للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْمُغَارَسَةَ جَائِزَةٌ لِمَنْ فَعَلَهَا مِنْ مَالِكِ الْبُقْعَةِ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ مِنْ الْعَامِلِ وَهُوَ الْغَارِسُ فِيهَا وَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ كَالْإِطْعَامِ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُذْكَرُ بَعْدُ فَإِذَا أَطْعَمَتْ الْأَشْجَارُ وَكَانَ الْجُعْلُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ فَلَهُمَا أَنْ يَقْسِمَا الْبُقْعَةَ مِنْ الْأَرْضِ إنْ شَاءَا وَلَهُمَا الْبَقَاءُ عَلَى الشَّرِكَةِ مُشَاعَةً.

وَقَوْلُهُ بِجُزْءٍ عُلِمَا يَتَعَلَّقُ بِجَائِزٍ أَيْ تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ بِجُزْءٍ مِنْ الْأَرْضِ مَعْلُومٍ كَالرُّبْعِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَإِلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَشَارَ بِالْبَيْتَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الثَّالِثِ أَنَّ الْعَامِلَ أَيْ الْغَارِسَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ الْعِوَضِ مِنْ أَجْلِ عَمَلِهِ كَانَ الْعِوَضُ جُزْءًا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ نَقْدًا أَوْ عَرْضًا حَتَّى يَنْقَضِيَ الْأَجَلُ الَّذِي ضَرَبَاهُ فَمَا مِنْ قَوْلِهِ مِمَّا عَمِلَ مَصْدَرِيَّةٌ (قَالَ الْمُتَيْطِيّ) اعْلَمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَدْفَعَ أَرْضَهُ إلَى مَنْ يَغْرِسُهَا نَخْلًا أَوْ شَجَرًا يُسَمِّي أَصْنَافَهَا لَهُ فَإِذَا بَلَغَتْ النَّخْلَ كَذَا وَكَذَا سَنَةً أَرْبَعًا أَوْ خَمْسَةً أَوْ الشَّجَرَةَ قَدْرَ كَذَا وَارْتِفَاعُهَا وَانْبِسَاطُهَا مِمَّا لَا يُثْمِرُ النَّخْلُ وَلَا الشَّجَرُ قَبْلَ ذَلِكَ.

فَالْأَرْضُ وَالشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَوْ عَلَى مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ مِنْ الْأَجْزَاءِ وَإِنْ جَعَلَا ذَلِكَ إلَى الْأَثْمَارِ كَانَ حَسَنًا لِأَنَّهُ مَعْرُوفٌ وَإِنْ جَعَلَاهُ إلَى قَدْرٍ سَمَّيَاهُ يُثْمِرُ الشَّجَرُ قَبْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ شَيْءٌ مِنْ أَرْضٍ وَلَا شَجَرٍ حَتَّى يَبْلُغَ غَرْسُهُ إلَى مَا اشْتَرَطَاهُ مِمَّا ذَكَرْنَا جَوَازَهُ فَيَكُونُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْجُزْءِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ وَلَمْ تَزَلْ الْمُغَارَسَةُ مِنْ عَمَلِ النَّاسِ قَدِيمًا وَهِيَ مِنْ نَاحِيَةِ الْجُعْلِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَمَذْهَبُهُ اهـ.

(فَرْعٌ) قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ حَتَّى يَبْلُغَ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ فَإِنْ أَثْمَرَ الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَثْمَرَ أَكْثَرَهَا كَانَ الْغَيْرُ تَبَعًا وَاقْتَسَمَا الْجَمِيعَ وَإِنْ كَانَ الْأَقَلَّ فَإِنْ كَانَ إلَى نَاحِيَةٍ بِعَيْنِهَا كَانَتْ بَيْنَهُمَا وَسَقَطَ عَنْ الْعَامِلِ الْعَمَلُ فِيهَا وَيَعْمَلُ الْبَاقِي حَتَّى يُثْمِرَ وَإِنْ كَانَ مُخْتَلَطًا لَزِمَهُ الْعَمَلُ فِي الْجَمِيعِ حَتَّى يَتِمَّ مَطْمَعُهُ وَهَلْ يَكُونُ مَا أَثْمَرَ مِنْ ذَلِكَ بَيْنَهُمَا أَمْ لَا؟ فِي ذَلِكَ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ فِيمَا نَبَتَ حَتَّى يَكُونَ الْجُلُّ فَيَسْتَحِقُّ حَظَّهُ مِنْ الْجَمِيعِ وَالثَّانِي وَهُوَ قَوْلُ أَشْهَبَ أَنَّهُ إذَا مَاتَتْ النَّخْلُ كُلُّهَا إلَّا ثَلَاثَ نَخَلَاتٍ فَهِيَ بَيْنَهُمَا اهـ.

(فَرْعٌ) فَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ ثَمَرَةٌ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلَا يَكُونُ لِلْعَامِلِ فِيهَا حَقٌّ وَلَا يَسُوغُ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا مَعَ الْغَرْسِ لِلْعَامِلِ أُجْرَةُ سَقْيِهَا وَعِلَاجُهَا وَمَا نَبَتَ فِيهَا فِي أَثْنَاءِ الْمُغَارَسَةِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمَا بِهِ وَإِنْ كَانَ الْعَامِلُ لَمْ يَغْرِسْهَا فَإِنَّهَا تَكُونُ بَيْنَهُمَا مَعَ الْغَرْسِ.

(فَرْعٌ) وَإِنْ كَانَتْ الْمُغَارَسَةُ فِي أَنْوَاعٍ مِنْ الثَّمَرِ فَلَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَمَدُ إطْعَامِهَا وَاحِدًا، أَوْ مُتَقَارِبًا، فَإِنْ كَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ بَعْدُ فَالْمُغَارَسَةُ فَاسِدَةٌ وَلَا تَجُوزُ الْمُغَارَسَةُ إلَّا فِي الْأُصُولِ خَاصَّةً.

(فَرْعٌ) وَإِذَا بَلَغَ الْغَرْسُ الْحَدَّ الْمُشْتَرَطَ وَجَبَ لِلْعَامِلِ حَظُّهُ فَإِنْ بَقِيَ لَمْ يَقْتَسِمَاهُ وَاحْتَرَقَ الْغَرْسُ أَوْ طَرَأَتْ عَلَيْهِ آفَةٌ فَإِنَّ الْأَرْضَ تَكُونُ بَيْنَهُمَا إذْ قَدْ اسْتَحَقَّ الْعَامِلُ حَظَّهُ مِنْهَا بِتَمَامِ الْغَرْسِ قَالَ جَمِيعَ ذَلِكَ ابْنُ سَلْمُونٍ

وَشَرْطُ بُقْيَا غَيْرِ مَوْضِعِ الشَّجَرْ ... لِرَبِّ الْأَرْضِ سَائِغٌ إذَا صَدَرْ

وَشَرْطُ مَا يَثْقُلُ كَالْجِدَارِ ... مُمْتَنِعٌ وَالْعَكْسُ أَمْرٌ جَارِ

وَجَازَ أَنْ يُعْطَى بِكُلِّ شَجَرَهْ ... تَنْبُتُ مِنْهُ حِصَّةً مُقَدَّرَهْ

بُقْيَا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى بَقَاءٌ يَعْنِي أَنَّهُ يَسُوغُ أَنْ يَشْتَرِطَ رَبُّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يَبْقَى لِرَبِّ الْأَرْضِ مَا عَدَا مَوَاضِعَ الشَّجَرِ مِنْ الْأَرْضِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْبَيْتِ الثَّانِي أَنَّ اشْتِرَاط رَبِّ الْأَرْضِ عَلَى الْعَامِلِ مَا يُثْقِلُ عَمَلَهُ وَيَحْتَاجُ إلَى كَثِيرِ الْعَمَلِ لَا يَجُوزُ وَعَكْسُهُ وَهُوَ اشْتِرَاطُ مَا لَا يُثْقِلُ وَلَا كَبِيرُ عَمَلٍ فِيهِ جَائِزٌ (وَقَالَ الْمُتَيْطِيّ) وَإِنْ تَغَارَسَا عَلَى أَنْ يَكُونَ الشَّجَرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَلَهُمَا أُصُولُهُمَا مِنْ الْأَرْضِ وَبَقِيَّةُ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا جَازَ اهـ وَالشَّاهِدُ لِفِقْهِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ وَبَقِيَّةُ الْأَرْضِ لِرَبِّهَا جَازَ وَمِثْلُهُ فِي ابْنِ سَلْمُونٍ وَزَادَ وَإِنْ كَانَتْ عَلَى الشَّجَرِ خَاصَّةً دُونَ مَوَاضِعِهَا مِنْ الْأَرْضِ أَوْ عَلَى الْأَرْضِ دُونَ الشَّجَرِ لَمْ تَجُزْ فَإِنْ نَزَلَ كَانَ لِلْعَامِلِ أَجْرُ عَمَلِهِ اهـ.

(وَفِي الْمُتَيْطِيَّةِ) أَيْضًا وَكَذَلِكَ إنْ شَرَطَ عَلَيْهِ بُنْيَانَ جِدَارِ الْأَرْضِ مِمَّا تَكْثُرُ النَّفَقَةُ فِيهَا لَمْ تَجُزْ وَهُوَ غَرَرٌ لِأَنَّ الْغَرْسَ رُبَّمَا لَمْ يَتِمَّ وَيَهْلِكُ قَبْلَ بُلُوغِ الْحَدِّ الْمُشْتَرَطِ فِيهِ فَتَرْجِعُ الْأَرْضُ إلَى رَبِّهَا وَقَدْ انْتَفَعَ

<<  <  ج: ص:  >  >>