للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَوَازِ اشْتِرَاطِ الْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ لِأَنَّ كَلَامَ النَّاظِمِ فِي اشْتِرَاطِ الْمُشْتَرِي مَا يَصْلُحُ بِهِ، وَيَرْغَبُ فِيهِ، وَيَزِيدُ فِي الثَّمَنِ مِنْ أَجَلِهِ فَيُمْنَعُ لِأَجْلِ الْغَرَرِ، وَاشْتِرَاطُ الْحَمْلِ فِي الرَّائِعَةِ إنَّمَا الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّبَرِّي مِنْ الْعَيْبِ لَا الزِّيَادَةُ فِي الثَّمَنِ.

(قَالَ ابْنُ رُشْدٍ) : لَمْ يَجُزْ بَيْعُ الْحَامِلِ بِشَرْطِ الْحَمْلِ وَإِنْ كَانَ حَمْلًا ظَاهِرًا لِأَنَّهُ غَرَرٌ إذْ قَدْ يَنْفَشُّ الْحَمْلُ بَعْدَ ظُهُورِهِ فَيَكُونُ بِالشَّرْطِ قَدْ أَخَذَ لِلْجَنِينِ ثَمَنًا ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ فِي الْحَيَوَانِ الَّذِي يَزِيدُهُ الْحَمْلُ، وَأَمَّا فِي الْجَوَارِي الْمُرْتَفِعَاتِ الَّتِي يُنْقِصُهُنَّ الْحَمْلُ فَيَجُوزُ أَنْ يَبِيعَهَا عَلَى أَنَّهَا حَامِلٌ إذَا كَانَتْ ظَاهِرَةَ الْحَمْلِ لِأَنَّ ذَلِكَ تَبَرٍّ مِنْ عَيْبِ حَمْلِهَا كَالتَّبَرِّي مِنْ سَائِرِ عُيُوبِهَا.

وَذَاتُ حَمْلٍ قَدْ تَدَانَى وَضْعُهَا ... لَمْ يَمْتَنِعْ عَلَى الْأَصَحِّ بَيْعُهَا

كَذَا الْمَرِيضُ فِي سِوَى السِّيَاقِ ... يَصِحُّ بَيْعُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ

وَالْعَبْدُ فِي الْإِبَاقِ مَعَ عِلْمِ مَحَلْ ... قَرَارِهِ مِمَّا ابْتِيَاعٌ فِيهِ حَلْ

وَالْبَائِعُ الضَّامِنُ حَتَّى يَقْبِضَا ... وَإِنْ تَقَعْ إقَالَةٌ لَا تُرْتَضَى

لَمَّا تَضَمَّنَ الْبَيْتُ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا فِيهِ غَرَرٌ كَالْحَمْلِ، وَكَانَ بَعْضُ الْمَبِيعَاتِ يُتَوَهَّمُ فِيهَا الْغَرَرُ رُفِعَ ذَلِكَ الْوَهْمُ بِالتَّنْصِيصِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِهَا. وَذَلِكَ الْحَامِلُ الَّتِي قَرُبَ وَضْعُهَا، وَالْمَرِيضُ مَرَضًا مَخُوفًا إنْ لَمْ يَبْلُغْ حَدَّ السِّيَاقِ، وَالْعَبْدُ الْآبِقُ إذَا عُلِمَ مَحَلُّهُ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ تُبَاعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَإِنْ كَانَ فِي بَيْعِهَا غَرَرٌ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ مِنْ النِّفَاسِ، وَالْمَرَضِ، وَعَدَمِ وُجُودِ الْآبِقِ، أَوْ وُجُودُهُ قَدْ تَغَيَّرَ عَنْ حَالِهِ أَمَّا جَوَازُ بَيْعِ الْمَرِيضِ فِي غَيْرِ السِّيَاقِ، وَالْحَامِلِ الْمُقْرِبِ فَقَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ الْمَخُوفِ عَلَيْهِ وَالْحَامِلِ الْمُقْرِبِ عَلَى الْأَصَحِّ.

(قَالَ فِي التَّوْضِيحِ) فِي شَرْحِ قَوْلِهِ وَلَا يُبَاعُ مَنْ فِي السِّيَاقِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ خَاصٌّ بِالرَّقِيقِ، وَمَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ لِأَنَّهُ مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا مَأْكُولُ اللَّحْمِ فَيُبَاعُ لِيُذَكَّى فَيَجُوزُ بَيْعُهُ لِحُصُولِ الْمَنْفَعَةِ بِهِ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ (ابْنُ عَرَفَةَ) : ظَاهِرُ إطْلَاقَاتِهِمْ وَنَصُّ ابْنِ مُحْرِزٍ مَنْعُ بَيْعِ مَنْ فِي السِّيَاقِ وَلَوْ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ لِلْغَرَرِ فِي حُصُولِ الْغَرَضِ مِنْ حَيَاتِهِ أَوْ صَيْرُورَتِهِ لَحْمًا وَفِي حُصُولِ ذَكَاتِهِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ حَرَكَتِهِ بَعْدَ ذَبْحِهِ اهـ.

وَهُوَ ظَاهِرٌ وَقَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ " وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ وَالْحَامِلِ " الْمَصْدَرُ مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَيْ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ الْمَرِيضُ، وَأَنْ تُبَاعَ الْحَامِلُ، فَالْمَرِيضُ، وَالْحَامِلُ مَبِيعًا لَا بَائِعًا لِأَنَّ وُقُوعَ الْبَيْعِ، وَنَحْوَهُ مِنْهُمَا جَائِزٌ مَاضٍ. وَلَا يُحْجَرُ عَلَيْهِمَا إلَّا فِي التَّبَرُّعَاتِ كَالْهِبَةِ، وَالصَّدَقَةِ وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ الْمَرِيضِ فِي غَيْرِ السِّيَاقِ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ كَالْأَنْعَامِ، أَوْ غَيْرَ مَأْكُولِهِ كَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ. وَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنْ بَلَغَ حَدَّ السِّيَاقِ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ كَانَ مَأْكُولَ اللَّحْمِ أَوْ لَا. وَهُوَ كَذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَرَفَةَ،

وَعَلَيْهِ فَإِطْلَاقُ النَّاظِمِ مَنْعَ بَيْعِ مَنْ فِي السِّيَاقِ صَحِيحٌ. وَأَمَّا جَوَازُ بَيْعِ الْآبِقِ إذَا عُلِمَ مَحَلُّهُ فَقَالَ الْمُتَيْطِيِّ وَيَجُوزُ بَيْعُ الْعَبْدِ الْآبِقِ إذَا عَلِمَ الْمُبْتَاعُ مَوْضِعَهُ وَصِفَتَهُ، فَإِنْ وُجِدَ هَذَا الْآبِقُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَلَيْهَا قَبَضَهُ وَصَحَّ الْبَيْعُ فِيهِ وَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ تَغَيَّرَ أَوْ تَلِفَ كَانَ مِنْ الْبَائِعِ، وَيَسْتَرْجِعُ الْمُبْتَاعُ الثَّمَنَ. وَقَالَ سَحْنُونٌ إنَّمَا يَجُوزُ ابْتِيَاعُ الْآبِقِ إذَا كَانَ فِي وَثَاقٍ. وَقَوْلُهُ:

وَالْبَائِعُ الضَّامِنُ حَتَّى يُقْبِضَا

مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْآبِقِ وَتَقَدَّمَ قَوْلُ الْمُتَيْطِيِّ، وَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ تَغَيَّرَ أَوْ تَلِفَ كَانَ أَيْ ضَمَانُهُ مِنْ الْبَائِعِ.

(وَفِي الْمُدَوَّنَةِ) بَيْعُ الْآبِقِ وَلَوْ قَرُبَتْ غَيْبَتُهُ مَمْنُوعٌ. وَكَذَا الشَّارِدُ وَمَا نَدَّ أَوْ ضَلَّ. اهـ وَظَاهِرُهَا مَنْعُ بَيْعِ الْآبِقِ مُطْلَقًا. وَقَوْلُهُ

وَإِنْ تَقَع إقَالَةٌ لَا تُرْتَضَى

هُوَ مِنْ تَمَامِ مَسْأَلَةِ بَيْعِ الْآبِقِ يَعْنِي إذَا فَرَّعْنَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْآبِقِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَايَلَ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>