للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِي ذَلِكَ، فَلَا سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ، وَمَا عَقَدَهُ فِيهِ لَازِمٌ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْعِتْقِ عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّ لَهُ الرُّجُوعَ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ حَتَّى لَا رُجُوعَ لَهُ فِيهِ، وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ، فَلَهُ الرُّجُوعُ فِيهَا مَا نَقَلَهُ السَّبْتَانِيُّ فِي شَرْحِ التِّلْمِسَانِيَّة وَنَصُّهُ: قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي وَصَايَا الْمُقَدِّمَاتِ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ وَغَيْرِهِ عِدَةٌ وَلِلْمُوصِي أَنْ يَرْجِعَ عَنْهَا إنْ شَاءَ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ، وَقَالَ فِي الْمُدَبَّرِ: مِنْهَا الْفَرْقُ بَيْنَ التَّدْبِيرِ وَالْوَصِيَّةِ أَنَّ التَّدْبِيرَ عِتْقٌ أَوَجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِعَبْدِهِ إلَى أَجَلٍ آتٍ لَا مَحَالَةَ، فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ الرُّجُوعُ بِقَوْلٍ وَلَا بِفِعْلٍ كَالْعِتْقِ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَقَعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَاحْتِمَالُ الثُّلُثِ لَهُ بِعَقْدِ السَّيِّدِ الْعِتْقُ لَهُ، كَمَا يَقَعُ عَلَى الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ لَمْ يَعْقِدْ السَّيِّدُ لَهُ عَقْدَ عِتْقٍ فِي حَيَاتِهِ، وَإِنَّمَا أَمَرَ أَنْ يُعْتَقَ عَنْهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ، فَالْعِتْقُ إنَّمَا يَقَعُ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ الْمُوصَى إلَيْهِ، فَهُوَ كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا أَنْ يَبِيعَ عَبْدَهُ فُلَانًا أَوْ يَهَبُهُ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ بِمَا شَاءَ مِنْ فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ مَا لَمْ يَعْقِدْ الْوَكِيلُ مَا أَمَرَ بِهِ. اهـ.

وَقَوْلُهُ: وَالْعِتْقُ بِالْمَالِ هُوَ الْمُكَاتَبَةُ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي الْوَجْهِ الثَّالِثِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَمَالَهُ بِالْجَبْرِ مِنْ مُطَالَبَهْ، فَأَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى الْكِتَابَةِ، وَلَا لِلْعَبْدِ أَنْ يُجْبِرَ سَيِّدَهُ عَلَيْهَا، وَإِنَّمَا تَصِحُّ بِرِضَاهُمَا مَعًا فَمَا نَافِيَةٌ، وَضَمِيرُ لَهُ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِتَقَدُّمِ ذِكْرِهِمَا بِاللُّزُومِ، وَإِذًا الْعِتْقُ يَسْتَلْزِمُ مُعْتَقًا وَمُعْتِقًا، وَمِنْ: زَائِدَةٌ بَعْدَ النَّفْيِ لَا تَتَعَلَّقُ بِشَيْءٍ وَمُطَالَبَهْ: مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ لَهُ وَبِالْجَبْرِ يَتَعَلَّقُ بِمُطَالَبَهْ أَيْ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ السَّيِّدِ وَالْعَبْدِ مُطَالَبَةُ الْآخَرِ بِالْجَبْرِ عَلَى الْكِتَابَةِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) ، وَهِيَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَى السَّيِّدِ، فَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ أَيْضًا عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ.

وَبَعَّدَ كَوْنَهَا غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَى السَّيِّدِ فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَقِيلَ: مُبَاحَةٌ حَكَاهُ ابْنُ الْجَلَّابِ عَنْ مَالِكٍ، وَنَبَّهَ بِقَوْلِهِ: غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَى قَوْلِ الظَّاهِرِيَّةِ بِإِيجَابِهَا لِلْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: ٣٣] وَقَوْلُهُ: وَلَا يُجْبَرُ الْعَبْدُ عَلَيْهَا عَلَى الْأَصَحِّ هُوَ الْمَشْهُورُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ وَعَبْدِ الْمَلِكِ، وَمُقَابِلُهُ مَرْوِيٌّ عَنْ مَالِكٍ وَأَصْبَغَ انْتَهَى بِاخْتِصَارٍ وَتَقْدِيمٍ وَتَأْخِيرٍ.

وَمُعْتِقٌ لِلْجُزْءِ مِنْ عَبْدٍ لَهُ ... مُطَالَبٌ بِالْحُكْمِ أَنْ يُكَمِّلَهُ

وَحَظُّ مَنْ شَارَكَهُ يُقَوَّمُ ... عَلَيْهِ فِي الْيُسْرِ وَعِتْقًا يَلْزَمُ

اشْتَمَلَ الْبَيْتُ الْأَوَّلُ: عَلَى مَنْ لَهُ عَبْدٌ يَمْلِكُ جَمِيعَهُ فَأَعْتَقَ جُزْءًا مِنْهُ كَثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ، وَكَذَا إنْ أَعْتَقَ عُضْوًا مِنْهُ كَيَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ، فَإِنَّ الْعِتْقَ يَسْرِي لِبَاقِيهِ، وَيُعْتَقُ عَلَيْهِ جَمِيعُهُ، فَالْجُزْءُ فِي كَلَامِ النَّاظِمِ ظَاهِرٌ فِي الْجُزْءِ الْمُشَاعِ كَالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ، وَلَا يَبْعُدُ شُمُولُهُ لِجُزْءٍ مُعَيَّنٍ كَيَدٍ أَوْ رِجْلٍ، وَهَلْ تَتَوَقَّفُ السِّرَايَةُ عَلَى حُكْمِ الْحَاكِمِ؟ وَهُوَ صَرِيحُ كَلَامِ النَّاظِمِ أَوْ لَا تَتَوَقَّفُ، وَيَكُونُ جَمِيعُهُ حُرًّا بِنَفْسِ عِتْقِ الْجُزْءِ قَوْلَانِ (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَمَنْ أَعْتَقَ جُزْءًا أَوْ عُضْوًا مِنْ عَبْدِهِ سَرَى وَفِي وُقُوفِ الْعِتْقِ عَلَى الْحُكْمِ رِوَايَتَانِ (التَّوْضِيحُ) ، قَوْلُهُ: سَرَى عِتْقٌ عَلَيْهِ جَمِيعِهِ، وَالرِّوَايَةُ بِوُقُوفِ السِّرَايَةِ عَلَى الْحُكْمِ.

قَالَ: اللَّخْمِيُّ هُوَ الْمَعْرُوفُ عَنْ الْمَذْهَبِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ، وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى نَقَلَهَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، ثُمَّ بَحَثَ فِي التَّوْضِيحِ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُ عَلَى الْقَوْلِ بِتَوَقُّفِ السِّرَايَةِ عَلَى الْحُكْمِ لَا سِرَايَةَ، وَأَجَابَ بِأَنَّ السِّرَايَةَ حَاصِلَةٌ عَلَى قَوْلٍ، وَهُوَ عَدَمُ افْتِقَارِهَا لِلْحُكْمِ اُنْظُرْهُ إنْ شِئْت، وَاشْتَمَلَ الْبَيْتُ الثَّانِي عَلَى مَسْأَلَةِ مَنْ يَمْلِكُ جُزْءًا مِنْ عَبْدٍ كَنِصْفٍ أَوْ نَحْوِهِمَا، فَأَعْتَقَ جُزْأَهُ الَّذِي يَمْلِكُ، فَإِنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>