ثُمَّ الْعُيُوبُ كُلُّهَا لَا تُعْتَبَرْ ... إلَّا بِقَوْلِ مَنْ لَهُ بِهَا بَصَرْ
تَقَدَّمَ أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ يَنْقُصُ الثَّمَنَ فَإِنَّ لِلْمُشْتَرِي الرَّدَّ بِهِ إذَا كَانَ لَمْ يَرَهُ وَقْتَ التَّقْلِيبِ ثُمَّ إنْ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا جَلِيًّا لَا يَخْتَلِفُ فِيهِ اثْنَانِ فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ فَيَدَّعِي الْبَائِعُ أَنْ لَا عَيْبَ فِيهِ وَيَزْعُمُ الْمُشْتَرِي أَنَّهُ عَيْبٌ فَيُرْجَعُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِ مَنْ لَهُ بِذَلِكَ بَصَرٌ وَمَعْرِفَةٌ فَيَشْهَدُونَ بِوُجُودِ الْعَيْبِ بِذَلِكَ الْمَبِيعِ وَأَنَّ ذَلِكَ الْعَيْبَ مِمَّا يَنْقُصُ الثَّمَنَ لِأَنَّ مِنْ الْعُيُوبِ مَا هُوَ خَفِيفٌ لَا يُؤَثِّرُ فِي الثَّمَنِ وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْمَبِيعُ غَالِبًا فَلَا عِبْرَةَ بِهِ وَتَقَدَّمَ لِلنَّاظِمِ فِي آخِرِ فَصْلِ بَيْعِ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ
وَيُثْبِتُ الْعُيُوبَ أَهْلُ الْمَعْرِفَهْ ... بِهَا وَلَا يُنْظَرُ فِيهِمْ لِصِفَهْ
(قَالَ الْبَاجِيُّ) إنْ كَانَ الْعَيْبُ مِمَّا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَقَالَ مُحَمَّدٌ وَغَيْرُهُ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِقَوْلِ عَدْلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِتِلْكَ السِّلْعَةِ وَعُيُوبِهَا فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَعْلَمُهُ إلَّا أَهْلُ الْعِلْمِ بِهِ كَالْأَمْرَاضِ الَّتِي لَا يَعْرِفُ أَسْرَارَهَا إلَّا الْأَطِبَّاءُ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِذَلِكَ فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَهُوَ أَتَمُّ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهِمْ أَهْلُ عَدْلٍ قُبِلَ قَوْلُ غَيْرِهِمْ إنْ لَمْ يَكُونُوا مُسْلِمِينَ لِأَنَّ طَرِيقَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مِمَّا يَنْفَرِدُونَ بِعِلْمِهِ وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ كَالْعُيُوبِ فِي جَسَدِ الْمَرْأَةِ فَظَاهِرُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ مَا تَحْتَ الثِّيَابِ مِنْ الْعُيُوبِ يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْعَيْبُ الَّذِي يَشْهَدُ فِيهِ النِّسَاءُ مِمَّا يَسْتَوِي فِيهِ النِّسَاءُ قُبِلَ فِيهِ امْرَأَتَانِ مِنْ عُدُولِ النِّسَاءِ دُونَ يَمِينٍ.
وَإِنْ كَانَ مِنْ الْعُيُوبِ الَّتِي يَنْفَرِدُ بِمَعْرِفَتِهَا أَهْلُ الْعِلْمِ شَهِدَتْ امْرَأَتَانِ بِصِفَتِهِ وَسُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِذَلِكَ عَنْ الْحُكْمِ (الْمُتَيْطِيُّ) الْوَاحِدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُمْ يَكْفِي إذْ طَرِيقُ ذَلِكَ، الْعِلْمُ لَا الشَّهَادَةُ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ فِي الْمَذْهَبِ الْمَعْمُولُ بِهِ اهـ مِنْ الْمَوَّاقِ فَإِذَا ثَبَتَ الْعَيْبُ بِأَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِهِ فَقَدْ قَدَّمَ النَّاظِمُ مَا حَاصِلُهُ أَنَّ غَيْرَ الْعَارِفِ يَرْجِعُ بِالْعَيْبِ ظَاهِرًا كَانَ أَوْ خَفِيًّا، وَأَمَّا الْعَارِفُ فَلَا رُجُوعَ لَهُ فِي الْعَيْبِ الظَّاهِرِ وَفِي رُجُوعِهِ فِي الْخَفِيِّ خِلَافٌ، وَهُوَ قَوْلُهُ فِي فَصْلِ بَيْعِ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْحَيَوَانِ:
.. ... فَالرَّدُّ فِي الْجَمِيعِ بِالْإِطْلَاقِ
إلَّا بِأَوَّلٍ بِمَا مِنْهُ ظَهَرْ ... لِمَنْ يَكُونُ بِالْعُيُوبِ ذَا بَصَرْ
وَالْخُلْفُ فِي الْخَفِيِّ مِنْهُ، أَيْ لِلْعَارِفِ أَيْضًا وَأَمَّا غَيْرُهُ فَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ
فَالرَّدُّ فِي الْجَمِيعِ بِالْإِطْلَاقِ
وَلِلشَّارِحِ هُنَا تَفْصِيلٌ وَلَفْظُهُ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ، وَإِذَا ثَبَتَ فِي نَظَرِهِمْ أَنَّهُ عَيْبٌ مُؤَثِّرٌ فِي الثَّمَنِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَخْفَى عِنْدَ التَّقْلِيبِ، أَوْ مِمَّا لَا يَخْفَى عِنْدَهُ فَمَا لَا يَخْفَى يُحْمَلُ الْمُشْتَرِي عَلَى أَنَّهُ رَآهُ وَدَخَلَ عَلَيْهِ وَبَدَا لَهُ فِي الشِّرَاءِ فَهُوَ يَحْتَالُ عَلَى حِلِّهِ أَوْ نَقْصِ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَخْفَى فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا يَخْفَى عَلَى الْعَارِفِ وَغَيْرِهِ، فَالرَّدُّ بِهِ لِلْعَارِفِ وَغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَخْفَى إلَّا عَلَى غَيْرِ الْعَارِفِ فَيُفَرَّقُ فِيهِ بَيْنَ غَيْرِ الْعَارِفِ فَلَهُ الرَّدُّ وَبَيْنَ الْعَارِفِ كَالنَّخَّاسِ فِي الرَّقِيقِ وَالدَّوَابِّ فَلَا رَدَّ لَهُ اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ.
وَالْمُشْتَرِي الشَّيْءَ وَبَعْدُ يَطَّلِعْ ... فِيهِ عَلَى عَيْبٍ قِيَامُهُ مُنِعْ
إلَّا عَلَى الْفَوْرِ وَمَهْمَا اُسْتُعْمِلَا ... بَعْدَ اطِّلَاعِهِ الْمَعِيبَ بَطَلَا
كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالْبِنَاءِ ... وَالْهَدْمِ وَالْجِمَاعِ لِلْإِمَاءِ