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْكُمَ إلَّا بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ لِيَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمْ لَا بِعِلْمِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُقْضَى فِيهِ بِعِلْمِهِ فَأَخْذُهُ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ أَحْسَنُ.

وَفِي (الْبَيَانِ) قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ قُضَاتُنَا بِالْمَدِينَةِ وَقَالَهُ عُلَمَاؤُنَا، وَلَا أَعْلَمُ مَالِكًا قَالَ غَيْرُهُ أَنَّهُ يَقْضِي عَلَيْهِ بِمَا يَسْمَعُ مِنْهُ وَأَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ مُطَرِّفٌ وَأَصْبَغُ وَسَحْنُونٌ (قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) وَهُوَ دَلِيلُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ «إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَإِنَّكُمْ لَتَخْتَصِمُونَ إلَيَّ الْحَدِيثَ إلَى قَوْلِهِ: فَأَقْضِي لَهُ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ» لِأَنَّهُ قَالَ عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ مِنْهُ وَلَمْ يَقُلْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى مَا ثَبَتَ عِنْدِي مِنْ قَوْلِهِ اهـ.

(وَقَالَ اللَّخْمِيُّ) لَا يَحْكُمُ بِمَا عَلِمَهُ قَبْلَ وِلَايَتِهِ لَا بَعْدَهَا فِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَلَا فِيهِ قَبْلَ أَنْ يَتَحَاكَمَا وَيَجْلِسَا لِلْحُكُومَةِ كَسَمَاعِهِ إقْرَارَ أَحَدِهِمَا فَلَمَّا تَقَدَّمَا لِلْحُكُومَةِ أَنْكَرَ، وَهُوَ فِيهِ شَاهِدٌ اهـ.

(فَرْعٌ) مَنْ قَامَ بِرَسْمٍ بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ مَيِّتَيْنِ أَوْ غَائِبَيْنِ وَلَمْ يُوجَدْ مَنْ يَرْفَعُ عَلَى خَطِّهِمَا - وَالْقَاضِي يَعْرِفُ خَطَّهُمَا - فَلَا يَحْكُمُ بِذَلِكَ الرَّسْمِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْحُكْمِ بِعِلْمِهِ قَالَهُ الْمِكْنَاسِيُّ فِي جَامِعِ مَجَالِسِهِ (وَفِي كِتَابِ ابْنِ يُونُسَ) وَأَمَّا إذَا جَلَسَ الْخَصْمَانِ إلَيْهِ فَأَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِشَيْءٍ وَسَمِعَهُ الْقَاضِي فَجَائِزٌ أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَاحْتَاجَ أَنْ يُحْضِرَ مَعَهُ شَاهِدَيْنِ أَبَدًا يَشْهَدَانِ عَلَى النَّاسِ وَبِذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَبِهِ أَخَذَ سَحْنُونٌ اهـ.

قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ -

وَعَدْلٌ إنْ أَدَّى عَلَى مَا عِنْدَهُ ... خِلَافُهُ مُنِعَ أَنْ يَرُدَّهُ

وَحَقُّهُ إنْهَاءُ مَا فِي عِلْمِهِ ... لِمَنْ سِوَاهُ شَاهِدًا بِحُكْمِهِ

يَعْنِي أَنَّ الشَّاهِدَ الْعَدْلَ إذَا أَدَّى شَهَادَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي وَالْقَاضِي يَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَ بِهِ ذَلِكَ الْعَدْلُ فَلَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يَرُدَّ شَهَادَتَهُ؛ لِكَوْنِهِ يَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَ بِهِ ذَلِكَ الْعَدْلُ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَلَكِنْ يَرْفَعُ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ مِنْ الْقُضَاةِ أَوْ لِمَنْ حَكَّمَهُ الْخَصْمَانِ فِي نَازِلَتِهِمَا فَيَكُونُ شَاهِدًا لَا قَاضِيًا، وَيَجْرِي هَذَا الْحُكْمُ أَيْضًا فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمَهُ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَلَكِنَّهُ يَرْفَعُ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ عَلَى أَنَّهُ شَاهِدٌ لَا حَاكِمٌ

كَمَا قَالَهُ فِي الْمُقَرِّبِ وَلَفْظُهُ (قَالَ سَحْنُونٌ) قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَخَاصَمَانِ إلَى الْقَاضِي فَيُقِرُّ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ بِشَيْءٍ وَلَيْسَ عِنْدَ الْقَاضِي أَحَدٌ غَيْرُهُ ثُمَّ يَجْحَدُ الْمُقِرُّ أَتَرَى لِلْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ وَمَقَالِهِ، فَقَالَ: لَا إلَّا بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ سِوَى الْقَاضِي أَوْ يَرْفَعُهُ إلَى مَنْ فَوْقَهُ فَيَكُونُ شَاهِدًا لَا حَاكِمًا، وَقَدْ حَكَى ابْنُ يُونُسَ فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ الْأَقْضِيَةِ عَنْ سَحْنُونٍ لَوْ شَهِدَ عِنْدِي عَدْلَانِ مَشْهُورَانِ بِالْعَدَالَةِ، وَأَنَا أَعْلَمُ خِلَافَ مَا شَهِدَا بِهِ لَمْ يَجُزْ أَنْ أَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا وَلَا أَنْ أَرُدَّهُمَا لِعَدَالَتِهِمَا وَلَكِنْ أَرْفَعُ ذَلِكَ لِلْأَمِيرِ الَّذِي فَوْقِي وَأَشْهَدُ بِمَا عَلِمْت وَغَيْرِي بِمَا يَعْلَمُ ا. هـ.

فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي الْمُقَرِّبِ تَقَدَّمَتْ فِي قَوْلِهِ: (وَفِي سِوَاهُمْ. . . إلَخْ) وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ فَيَرْفَعُ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ. وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ هِيَ مَسْأَلَةُ الْبَيْتَيْنِ فَقَوْلُهُ: (وَحَقُّهُ. . . إلَخْ) يَرْجِعُ لِهَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ مَعًا فَقَوْلُ النَّاظِمِ: (شَاهِدًا بِحُكْمِهِ) أَيْ بِحُكْمِ الشَّاهِدِ فَكَأَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهُ يَنْزِلُ عَنْ رُتْبَةِ حُكْمِهِ إلَى رُتْبَةِ الشَّاهِدِ وَحُكْمِهِ، وَلَعَلَّ الْمُنَاسِبَ لِهَذَا التَّقْرِيرِ أَنَّ الْبَاءَ فِي (بِحُكْمِهِ) بِمَعْنَى عَلَى وَضَمِيرُ (حُكْمِهِ) لِلشَّاهِدِ، أَيْ وَحَقُّهُ أَنْ يَرْفَعَ شَهَادَتَهُ لِغَيْرِهِ عَلَى حُكْمِ الشَّاهِدِ وَسَبِيلِهِ، وَالْإِنْهَاءُ هُنَا بِمَعْنَى رَفْعِ الشَّهَادَةِ لَا الْإِنْهَاءُ الْمُصْطَلَحُ عَلَيْهِ. (فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ رُشْدٍ قَوْلُ الْقَاضِي: وَهُوَ عَلَى قَضَائِهِ حَكَمْت لِفُلَانٍ بِكَذَا لَا يُصَدَّقُ فِيهِ إنْ كَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>