عَنْ صَاحِبِهِ مَا لَمْ يَبْذُرْ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَرِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنْهُ وَقِيلَ أَنَّهَا لَا تَلْزَمُ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالشَّرِكَةِ وَبِهِ جَرَتْ الْفُتْيَا بِالْأَنْدَلُسِ اهـ.
وَعَلَى لُزُومِهَا بِالْبَذْرِ ذَهَبَ الشَّيْخُ خَلِيلٌ حَيْثُ قَالَ لِكُلٍّ فَسْخُ الْمُزَارَعَةِ إنْ لَمْ يَبْذُرْ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَوَّلَ فَصْلِ الْجَعْلِ الْخِلَافُ فِي لُزُومِهَا بِالْعَقْدِ وَقَوْلُ الشَّيْخِ ابْنِ غَازِيٍّ
لَكِنْ فِي الْغِرَاسِ وَالْمُزَارَعَهْ ... وَالشَّرِكَاتِ بَيْنَهُمْ مُنَازَعَهْ
وَقَوْلُ النَّاظِمِ
وَقِيلَ بَلْ بِالْبَدْءِ لِلْعِمَارَةِ
يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْقَوْلَ الثَّانِي فِي نَقْلِهِ الْمُتَيْطِيّ وَهُوَ لُزُومُهَا بِالْبَذْرِ وَهُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ الْقَوْلَ الثَّالِثَ عِنْدَهُ وَهُوَ الْعَمَلُ وَكَأَنَّهُ أَعَمُّ مِنْ الْبَذْرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
وَالدَّرْسُ وَالنُّقْلَةُ مَهْمَا اُشْتُرِطَا ... مَعْ عَمَلٍ كَانَا عَلَى مَا شُرِطَا
يَعْنِي أَنَّ الْعَمَلَ الْمَذْكُورَ فِي الْمُزَارَعَةِ هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ وَأَمَّا الْحَصَادُ وَالنَّقْلَةُ وَالدَّرْسُ وَالتَّصْفِيَةُ فَلَا تَنْدَرِجُ فِي الْعَمَلِ عِنْدَ السُّكُوتِ عَنْهَا بَلْ إنْ اُشْتُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ كَانَتْ عَلَيْهِ وَإِلَّا كَانَتْ عَلَيْهِمَا عَلَى أَنَّ فِي اشْتِرَاطِ ذَلِكَ عَلَى الْعَامِلِ خِلَافًا أَجَازَهُ فِي رِوَايَةِ حُسَيْنِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَلَمْ يُجِزْهُ سَحْنُونٌ قَالَ لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي هَلْ يَتِمُّ وَلَا كَيْفَ يَكُونُ قَالَ وَالْعَمَلُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْمُزَارَعَةِ إنَّمَا هُوَ الْحَرْثُ فَقَطْ نَقَلَهُ الشَّارِحُ عَنْ الْمُتَيْطِيّ وَعَلَى الْجَوَازِ ذَهَبَ النَّاظِمُ وَقَوْلُهُ مَهْمَا اشْتَرَطَا يَعْنِي أَوْ كَانَ ذَلِكَ الْعُرْفَ بَيْنَ النَّاسِ. فَإِنَّهُ كَالشَّرْطِ وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ مَهْمَا اشْتَرِطَا أَنَّهُمَا إذَا لَمْ يَشْتَرِطَا كَانَ عَلَيْهِمَا مَعَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ
وَالشَّرْطُ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ مَعْمُورِ ... مِثْلِ الَّذِي أَلْفَى مِنْ الْمَحْظُورِ
وَلَيْسَ لِلشِّرْكَةِ مَعَهُ مِنْ بَقَا ... وَبَيْعُهُ مِنْهُ يَسُوغُ مُطْلَقَا
وَحَيْثُ لَا بَيْعَ وَعَامِلٌ زَرَعْ ... فَغُرْمُهُ الْقِيمَةَ فِيهِ مَا امْتَنَعْ
الْمُرَاد بِالْعِمَارَةِ قَلْبُ الْأَرْضِ وَحَرْثُهَا يَعْنِي إذَا قَلَّبَ رَبُّ الْأَرْضِ أَرْضَهُ ثُمَّ عَقَدَ الْمُزَارَعَةَ فِيهَا وَاشْتَرَطَ عَلَى الشَّرِيكِ أَنْ يُقَلِّبَ الْأَرْضَ عِنْدَ خُرُوجِهِ وَبِتَرْكِهَا مَقْلُوبَةً كَمَا وَجَدَهَا فَإِنَّ ذَلِكَ مَحْظُورٌ أَيْ مَمْنُوعٌ شَرْعًا وَتُفْسَخُ الشَّرِكَةُ بِسَبَبِهِ.
وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَشَطْرِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ الشَّرْطُ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مِنْ الْمَحْظُورِ بِالطَّاءِ الْمُشَالَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا} [الإسراء: ٢٠] وَمِثْلِ بِالْخَفْضِ صِفَةٌ لِمَعْمُورٍ وَضَمِيرُ مَعَهُ بِسُكُونِ الْعَيْنِ لِلشَّرْطِ وَكَنَّى عَنْ فَسْخِ الشَّرِكَةِ بِنَفْيِ بَقَائِهَا مَعَ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ وَبَيْعُهُ مِنْهُ يَسُوغُ مُطْلَقَا أَنَّهُ يَجُوزُ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يَبِيعَ الْمَعْمُورَ أَيْ الْعِمَارَةَ مِنْ الشَّرِيكِ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَجَّلٍ وَهُوَ مُرَادُهُ بِالْإِطْلَاقِ فَإِذَا لَمْ يَبِعْهُ مِنْهُ وَزَرَعَ الْعَامِلِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا مِنْ كَوْنِ الْأَرْضِ مَقْلُوبَةً فَلَا يَمْنَعُ أَنْ يُغَرَّمَ الْعَامِلُ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ فَمَا مِنْ قَوْلِهِ مَا امْتَنَعَ نَافِيَةٌ وَأَشَارَ بِهَذِهِ الْأَبْيَاتِ إلَى قَوْلِ ابْنِ سَلْمُونٍ فَإِنْ كَانَتْ فِي الْأَرْضِ عِمَارَةٌ لِصَاحِبِهَا فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ عَلَى الْعَامِلِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مِثْلِهَا فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ فُسِخَتْ الشَّرِكَةُ.
وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ بِثَمَنٍ مُعَجَّلٍ أَوْ مُؤَخَّرٍ فَإِنْ لَمْ يَبِعْهَا وَزَرَعَهَا الْعَامِلُ عَلَى أَنْ يُخْرِجَ عَنْ مِثْلِهَا حِينَ انْفِصَالِ الشَّرِكَةِ فَإِنَّهُ تُقَوَّمُ الْأَرْضُ بِتِلْكَ الْعِمَارَةِ وَعَمَلِ الْعَامِلِ