للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مَالِكٌ) : فَكُلُّ صَدَقَةٍ فَلَا اعْتِبَارَ فِيهَا لِلْأَبَوَيْنِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالنِّحْلَةُ وَالْعُمْرَى فَلَهُمَا الِاعْتِصَارُ فِي ذَلِكَ (وَفِي نَوَازِلِ سَحْنُونٍ) هِبَتُهُ لِابْنِهِ لِلصِّلَةِ لَا يَجُوزُ اعْتِصَارُهَا وَكَذَا هِبَتُهُ لِضَعْفِهِ وَخَوْفِ الْخَصَاصَةِ عَلَيْهِ (وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ) كُلُّ هِبَةٍ لِوَلَدِهِ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِطَلَبِ الْأَجْرِ أَوْ لِصِلَةِ الرَّحِمِ لَا تُعْتَصَرُ. (ابْنُ عَرَفَةَ) الْمَذْهَبُ صِحَّةُ اعْتِصَارِ الْأَبِ مَا وَهَبَهُ لِابْنِهِ صَغِيرًا كَانَ الِابْنُ أَوْ كَبِيرًا، وَمَعْرُوفٌ فِي الْمَذْهَبِ أَنَّ الْأُمَّ مِثْلُهُ (وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ) لَا يَجُوزُ الِاعْتِصَارُ فِي قَوْلِ مَالِكٍ إلَّا لِلْوَالِدِ وَالْوَالِدَةِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ غَيْرِهِمَا (اللَّخْمِيُّ) وَإِنْ كَانَ لَهُ أَبٌ يَوْمَ الْعَطِيَّةِ فَلَمْ تَعْتَصِرْ حَتَّى مَاتَ الْأَبُ كَانَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الصَّدَقَةِ. وَفِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ لَا تَعْتَصِرُ وَالْأَوَّلُ أَحْسَنُ؛ لِأَنَّ الْمُرَاعَى وَقْتَ الْعَطِيَّةِ، هَلْ كَانَتْ هِبَةً أَوْ صَدَقَةً وَمِنْ الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ مَا وَهَبَتْ الْأُمُّ أَوْ نَحَلَتْ لِوَلَدِهَا الصِّغَارِ وَلَا أَبَ لَهُمْ فَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَ؛ لِأَنَّهُ يَتِيمٌ وَلَا يُعْتَصَرُ مِنْ يَتِيمٍ وَيُعَدُّ ذَلِكَ كَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِ ا. هـ.

وَانْظُرْ مَا وَهَبَتْهُ لِوَلَدِهَا الْكَبِيرِ الَّذِي لَا أَبَ لَهُ هَلْ لَهَا أَنْ تَعْتَصِرَهُ أَوْ لَا، ظَاهِرُ مَا نَقَلَ الشَّارِحُ عَنْ أُصُولِ الْفُتْيَا أَنَّهَا تَعْتَصِرُ وَلَفْظُهُ فِي أُصُولِ الْفُتْيَا، وَالْأُمُّ تَعْتَصِرُ مَا وَهَبَتْ لِوَلَدِهَا، كَانَ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إذَا كَانَ الْأَبُ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ تَعْتَصِرْ شَيْئًا مِنْ هِبَتِهَا لِلصِّغَارِ؛ لِأَنَّ الْهِبَةَ لِلْأَيْتَامِ إنَّمَا هِيَ عَلَى مَعْنَى الصَّدَقَةِ وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْتَصَرُ اهـ.

فَظَاهِرُ قَوْلِهِ: فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا لَمْ تَعْتَصِرْ شَيْئًا مِنْ هِبَتِهَا لِلصِّغَارِ إلَخْ أَنَّهَا تَعْتَصِرُ هِبَتَهَا لِلْكِبَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ صَرَّحَ الْحَطَّابُ بِذَلِكَ فَقَالَ فِي قَوْلِ الْمُخْتَصَرِ كَأُمٍّ فَقَطْ وَهَبَتْ ذَا أَبٍ، هَذَا إذَا كَانَ الْوَلَدُ صَغِيرًا، وَأَمَّا إنْ كَانَ كَبِيرًا فَتَعْتَصِرُ كَانَ لَهُ أَبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ اهـ.

وَأَمَّا قَوْلُ النَّاظِمِ:

وَحَيْثُ جَازَ الِاعْتِصَارُ يُذْكَرُ

فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَنْبَغِي لِلْمُوَثِّقِ أَنْ يَذْكُرَ فِي وَثِيقَةِ الْهِبَةِ وَنَحْوِهَا مِمَّا يُعْتَصَرُ أَنَّ الْوَاهِبَ سَلَّطَ عَلَيْهَا حُكْمَ الِاعْتِصَارِ؛ لِئَلَّا يُنَازَعَ الْوَاهِبُ إذَا اعْتَصَرَ؛ لِأَنَّ شَأْنَ الْمُوَثِّقِينَ حَسْمُ مَوَادِّ الْخِلَافِ، وَارْتِكَابُ الْوَجْهِ الَّذِي لَا نِزَاعَ فِيهِ؛ فَلِذَلِكَ يَكْتُبُونَ إذْنَ الْمَضْمُونِ لِلضَّامِنِ فِي الضَّمَانِ مَعَ أَنَّ الْمَشْهُورَ عَدَمُ اعْتِبَارِ إذْنِهِ وَمَعَ إذْنِهِ لَا خِلَافَ فِي اللُّزُومِ، وَكَذَلِكَ يَكْتُبُونَ فِي وَثَائِقِ بَيْعِ الْأُصُولِ وَنَزَلَ الْمُبْتَاعُ فِيمَا ابْتَاعَ، وَأَبْرَأَ الْبَائِعَ مِنْ دَرْكِ الْإِنْزَالِ؛ لِأَنَّهُ بِنُزُولِهِ فِيمَا ابْتَاعَ يَسْقُطُ الضَّمَانُ عَنْ الْبَائِعِ اتِّفَاقًا وَقَبْلَ نُزُولِهِ لَا يَسْقُطُ عَلَى قَوْلِ أَشْهَبَ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ: الْبَيْعُ الْعَقْدُ مَعَ الْقَبْضِ لَا الْعَقْدُ فَقَطْ، فَلَا يَنْتَقِلُ ضَمَانُ الْمَبِيعِ لِلْمُشْتَرِي عَلَى قَوْلِهِ إلَّا بِالْقَبْضِ فَعَمِلُوا عَلَى الْإِنْزَالِ لِلْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَافِ وَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الْإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ سَيِّدِي عَبْدُ الْوَاحِدِ الْوَنْشَرِيسِيُّ فِي نَظْمِ إيضَاحِ الْمَسَالِكِ: لِوَالِدِهِ سَيِّدِي أَحْمَدَ مَا نَصُّهُ:

وَلِلْخُرُوجِ مِنْ خِلَافِ أَشْهَبَا ... أَوْرَدَهُ الْمُوَثِّقُونَ الْكُتُبَا

وَنَظَائِرُ ذَلِكَ عِنْدَ الْمُوَثِّقِينَ كَثِيرَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَضُمِّنَ الْوِفَاقُ فِي الْحُضُورِ ... إنْ كَانَ الِاعْتِصَارُ مِنْ كَبِيرِ

وَكُلُّ مَا يَجْرِي بِلَفْظِ الصَّدَقَهْ ... فَالِاعْتِصَارُ أَبَدًا لَنْ يَلْحَقَهْ

يَعْنِي أَنَّ مَنْ اعْتَصَرَ مَا وَهَبَ لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ يَنُصُّ فِي وَثِيقَةِ الِاعْتِصَارِ عَلَى حُضُورِ الِابْنِ الْمَذْكُورِ وَمُوَافَقَتِهِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَقْطَعُ لِلنِّزَاعِ إذْ يَدَّعِي الصَّدَقَةَ أَوْ غَيْرَهَا مِمَّا يَمْنَعُ الِاعْتِصَارَ، فَحُضُورُهُ يَرْفَعُ ذَلِكَ وَهَذَا مِنْ مَعْنَى مَا قَبْلَهُ يَلِيه مِنْ ذِكْرِ الِاعْتِصَارِ وَمُوَافَقَةِ الْمَضْمُونِ عَنْهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ (قَالَ ابْنُ سَلْمُونٍ) فِي آخِرِ وَثِيقَةِ الِاعْتِصَارِ: مَا نَصُّهُ " وَإِنْ كَانَ الِابْنُ كَبِيرًا قُلْتُ: وَبِمَحْضَرِ الِابْنِ وَمُوَافَقَتِهِ عَلَى ذَلِكَ " اهـ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:

وَكُلُّ مَا يَجْرِي بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ

الْبَيْتَ فَأَشَارَ بِهِ لِقَوْلِ الْإِمَامِ مَالِكٍ: وَكُلُّ صَدَقَةٍ فَلَا اعْتِصَارَ فِيهَا لِلْأَبَوَيْنِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَالْعُمْرَى فَلَهُمَا الِاعْتِصَارُ فِي ذَلِكَ مِنْ الْمَوَّاق

<<  <  ج: ص:  >  >>