للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَيَكُونُ مَعْنَى إلَّا بِمَا تُنْبِتُهُ أَيْ بِمَا شَأْنُهَا أَنْ تُنْبِتَهُ سَوَاءٌ كَانَ جُزْءًا مِمَّا أَكْرَاهَا بِهِ كَالصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَوْ طَعَامًا مِنْ غَيْرِهِ كَأَنْ يُكْرِيَهَا لِزِرَاعَةِ قَمْحٍ وَيَقْبِضَ فِي كِرَائِهَا فُولًا وَإِنْ كَانَ الْمَأْخُوذُ فِي الْكِرَاءِ غَيْرَ طَعَامٍ مِمَّا تُنْبِتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِمَّا يُزْرَعُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ الْمُعَيَّنَةِ كَالْقُطْنِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا تُنْبِتُهُ، وَالْكَتَّانِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي لَا يَصْلُحُ فِيهَا وَهَذَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ: " مِنْ غَيْرِ مَزْرُوعٍ بِهَا " وَقَوْلُهُ: " وَلَا بِمَا كَانَ " مَعْطُوفٌ عَلَى بِجُزْءٍ أَيْضًا أَيْ وَلَا يَجُوزُ كِرَاؤُهَا بِالْمَطْعُومِ وَلَوْ كَانَ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ كَمَا مَثَّلَ.

(قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ) : الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ بِشَيْءٍ مِنْ الطَّعَامِ مِمَّا تُنْبِتُهُ الْأَرْضُ أَوْ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ وَلَا بِبَعْضٍ مِمَّا لَا تُنْبِتُهُ مِنْ غَيْرِ الطَّعَامِ كَالْقُطْنِ وَالْكَتَّانِ وَالْعُصْفُرِ وَالزَّعْفَرَانِ وَيَجُوزُ بِالْقَصَبِ وَالْخَشَبِ.

(وَفِي الْجَوَاهِرِ أَيْضًا) عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا مَذْهَبُ اللَّيْثِ فِي تَجْوِيزِهِ كِرَاءَهَا بِالثُّلُثِ أَوْ بِالرُّبُعِ مِمَّا تُنْبِتُهُ فَإِنْ وَقَعَ فَسَخْته، وَإِنْ فَاتَ أَوْجَبْت عَلَيْهِ كِرَاءَ مِثْلِهَا بِالدَّرَاهِمِ. اهـ وَعَلَى مُخَالَفَةِ مَذْهَبِ اللَّيْثِ نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ " بِجُزْءٍ تُخْرِجُهْ " فَنَصَّ عَلَى مَنْعِهِ بِالْخُصُوصِ وَلَمْ يَكْتَفِ بِقَوْلِهِ: " وَلَا بِمَا تُنْبِتُهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَذْهَبَ الْأَنْدَلُسِيِّ جَوَازُ كِرَاءِ الْأَرْضِ بِجُزْءٍ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْهَا.

وَتُكْتَرَى الْأَرْضُ لِمُدَّةٍ تُحَدْ ... مِنْ سَنَةٍ وَالْعَشْرُ مُنْتَهَى الْأَمَدْ

يَعْنِي أَنَّهُ يَجُوزُ كِرَاءُ الْأَرْضِ لِمُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ أَقَلُّهَا مَا يَتَأَتَّى فِيهِ الِانْتِفَاعُ بِهَا كَالسَّنَةِ وَنَحْوِهَا، وَيَنْتَهِي الْأَمَدُ فِي ذَلِكَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ أَرْضَ الْبَعْلِ وَأَرْضَ السَّقْيِ.

(قَالَ الشَّارِحُ) : إلَّا أَنَّهُمْ أَجَازُوا فِي الْأَرْضِ الْبَعْلِ الِاكْتِرَاءَ لِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرٍ وَالنَّاظِمُ اقْتَصَرَ عَلَى الْعَشْرِ فَتَرَجَّحَ لِذَلِكَ احْتِمَالُ تَخْصِيصِ كَلَامِهِ بِأَرْضِ السَّقْيِ.

(قَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) : قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَيَجُوزُ اكْتِرَاءُ أَرْضِ الْمَطَرِ لِعَشْرِ سِنِينَ أَوْ أَكْثَرَ إذَا لَمْ يَنْقُدْ وَلَا شَرَطَ ذَلِكَ عَلَيْهِ الْمُكْتَرِي عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَإِذَا كَانَتْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ.

(وَقَالَ فِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ أَيْضًا) : رَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ أَنَّهُ قَالَ: مَا كَانَ مِنْ الْأَرْضِ يُسْقَى بِالْأَنْهَارِ، وَالْآبَارِ فَلَا بَأْسَ بِوَجِيبَةِ الْكِرَاءِ فِيهَا لِعَشْرِ سِنِينَ، وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ الطُّولُ فِيهَا لِمَا يُخْشَى مِنْ ذَهَابِ الْمَاءِ وَغَوْرِهِ وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَمَدِ أَقْرَبُ وَأَمَّا مَا يُسْقَى بِالْعُيُونِ فَلَا تَجُوزُ وَجِيبَةُ الْكِرَاءِ فِيهَا إلَّا الْأَعْوَامَ الْيَسِيرَةَ الثَّلَاثَةَ وَالْأَرْبَعَةَ.

(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) وَأَجَازَ ابْنُ الْقَاسِمِ كِرَاءَ أَرْضِ الْمَطَرِ لِعَشْرِ سِنِينَ اهـ.

وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ أَرْضَ الْبَعْلِ وَهِيَ أَرْضُ الْمَطَرِ يَجُوزُ كِرَاؤُهَا عَشْرًا وَأَكْثَرَ وَأَنَّ أَرْضَ السَّقْيِ عَلَى وَجْهَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا مِنْهَا مَا يَجُوزُ لِعَشْرٍ وَنَحْوِهَا وَيُكْرَهُ الطُّولُ وَهَذَا مُرَادُ النَّاظِمِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَمِنْهَا مَا يُكْرَى لِلْأَعْوَامِ الْيَسِيرَةِ كَالثَّلَاثَةِ، وَالْأَرْبَعَةِ وَنَقَلَ الْمَوَّاقُ عَنْ ابْنِ رُشْدٍ أَنَّ عَقْدَ الْكِرَاءِ جَائِزٌ فِي الْأَرَضِينَ كُلِّهَا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلِ السِّنِينَ الْكَثِيرَةِ، وَسَوَاءٌ عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ كَانَتْ مَأْمُونَةً أَوْ غَيْرَ مَأْمُونَةٍ اهـ.

وَظَاهِرُهُ مُخَالَفَةُ مَا تَقَدَّمَ.

(تَنْبِيهٌ) هَذَا كُلُّهُ بِاعْتِبَارِ مُدَّةِ كِرَائِهَا وَأَمَّا بِاعْتِبَارِ نَقْدِ الْكِرَاءِ فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ - إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ -: وَتَنْقَسِمُ فِي جَوَازِ النَّقْدِ فِيهَا عَلَى قِسْمَيْنِ فَمَا كَانَ مِنْهَا مَأْمُونًا كَأَرْضِ النِّيلِ، وَأَرْضِ الْمَطَرِ الْمَأْمُونَةِ، وَأَرْضِ السَّقْيِ بِالْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ الثَّابِتَةِ وَالْآبَارِ الْمُعَيَّنَةِ فَالنَّقْدُ فِيهَا لِلْأَعْوَامِ الْكَثِيرِ جَائِزٌ أَيْ قَبْلَ أَيِّ تَرَوٍّ قَالَ مَالِكٌ: وَمَا كَانَ مِنْهَا غَيْرَ مَأْمُونٍ فَلَا يَجُوزُ النَّقْدُ فِيهِ إلَّا بَعْدَ أَنْ تُرْوَى وَيَتَمَكَّنَ مِنْ الْحَرْثِ كَانَتْ مِنْ أَرْضِ النِّيلِ أَوْ مِنْ أَرْضِ الْمَطَرِ أَوْ السَّقْيِ بِالْعُيُونِ، وَالْآبَارِ اهـ.

وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرَّيِّ أَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ لِلْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ حَصَّلَ مِنْ الْمَاءِ مَا يَكْفِي لِحَرْثِهَا فِي الْوَقْتِ سَوَاءٌ كَانَتْ تَحْتَاجُ لِلْمَاءِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَا وَهَذَا التَّقْسِيمُ إنَّمَا هُوَ فِي جَوَازِ النَّقْدِ قَبْلَ الرَّيِّ وَمَنْعِهِ فَيَجُوزُ فِي الْمَأْمُونَةِ بِشَرْطٍ، وَغَيْرِهِ، وَيَمْتَنِعُ فِي غَيْرِ الْمَأْمُونَةِ بِشَرْطٍ وَيَجُوزُ تَطَوُّعًا وَأَمَّا بِالنِّسْبَةِ إلَى وُجُوبِهِ وَالْحُكْمِ بِهِ عَلَى الْمُكْتَرِي فَقَالَ ابْنُ رُشْدٍ أَيْضًا: وَتَنْقَسِمُ فِي وُجُوبِ النَّقْدِ عَلَى قِسْمَيْنِ: أَرْضِ النِّيلِ وَأَرْضِ السَّقْيِ وَالْمَطَرِ فَأَمَّا أَرْضُ النِّيلِ فَيَجِبُ النَّقْدُ فِيهَا إذَا رُوِيَتْ لِأَنَّهَا لَا تَحْتَاجُ إلَى السَّقْيِ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ فَبِالرَّيِّ يَكُونُ الْمُكْتَرِي قَابِضًا لِمَا اكْتَرَاهُ وَأَمَّا أَرْضُ السَّقْيِ، وَالْمَطَرِ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُكْتَرِي فِيهَا دَفْعُ الْكِرَاءِ حَتَّى يُتِمَّ الزَّرْعَ وَيَسْتَغْنِيَ عَنْ الْمَاءِ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ هَذَا أَنَّ كُلًّا مِنْ أَرْضِ النِّيلِ، وَأَرْضِ الْمَطَرِ وَأَرْضِ السَّقْيِ مِنْهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>