للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ فَاَلَّذِي سَبَقَ لِسُكْنَاهَا أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ (قَالَ فِي الْمُقَرَّبِ) قَالَ مَالِكٌ وَمَنْ حَبَّسَ عَلَى وَلَدِهِ دَارًا فَسَكَنَهَا بَعْضُهُمْ وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُهُمْ فِيهَا مَسْكَنًا فَقَالَ الَّذِي لَمْ يَجِدْ مَسْكَنًا أَعْطُونِي مِنْ الْكِرَاءِ بِحِسَابِ حَقِّي فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ وَلَا يَخْرُجُ أَيْضًا أَحَدٌ لِأَحَدٍ وَلَكِنْ إنْ غَابَ أَحَدٌ أَوْ مَاتَ سَكَنَ فِيهِ غَيْرُهُ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ مَعْنَى قَوْلِهِ غَابَ أَيْ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْمُقَامَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي غَابَ إلَيْهِ وَأَمَّا إنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يُسَافِرَ لِمَوْضِعٍ وَيَرْجِعَ فَهُوَ عَلَى حَقِّهِ اهـ

قَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَلَهُ أَنْ يُكْرِيَ مَنْزِلَهُ إلَى أَنْ يَرْجِعَ وَسَمِعَ عِيسَى مَنْ حَبَّسَ عَلَى قَوْمٍ وَهْم يَتَكَافَئُونَ فِي الْغِنَى وَالْفَقْرِ اجْتَهَدَ فِي ذَلِكَ لِيَسْكُن فِيهَا مَنْ رَأَى أَوْ يُكْرِيَهَا فَيُقَسِّمَ كِرَاءَهَا عَلَيْهِمْ وَمَنْ سَبَقَ وَسَكَنَ فَهُوَ أَوْلَى وَلَا يَخْرُجُ مِنْهَا ابْنُ رُشْدٍ مَعْنَاهُ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ كَتَحْبِيسِهِ عَلَى أَوْلَادِهِ أَوْ أَوْلَادِ فُلَانٍ. وَلَوْ كَانَ عَلَى مُعَيَّنِينَ مُسَمَّيْنَ لَمْ يَسْتَحِقَّ السُّكْنَى مَنْ سَبَقَ إلَيْهِ وَهُمْ فِيهِ بِالسَّوِيَّةِ حَاضِرُهُمْ وَغَائِبُهُمْ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مُحَمَّد وَغَنِيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ سَوَاءٌ اهـ.

(قَالَ الشَّارِحُ) أَقُولُ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ هُوَ الْإِسْهَامُ لِطَالِبِ الْكِرَاءِ بِحَقِّهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ اسْتِحْسَانٌ أَوْ لَعَلَّ الْعَمَلَ بِالْمَدِينَةِ جَرَى بِذَلِكَ اهـ.

وَمَفْهُومُ قَوْلِ النَّاظِمِ تَضِيقُ عَمَّنْ دُونَهُ أَيْ عَنْ غَيْرِهِ وَقَوْلُ مَالِكٍ وَلَمْ يَجِدْ بَعْضُهُمْ فِيهَا مَسْكَنًا أَنَّهَا إنْ لَمْ تَضِقْ فَلِغَيْرِ السَّاكِنِ مِنْ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْكُنُوا مَعَهُ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ وَهُوَ كَذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَنْ مُبْتَدَأٌ وَهِيَ مَوْصُولَةٌ صِلَتُهَا سَبَقْ وَلِسُكْنَى يَتَعَلَّقُ بِسَبَقْ وَجُمْلَةُ تَضِيقُ عَمَّنْ دُونَهُ صِفَةٌ لِدَارِ وَأَحَقُّ خَبَرٌ لِمُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَيْ فَهُوَ أَحَقُّ وَالْجُمْلَةُ خَبَرٌ مَنْ الْمَوْصُولَةِ وَبِهَا يَتَعَلَّقُ بِأَحَقْ وَلَوْ قَالَ فَهُوَ أَحَقْ لَمْ يَحْتَجْ لِتَقْدِيرِ مَحْذُوفٍ

وَمَنْ يَبِيعُ مَا عَلَيْهِ حُبِّسَا ... يُرَدُّ مُطْلَقًا وَمَعْ عِلْمٍ أَسَا

وَالْخُلْفُ فِي الْمُبْتَاعِ هَلْ يُعْطِي الْكِرَا ... وَاتَّفَقُوا مَعْ عِلْمِهِ قَبْلَ الشِّرَا

وَيَقْتَضِي الثَّمَنَ إنْ كَانَ تَلِفْ ... مِنْ فَائِدِ الْمَبِيعِ حَتَّى يَنْتَصِفْ

وَإِنْ يَمُتْ مِنْ قَبْلُ لَا شَيْءَ لَهُ ... وَلَيْسَ يَعْدُو حَبْسٌ مَحَلَّهُ

حَاصِلُ الْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعَةِ الْكَلَامُ عَلَى مَا إذَا بَاعَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ الْحَبْسَ وَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ثَلَاثُ مَسَائِلَ:

(الْأُولَى) أَنَّ الْبَيْعَ يُرَدُّ وَيُفْسَخُ مُطْلَقًا عَلِمَ الْبَائِعُ بِكَوْنِهِ حَبْسًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ كَانَ بَائِعُهُ مُحْتَاجًا أَوْ غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَّا إذَا جُعِلَ لَهُ ذَلِكَ فِي أَصْلِ التَّحْبِيسِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي وُجُوبِ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْمُحَبِّسِ إنْ كَانَ شَرْطُهُ جَائِزًا ثُمَّ إنْ كَانَ بَائِعُهُ غَيْرَ عَالِمٍ بِتَحْبِيسِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالتَّحْبِيسِ قَبْلَ أَنْ يَبِيعَهُ فَقَدْ أَسَاءَ فِي بَيْعِهِ وَمَنْ أَسَاءَ يَفْعَلُ مَا لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ فَإِنَّهُ يُزْجَرُ عَنْ ذَلِكَ بِمُنَاسِبِهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) إذَا اغْتَلَّ الْمُشْتَرِي هَذَا الْحَبْسَ ثُمَّ فُسِخَ الْبَيْعُ هَلْ يَرُدُّ غَلَّتَهُ مِنْ كِرَاءِ دَارٍ أَوْ حَانُوتٍ سَكَنَهَا أَوْ قِيمَةِ ثَمَرَةِ حَائِطٍ اسْتَغَلَّهَا أَوْ كِرَاءِ أَرْضٍ حَرَثَهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَوْ لَا يَرُدُّهَا وَالْحُكْمُ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ بِالتَّحْبِيسِ فَفِي رَدِّهِ لِلْغَلَّةِ خِلَافٌ وَإِنْ عَلِمَ بِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ يُرِيدُ أَوْ بَعْدَهُ وَتَمَادَى عَلَى اسْتِغْلَالِهِ فَالِاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّهُ يَرُدُّهَا وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي.

(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) إذَا فُسِخَ الْبَيْعُ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَ فَإِنْ كَانَ مَلِيًّا فَلَا إشْكَالَ وَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ يُمَكَّنُ مِنْ قَبْضِ غَلَّةِ ذَلِكَ الْحَبْسِ فِي مُقَابَلَةِ مَا دَفَعَ مِنْ الثَّمَنِ فَإِنْ طَالَتْ حَيَاةُ الْمُحَبَّسِ عَلَيْهِ الْبَائِعِ حَتَّى اقْتَضَى الْمُشْتَرِي جَمِيعَ مَا دَفَعَ فَإِنَّ الْغَلَّةَ تَرْجِعُ لِلْمُحْبَسِ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ الْمُحَبَّسُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَسْتَكْمِلَ الْمُشْتَرِي مَا دَفَعَ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ لِلْمُشْتَرِي لِأَنَّ الْحَبْسَ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُ بَائِعِهِ بَعْدَ مَوْتِ بَائِعِهِ فَلَا تُصْرَفُ غَلَّتُهُ لِغَيْرِ مُسْتَحَقِّهِ وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ بِقَوْلِهِ:

وَيَقْتَضِي الثَّمَنَ إنْ كَانَ تَلِفْ

الْبَيْتَيْنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>