للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَكِيلَتُهُ إنْ عَلِمَهَا وَوَجَدَهُ يَابِسًا أَوْ الْقِيمَةُ إنْ جَهِلَ الْكَيْلَ أَوْ وَجَدَهُ رَطْبًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ هَذَا هُوَ الْقَوْلُ الْمَشْهُورُ الْمَعْمُولُ بِهِ اهـ وَحَكَى ابْنُ سَلْمُونٍ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا قَوْلَيْنِ هَلْ هُوَ بَيْعٌ فَاسِدٌ؛ فَلَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْغَلَّةَ أَوْ سَلَفٌ جَرَّ نَفْعًا؛ وَعَلَيْهِ فَيَرُدُّ الْغَلَّةَ وَتَكُونُ لِلْبَائِعِ. قَالَ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَابْنِ الْقَاسِمِ أَنَّهُ لَا كِرَاءَ فِيهِ كَانَ إلَى أَجَلٍ أَوْ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فَاسِدٌ عِنْدَهُمْ، وَبِهِ الْعَمَلُ وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْغَفُورِ إنْ وَقَعَ إلَى أَجَلٍ كَانَ فِيهِ الْكِرَاءُ لِأَنَّهُ كَالرَّهْنِ، وَإِنْ وَقَعَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ فَلَا كِرَاءَ فِيهِ انْتَهَى بِالْمَعْنَى

(تَنْبِيهَاتٌ الْأَوَّلُ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ إنَّمَا هُوَ فِيمَا حَدَثَ عِنْدَهُ أَمَّا إنْ اشْتَرَى الْأُصُولَ وَفِيهَا ثِمَارٌ مَأْبُورَةٌ، وَاشْتَرَطَهَا الْمُبْتَاعُ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ فَإِنَّهُ يَرُدُّهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ فِي كَلَامِ الْمُتَيْطِيِّ لِأَنَّهُ دَفَعَ لَهَا حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَلَيْسَتْ بِخَرَاجٍ يَكُونُ لِلْمُبْتَاعِ بِالضَّمَانِ فَإِذَا عَادَ إلَيْهِ ثَمَنُهُ بِجُمْلَتِهِ فَمِنْ حَقِّ الْبَائِعِ أَنْ يَعُودَ لَهُ أَصْلُهُ بِثَمَرَتِهِ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى النَّاظِمِ بِعَدَمِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ. قَالَ الشَّارِحُ: وَهُوَ ظَاهِرٌ

(الثَّانِي) قَالَ الْحَطَّابُ وَهَذَا كُلُّهُ أَيْ كَوْنُ الْمُشْتَرِي لَا يَرُدُّ الْغَلَّةَ إنَّمَا هُوَ إذَا قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَاسْتَغَلَّهُ إمَّا بِكِرَاءٍ أَوْ سُكْنَى وَأَمَّا مَا يَقَعُ فِي عَصْرِنَا هَذَا، وَهُوَ مَا عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى وَذَلِكَ، أَنَّ الشَّيْخَ يَبِيعُ الدَّارَ مَثَلًا بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَهِيَ تُسَاوِي أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَوْ خَمْسَةً، وَيَشْتَرِطُ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ مَتَى جَاءَهُ بِالثَّمَنِ رَدَّهَا إلَيْهِ، ثُمَّ يُؤَجِّرُهَا الْمُشْتَرِي لِبَائِعِهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا الْمُشْتَرِي، وَقَبْلَ أَنْ يُخْلِيهَا الْبَائِعُ مِنْ أَمْتِعَةٍ بَلْ يَسْتَمِرُّ الْبَائِعُ عَلَى سُكْنَاهَا إنْ كَانَتْ مَحَلَّ سُكْنَاهُ، أَوْ عَلَى وَضْعِ يَدِهِ عَلَيْهَا، أَوْ إجَارَتِهَا، وَيَأْخُذُ مِنْهُ الْمُشْتَرِي الْأُجْرَةَ الْمُسَمَّاةَ فِي كُلِّ سَنَةٍ، فَهَذَا لَا يَجُوزُ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّ هَذَا صَرِيحُ الرِّبَا، وَلَا عِبْرَةَ بِالْعَقْدِ الَّذِي عَقَدَاهُ فِي الظَّاهِرِ، لِأَنَّهُ إنَّمَا حُكِمَ بِالْغَلَّةِ لِلْمُشْتَرِي فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ لِانْتِقَالِ الضَّمَانِ إلَيْهِ، وَهُنَا لَمْ يَنْتَقِلْ الضَّمَانُ لِبَقَاءِ الْمَبِيعِ تَحْتَ يَدِ بَائِعِهِ، فَلَا يُحْكَمُ لَهُ بِالْغَلَّةِ، بَلْ لَوْ قَبَضَ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ وَتَسَلَّمَهُ بَعْدَ أَنْ أَخْلَاهُ الْبَائِعُ ثُمَّ آجَرَهُ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَجْهِ الْمُتَقَدِّمِ لَمْ يَجُزْ، لِأَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ الْيَدِ، وَعَادَ إلَيْهَا لِغُلُوٍّ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ وَآلَ الْحَالُ إلَى صَرِيحِ الرِّبَا وَهَذَا وَاضِحٌ لِمَنْ تَدَبَّرَهُ. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ

(الْحَطَّابُ) وَسَمِعْتُ وَالِدِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَحْكِي عَنْ بَعْضِ مَنْ عَاصَرَهُ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ لِلْمُشْتَرِي بِالْغَلَّةِ فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ إذَا كَانَ جَاهِلًا بِفَسَادِ حَالِ الْعَقْدِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ، وَتَعَمَّدَ فَلَا غَلَّةَ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى ذَلِكَ مَنْصُوصًا وَظَاهِرُ إطْلَاقِهِمْ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَالِمِ وَالْجَاهِلِ اهـ.

وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَ أَنَّهُ عَمَّتْ بِهِ الْبَلْوَى عِنْدَهُمْ كَذَلِكَ عِنْدَنَا وَأَكْثَرُ، وَتَجَدُّدُ الدَّارِ فِي مِثْلِ الْقَضِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ يُسَاوِي كِرَاؤُهَا خَمْسَ أَوَاقٍ فِي الشَّهْرِ مَثَلًا وَيَكْتَرِيهَا بَائِعُهَا مِنْ الْمُشْتَرِي مِنْهُ بِعَشْرِ أَوَاقٍ أَوْ أَكْثَرَ، وَمَا ذَلِكَ إلَّا لِيَتَوَصَّلَ الْبَائِعُ لِفَائِدَةِ مَالِهِ الَّذِي دَفَعَ لِبَائِعِهَا، وَلَا يَكْفِيهِ فِي ذَلِكَ كِرَاؤُهَا بِمَا تُسَاوِيهِ وَمِنْ مَفَاسِدِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَقْتَضِي الْأَجَلُ، وَلَا يَجِدُ مَا يَدْفَعُ لِلْمُشْتَرِي، فَيَمْضِي الْبَيْعُ بِمَا سَمَّوْهُ بَيْعًا وَهُوَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا، أَوْ أَقَلُّ فَيَجْتَمِعُ عَلَى بَائِعِهَا كَثْرَةُ مَا أَعْطَى فِي الْكِرَاءِ وَقِلَّةُ الثَّمَنِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَفْعَلُهُ أَهْلُ الضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَةِ، وَلَا تَجِدُ فِيمَنْ يُعَامِلُهُمْ فِي الْغَالِبِ رَأْفَةً وَلَا رَحْمَةً بَلْ قُلُوبُهُمْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وَكَأَنَّهُ تَقَدَّمَتْ بَيْنَهُمْ عَدَاوَةٌ قَدِيمَةٌ. هَذَا هُوَ الْغَالِبُ فِيمَا رَأَيْنَا فَإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ

(الثَّالِثُ) إذَا مَاتَ أَحَدُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي بَيْعِ الثُّنْيَا الْجَائِزِ

(قَالَ التَّوْضِيحُ) لَمَّا تَكَلَّمَ عَلَى بَيْعِ الْخِيَارِ، وَأَنَّهُ يُورَثُ أَقَامَ أَبُو مُحَمَّدٍ صَالِحٌ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ إنَّ الْخِيَارَ يُورَثُ أَنَّ الثُّنْيَا تُورَثُ أَيْ الْجَائِزَةُ إذَا مَاتَ الْمُتَطَوِّعُ لَهُ بِهَا وَهُوَ الْبَائِعُ وَاخْتَلَفُوا إذَا مَاتَ الْمُشْتَرِي الَّذِي تَطَوَّعَ بِهَا هَلْ يَلْزَمُ ذَلِكَ وَرَثَتَهُ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إبْرَاهِيمَ أَوْ لَا يَلْزَمُ وَرَثَتَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْفَضْلِ رَاشِدٍ، وَاخْتَارَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْحَطَّابُ وَمَا قَالَهُ أَبُو الْفَضْلِ رَاشِدٍ وَرَجَّحَهُ أَبُو الْحَسَنِ هُوَ الظَّاهِرُ وَقَدْ صَرَّحَ ابْنُ رُشْدٍ بِأَنَّ الثُّنْيَا إذَا كَانَتْ عَلَى التَّطَوُّعِ فَهِيَ مِنْ الْمَعْرُوفِ، وَالْمَعْرُوفُ يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَالْفَلَسِ اهـ وَهَذَا فِي الصَّحِيحَةِ كَمَا تَقَدَّمَ، أَمَّا الْفَاسِدَةُ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ كَمَا تَقَدَّمَ اهـ كَلَامُ الْحَطَّابِ

(قَالَ مُقَيِّدُ هَذَا الشَّرْحِ سَمَحَ اللَّهُ لَهُ بِفَضْلِهِ) وَقَدْ قُلْت فِي نَظْمِنَا الْمُسَمَّى بِبُسْتَانِ فِكَرِ الْمُهَجِ فِي تَذْيِيلِ الْمَنْهَجِ فِي بَعْضِ مَا يَتَعَلَّقُ بِبَيْعِ الثُّنْيَا مَا نَصُّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>