للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَمَّا قَدَّمَ الْكَلَامَ عَلَى اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ تَكَلَّمَ هُنَا عَنْ اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمُقَوَّمِ يَعْنِي أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مُقَوَّمًا فَاسْتُحِقَّ بَعْضُهُ فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا كَثُلْثٍ أَوْ رَبْعٍ مَثَلًا، فَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْبَيْتَيْنِ بَعْدَ هَذِهِ، وَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَثَوْبٍ بِعَيْنِهِ مِنْ أَثْوَابٍ، فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَأَفْضَلَ مَا فِيهَا، فَإِنَّهُ يَرُدُّ الْجَمِيعَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّمَسُّكُ بِالْبَاقِي بَعْدَ اسْتِحْقَاقِ وَجْهِ الصَّفْقَةِ؛ لِأَنَّ وَجْهَ الصَّفْقَةِ، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فِي الْحِسِّ، فَهُوَ كَثِيرٌ فِي الْمَعْنَى وَغَيْرُهُ قَلِيلٌ.

وَالْأَقَلُّ يَتْبَعُ الْأَكْثَرَ، فَيُفْسَخُ الْجَمِيعُ فَإِذَا تَمَسَّكَ بِالْأَقَلِّ فَكَأَنَّهُ ابْتَدَأَ شِرَاءَهُ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ غَيْرَ وَجْهِ الصَّفْقَةِ، فَيَرْجِعُ بِقِيمَةِ مَا اسْتَحَقَّ، يَتَمَسَّكُ بِالْبَاقِي؛ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ لَمْ تَنْفَسِخْ، كَمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْجُلِّ.

(قَالَ ابْنُ يُونُسَ) : قَالَ مَالِكٌ: وَمَنْ اشْتَرَى ثِيَابًا كَثِيرَةً أَوْ صَالَحَ بِهَا عَنْ دَعْوَاهُ، فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا أَوْ وُجِدَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ قَبْضِهَا أَوْ بَعْدَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ تَافِهًا رَجَعَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ فَقَطْ، وَإِنْ كَانَ وَجُهَ الصَّفْقَةَ، مِثْل أَنْ يَقَعَ لَهُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الثَّمَنِ انْتَقَصَ ذَلِكَ كُلُّهُ، وَيَرُدُّ مَا بَقِيَ، ثُمَّ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ بِحِصَّتِهِ مِنْ الثَّمَنِ، وَإِنْ رَضِيَ الْبَائِعُ إذْ لَا يُعْرَفُ، حَتَّى يُقَوَّمَ، وَقَدْ وَجَبَ الرَّدُّ فَصَارَ بَيْعًا مُؤَقَّتًا. اهـ.

فَقَوْلُهُ: بِاسْتِحْقَاقٍ يَتَعَلَّقُ بِيَرُدُّ، وَمَعْنَى الْإِطْلَاقِ أَنَّهُ اسْتَحَقَّ الْأَنْفَسَ، فَيُرَدُّ الْبَاقِي، وَلَوْ رَدِّ رَضِيَ الْمُتَبَايِعَانِ بِعَدَمِ الرَّدِّ، وَأَحْرَى فِي الْجَمِيعِ إذَا أَرَادَهُ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ، فَالْقَوْلُ لِمَنْ أَرَادَ الرَّدَّ، وَاسْمُ كَانَ يَعُودُ عَلَى اسْتِحْقَاقٍ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ: إنْ كَانَ فِي مُعَيَّنٍ مِنْ اسْتِحْقَاقِ الْجُزْءِ الشَّائِعِ وَيَأْتِي حُكْمُهُ قَرِيبًا وَمَا مِنْ قَوْلِهِ لِمَا فِيهِ جُهِلْ مَصْدَرِيَّةٌ أَيْ لِلْجُلِّ الْحَاصِلِ فِيهِ لِمَا يَنُوبُ الْبَاقِي مِنْ الثَّمَنِ وَاسْمُ يَكُنْ: ضَمِيرُ الْمُسْتَحَقِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِيرُ أَقَلِّهِ لِلْمَبِيعِ الْمُقَوَّمِ، وَفَاعِلُ يَرْجِعُ ضَمِيرُ الْمُشْتَرِي، وَضَمِيرُ حِصَّتِهِ لِلْمُسْتَحَقِّ أَيْضًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَإِنْ يَكُنْ عَلَى الشِّيَاعِ الْمُسْتَحَقّْ ... وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ فَالْقَسْمُ أَحَقْ

وَالْخُلْفُ فِي تَمَسُّكٍ بِمَا بَقِيَ ... بِقِسْطِهِ مِمَّا انْقِسَامُهُ اُتُّقِيَ

يَعْنِي أَنَّهُ، إذَا كَانَ الْمُسْتَحَقُّ جُزْءًا شَائِعًا كَالثُّلُثِ وَالرُّبْعِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بَعْضُهُ يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ بِلَا ضَرَرٍ، فَإِنَّهُ يُقَسَّمُ هَذَا حَاصِلُ مَا ذَكَرَ فِي الْبَيْتِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يُفِدْ الْحُكْمَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ، وَهُوَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ إنْ اُسْتُحِقَّ الْقَلِيلُ، فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ وَإِنْ اُسْتُحِقَّ الْكَثِيرُ خُيِّرَ فِي التَّمَاسُكِ بِمَا بَقِيَ، أَوْ رَدِّهِ قَالَ: الْحَطَّابُ فِي شَرْحِ قَوْلِ الشَّيْخِ خَلِيلٍ: أَوْ اسْتَحَقَّ الْيَسِيرَ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا يَنْقَسِمُ فَلَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ مَا اُسْتُحِقَّ اهـ يَعْنِي، وَإِنْ اسْتَحَقَّ الْجُزْءَ الْكَثِيرَ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي بَيْنَ التَّمَاسُكِ بِمَا بَقِيَ أَوْ رَدِّهِ.

وَنَقَلَ الشَّارِحُ عَلَى فِقْهِ هَذَا الْبَيْتِ قَوْلَ الْمُقَرَّبِ إنْ أَرَادَ أَنْ يَحْبِسَ مَا سُلِّمَ فِي يَدَيْهِ، وَيَرْجِعَ بِثَمَنِ مَا اُسْتُحِقَّ، فَإِنْ كَانَ مَا اشْتَرَى مِمَّا يُكَالُ أَوْ يُوزَنُ، فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يُبَاعُ عَلَى الْعَدَدِ، وَكَانَ الِاسْتِحْقَاقُ عَلَى الْأَجْزَاءِ، نِصْفَ مَا اشْتَرَى أَوْ ثُلُثَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَذَلِكَ لَهُ أَيْضًا؛ لِأَنَّ مَا رَضِيَ بِهِ يَصِيرُ لَهُ بِثَمَنٍ مَعْرُوفٍ اهـ.

وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ مُخَيَّرٌ فِي رَدِّ الْبَاقِي بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْبَاقِي قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مَعَ أَنَّهُ فَرَضَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْمِثْلِيِّ، فَتَأَمَّلْهُ مَعَ نَقْلِ الْحَطَّابِ الْمُتَقَدِّمِ، وَمَعَ مَا قَدَّمَ النَّاظِمُ فِي الْمِثْلِيِّ فَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فَقَوْلُهُ

وَالْخَلَفُ فِي تَمَسُّكٍ بِمَا بَقِيَ

الْبَيْتَ يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ فِيمَا إذَا اُسْتُحِقَّ جُزْءٌ شَائِعٌ مِمَّا لَا يَقْبَلُ الْقِسْمَةَ هَلْ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَتَمَاسَكَ بِمَا بَقِيَ أَوْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ؟ وَيَتَعَيَّنُ الرَّدُّ لِلْبَاقِي هَذَا ظَاهِرُ لَفْظِ الْبَيْتِ وَنَقَلَ عَلَيْهِ الشَّارِحُ مَا هُوَ صَرِيحٌ فِي الطَّرَفِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ فِي التَّمَسُّكِ بِالْبَاقِي أَوْ رَدِّهِ دُونَ تَحَتُّمِ الرَّدِّ فَلَمْ يُنْقَلْ عَلَيْهِ نَصًّا وَلَفْظُهُ، وَفِي الْمُقَرَّبِ، وَسُئِلَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَمَّنْ اشْتَرَى شَيْئًا مِمَّا لَا يَنْقَسِمُ، مِثْلُ الشَّجَرَةِ أَوْ الثَّوْبِ، فَاسْتَحَقَّ بَعْضَ ذَلِكَ فَقَالَ: لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرُدَّ ذَلِكَ إنْ شَاءَ، كَانَ الِاسْتِحْقَاقُ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا، وَهَذَا مِثْلُ الرَّقِيقِ وَالْحَيَوَانِ اهـ.

وَتَقَدَّمَ نَحْوُ هَذَا عَنْ ابْنِ يُونُسَ فِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضِ الْمِثْلِيِّ، وَفِي الْحَطَّابِ فِي الْمَحَلِّ الْمَذْكُورِ إثْرَ مَا تَقَدَّمَ عَنْهُ مَا نَصُّهُ بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْيَسِيرِ مِنْ الْأَجْزَاءِ فِيمَا لَا يَنْقَسِمُ هَذَا يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي رَدُّ الْجَمِيعِ لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ وَالْيَسِيرُ النِّصْفُ فَأَقَلُّ. اهـ.

وَقَالَ فِي شَرْحِ قَوْلِهِ فِي بَابِ الْقِسْمَةِ، وَإِنْ اُسْتُحِقَّ بَعْضٌ فَكَالْعَيْبِ، مَا نَصُّهُ: وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ حُكْمِ اسْتِحْقَاقِ الْبَعْضِ عَلَى سَبِيلِ الِاخْتِصَارِ، فَنَقُولُ: إذَا اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْمَبِيعِ فَلَا يَخْلُو

<<  <  ج: ص:  >  >>