أَنَّ بَيْعَ الْعُرُوضِ بِالْعُرُوضِ وَيُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مُعَاوَضَةً، وَفِي حُكْمِهِ تَفْصِيلٌ يَأْتِي فِي الْأَبْيَاتِ بَعْدَ هَذَا تَلِيه، فَبَيْعُ الْعُرُوضِ: مُبْتَدَأٌ وَمُضَافٌ إلَيْهِ، وَبِالْعُرُوضِ: يَتَعَلَّقُ بِبَيْعٍ، وَنَائِبُ " قُصِدَ " يَعُودُ عَلَى بَيْعٍ، وَتَعَاوُضٌ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مُضْمَرٍ، أَيْ هُوَ تَعَاوُضٌ، وَالْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ الَّذِي هُوَ إنْ قُصِدَ، وَالشَّرْطُ وَجَوَابُهُ خَبَرُ بَيْعُ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَيَأْتِي لِلنَّاظِمِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدَ بَابِ الْقِسْمَةِ بَعْضُ مَسَائِلَ مِنْ بَابِ الْمُعَاوَضَةِ
فَإِنْ يَكُنْ مَبِيعُهَا يَدًا بِيَدْ ... فَإِنَّ ذَاكَ جَائِزٌ كَيْفَ انْعَقَدْ
وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَتَخْتَلِفْ ... أَجْنَاسُهُ فَمَا تَفَاضَلَ أُلِفْ
وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِأَمَدْ ... مُمْتَنِعٌ فِيهِ تَفَاضُلٌ فَقَدْ
إلَّا إذَا تَخْتَلِفُ الْمَنَافِعُ ... وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبْضٍ مَانِعُ
وَبَيْعُ كُلٍّ جَائِزٌ بِالْمَالِ ... عَلَى الْحُلُولِ أَوَّلَ الْآجَالِ
أَشَارَ بِالْأَبْيَاتِ الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ وَشَطْرِ الرَّابِعِ أَنَّ بَيْعَ الْعَرْضِ بِالْعَرْضِ يُتَصَوَّرُ فِيهِ ثَمَانِيَةُ أَوْجُهٍ.
لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يُبَاعَ الْعَرْضَانِ يَدًا بِيَدٍ، أَوْ يَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا إمَّا أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ مُتَمَاثِلًا، أَوْ مُتَفَاضِلًا، فَهَذِهِ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ، وَفِي كُلٍّ مِنْ الْأَرْبَعَةِ إمَّا أَنْ يُبَاعَ بِجِنْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِ جِنْسِهِ، وَمَعْنَى التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ أَنْ يُبَاعَ وَاحِدٌ بِاثْنَيْنِ مَثَلًا كَثَوْبَيْنِ بِفَرَسٍ، فَأَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ إلَى أَرْبَعَةٍ مِنْهَا فَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا بِيعَ الْعَرْضُ بِالْعَرْضِ يَدًا بِيَدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ مُطْلَقًا، سَوَاءٌ بِيعَ الْجِنْسُ بِجِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا، أَوْ مُتَفَاضِلًا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، أَوْ بِيعَ الْجِنْسُ بِغَيْرِ جِنْسِهِ مُتَمَاثِلًا، أَيْ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ، أَوْ مُتَفَاضِلًا، أَيْ وَاحِدًا بِاثْنَيْنِ مَثَلًا، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ أُخْرَيَانِ، وَإِلَى هَذَا الْإِطْلَاقِ أَشَارَ بِقَوْلِهِ: " كَيْفَ انْعَقَدْ " وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: " وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا " الْبَيْت إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " يَدًا بِيَدْ "، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ أَحَدُ الْعَرْضَيْنِ، وَاخْتَلَفَ الْجِنْسَانِ، فَلَا يُمْنَعُ التَّفَاضُلُ.
وَأَحْرَى فِي الْجَوَازِ صُورَةُ التَّمَاثُلِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ اخْتِلَافِ الْجِنْسَيْنِ إذْ لَا مُوجِبَ لِلْمَنْعِ فِي ذَلِكَ، فَهَاتَانِ صُورَتَانِ، ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " يَدًا بِيَدْ " وَإِلَى مَفْهُومِ قَوْلِهِ: " وَتَخْتَلِفُ أَجْنَاسُهُ " بِقَوْلِهِ:
وَالْجِنْسُ مِنْ ذَاكَ بِجِنْسٍ لِأَمَدْ
الْبَيْتَ فَأَخْبَرَ أَنَّ الْعَرْضَ إذَا بِيعَ بِعَرْضٍ وَهُمَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ وَتَأَخَّرَ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ يُمْنَعُ فِيهِ التَّفَاضُلُ فَقَطْ دُونَ التَّمَاثُلِ فَلَا يُمْنَعُ، وَهَاتَانِ صُورَتَانِ أَيْضًا وَبِهِمَا كَمُلَتْ الثَّمَانِ، وَوَجْهُ الْمَنْعِ فِي التَّفَاضُلِ أَنَّهُ إذَا عُجِّلَ الْأَقَلُّ كَانَ سَلَفًا جَرَّ نَفْعًا؛ لِأَنَّ الْمُعَجِّلَ لِلْعَرْضِ الْقَلِيلِ مُسَلِّفٌ يَأْخُذُ عَنْهُ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَإِنْ عَجَّلَ الْأَكْثَرَ كَانَ ضَمَانًا بِجُعْلٍ؛ لِأَنَّ مَنْ دَفَعَ كَثِيرًا ثُمَّ يَأْخُذُ أَقَلَّ تَرَكَ بَعْضَ مَا دَفَعَ فِي مُقَابَلَةِ بَقَاءِ ذَلِكَ فِي ضَمَانِ مُشْتَرِيه إلَى أَجَلٍ.
وَوَجْهُ الْجَوَازِ فِي التَّمَاثُلِ أَنَّهُ سَلَفٌ مَحْضٌ وَلَمْ يَجُرَّ نَفْعًا لِمُسَلِّفِهِ لِكَوْنِهِ أَخَذَ مِثْلَ مَا أَعْطَى قَدْرًا وَجِنْسًا، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ التَّفَاضُلِ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ مَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ فَقَالَ:
إلَّا إذَا تَخْتَلِفُ الْمَنَافِعُ
أَيْ فَإِنَّ اخْتِلَافَ الْمَنَافِعِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ كَالْجِنْسَيْنِ.
وَالْجِنْسَانِ يَجُوزُ التَّفَاضُلُ بَيْنَهُمَا كَمَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ:
وَإِنْ يَكُنْ مُؤَجَّلًا وَتَخْتَلِفْ
أَجْنَاسُهُ الْبَيْتَ وَقَدْ مَثَّلُوا لِمَا اخْتَلَفَتْ مَنَافِعُهُ مِنْ الْجِنْسِ الْوَاحِدِ فِي بَابِ السَّلَمِ بِالْحِمَارِ الْفَأْرَةِ أَيْ السَّرِيعِ السَّيْرِ يُدْفَعُ فِي اثْنَيْنِ لَيْسَا كَذَلِكَ، وَبِالْفَرَسِ الْجَوَادِ أَيْ السَّابِقِ يُدْفَعُ فِي اثْنَيْنِ مِنْ حَوَاشِي الْخَيْلِ، وَكَذَلِكَ كَبِيرٌ فِي صَغِيرٍ وَصَغِيرٌ فِي كَبِيرٍ عَلَى الْأَصَحِّ.
قَالَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ (التَّوْضِيحُ) يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْجِنْسَ فَيَصْدُقُ عَلَى كَبِيرٍ فِي صَغِيرٍ وَعَكْسِهِ، وَعَلَى كَبِيرَيْنِ فِي صَغِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ، وَعَلَى كَبِيرٍ فِي صَغِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ وَعَلَى صَغِيرٍ فِي كَبِيرَيْنِ وَعَكْسِهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ الْوَاحِدَ وَيَكُونَ التَّعَدُّدُ مَأْخُوذًا مِنْهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَجَازَ مَعَ الْوَاحِدَةِ أَجَازَ مَعَ التَّعَدُّدِ وَالْأَصَحُّ ظَاهِرُ الْمُدَوَّنَةِ اهـ. وَقَالَ قَبْلَ هَذَا وَضَابِطُ هَذَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْمَنْفَعَةِ يُصَيِّرُ الْجِنْسَ الْوَاحِدَ جِنْسَيْنِ اهـ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَمَا لِبَيْعٍ قَبْلَ قَبْضٍ مَانِعُ
إلَى أَنَّهُ يَجُوزُ فِي الْعُرُوضِ كُلِّهَا بَيْعُهَا قَبْلَ قَبْضِهَا وَلَيْسَتْ كَالطَّعَامِ الَّذِي لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ قَبْضِهِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَبَيْعُ كُلٍّ جَائِزٌ بِالْمَالِ