للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابْنِ سَهْلٍ: وَكَانَ أَبُو بَكْرِ بْنُ زَرْبٍ يَرَى الْيَمِينَ فِي هَذَا عَلَى التُّجَّارِ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَحْوَالِهِمْ حُضُورُ النَّاضِّ عِنْدَهُمْ وَكَانَ لَا يَرَى الْيَمِينَ عَلَى غَيْرِ التُّجَّارِ وَهُوَ تَنْوِيعٌ حَسَنٌ. اهـ.

وَحَمْلُ النَّاسِ عَلَى حَالِ الْمَلَا ... عَلَى الْأَصَحِّ وَبِهِ الْحُكْمُ خَلَا

يَعْنِي أَنَّهُ اُخْتُلِفَ هَلْ يُحْمَلُ النَّاسُ عَلَى الْمَلَاءِ حَتَّى يَثْبُتَ الْعُدْمُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَمَنْ ادَّعَى الْعُدْمَ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ أَوْ يُحْمَلُونَ عَلَى الْعُدْمِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ الْمَلَاءُ.

وَمَنْ ادَّعَى الْمَلَاءَ فَعَلَيْهِ إثْبَاتُهُ وَهَذَا مُقَابِلُ الْأَصَحِّ وَالْحُكْمُ خَلَا أَيْ مَضَى بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ حَمْلُ النَّاسِ عَلَى الْمَلَاءِ، وَهُوَ مِمَّا اُعْتُبِرَ فِيهِ الْغَالِبُ وَطَرْحُ الْأَصْلِ عِنْدَ تَعَارُضِ الْأَصْلِ وَالْغَالِبِ فَإِنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْإِنْسَانَ وُلِدَ فَقِيرًا لَا يَمْلِكُ شَيْئًا، وَالْغَالِبُ مِنْ الْإِنْسَانِ التَّكَسُّبُ لِحَمْلٍ عَلَى الْغَالِبِ فِي هَذَا الْقَوْلِ.

وَيَشْهَدُ النَّاسُ بِضَعْفٍ أَوْ عَدَمْ ... وَلَا غِنَى فِي الْحَالَتَيْنِ مِنْ قَسَمْ

بِمَا اقْتَضَاهُ الرَّسْمُ لَا الْيَقِينِ ... إذْ لَا يَصِحُّ بَتُّ ذِي الْيَمِينِ

وَمَنْ نُكُولُهُ عَنْ الْحَلْفِ بَدَا ... فَإِنَّهُ يُسْجَنُ بَعْدُ أَبَدَا

يَعْنِي: أَنَّ الْمَدِينَ قَدْ يُشْهَدُ فِيهِ بِكَوْنِهِ عَدِيمًا أَيْ لَا يُعْلَمَ لَهُ مَالٌ لَا ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجِبُ إنْظَارُهُ، وَقَدْ يُشْهَدُ فِيهِ بِكَوْنِهِ ضَعِيفَ التَّجَرُّدِ قَلِيلَ ذَاتِ الْيَدِ بِهَذِهِ الْحَالَةِ عَرَفُوهُ، وَالشَّهَادَةُ فِي الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَا يَعْلَمُهُ الشُّهُودُ لَا عَلَى الْبَتِّ وَإِذَا كَانَتْ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا بُدَّ مَعَهَا مِنْ يَمِينِ الْمَشْهُودِ فِيهِ لِلْقَاعِدَةِ الْمُتَقَرِّرَةِ أَنَّ كُلَّ مَنْ شُهِدَ لَهُ بِظَاهِرِ الْحَالِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْيَمِينِ وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ وَإِذَا حَلَفَ فَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى مَا اقْتَضَاهُ رَسْمُ الشَّهَادَةِ مِنْ الْعِلْمِ لَا عَلَى الْبَتِّ وَالْجَزْمِ إذْ قَدْ يَكُونُ مَلَكَ مَالًا بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ وَلَا عِلْمَ لَهُ بِهِ فَلَا يَصِحُّ حَلِفُهُ عَلَى الْبَتِّ لِأَجْلِ هَذَا الِاحْتِمَالِ فَيَحْلِفُ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ: لَا يَعْلَمُ لِنَفْسِهِ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا خَفِيًّا، وَلَا يَقُولُ: لَا مَالَ لِي وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّانِي وَإِذَا نَكَلَ عَنْ هَذِهِ الْيَمِينِ وَامْتَنَعَ مِنْهَا فَإِنَّهُ يُسْجَنُ وَلَا يُطْلَقُ أَبَدًا وَإِلَى هَذَا أَشَارَ بِالْبَيْتِ الثَّالِثِ وَالْمُرَادُ بِالْحَالَتَيْنِ حَالَةُ الْعُدْمِ وَحَالَةُ الضَّعْفِ، وَقَوْلُهُ: بِمَا اقْتَضَاهُ يَتَعَلَّقُ بِقَسَمٍ، وَبَاؤُهُ بِمَعْنَى عَلَى، وَالْيَقِينِ بِالْخَفْضِ عَطْفٌ عَلَى مَا، وَالْيَمِينِ آخِرَ الْبَيْتِ الثَّانِي نَعْتٌ لِذِي، وَحَالَةُ الضَّعْفِ وَحَالَةُ الْعُدْمِ مُتَغَايِرَتَانِ يَنْبَنِي عَلَى كُلِّ وَاحِدِ مِنْهُمَا خِلَافَ مَا يَنُبْنِي عَلَى الْأُخْرَى فَيَنْبَنِي عَلَى حَالَةِ الْعُدْمِ تَسْرِيحُهُ وَوُجُوبُ إنْظَارِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيَنْبَنِي عَلَى حَالَةِ الضَّعْفِ أَنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْقَلِيلُ الَّذِي بِيَدِهِ بَعْدَ أَنْ يُتْرَكَ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَمَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ لِظَنِّ يُسْرِهِ وَيَقْضِي مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى قَدْرِ وُسْعِهِ وَوُجْدِهِ.

كَمَا صَرَّحَ بِهِ النَّاظِمُ بَعْدُ فِي قَوْلِهِ:

وَمُثْبِتٌ لِلضَّعْفِ حَالَ دَفْعِهِ ... لِغُرَمَائِهِ بِقَدْرِ وُسْعِهِ

(قَالَ فِي طُرَرِ ابْنِ عَاتٍ) فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ ضَعِيفُ التَّجْرِ مُقِلٌّ قَلِيلُ ذَاتِ الْيَدِ أُخِذَ مِنْهُ ذَلِكَ الْقَلِيلُ وَدُفِعَ لِغُرَمَائِهِ وَتُرِكَ لَهُ مَا يَعِيشُ بِهِ هُوَ وَمَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ وَاسْتُحْلِفَ (وَفِيهَا أَيْضًا) ابْنُ رُشْدٍ صِفَةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْعُدْمِ أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ: إنَّهُ يَعْرِفُهُ فَقِيرًا عَدِيمًا لَا يَعْلَمُ لَهُ مَالًا ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا، وَاخْتُلِفَ إنْ شَهِدُوا أَنَّهُ فَقِيرٌ عَدِيمٌ لَا مَالَ لَهُ ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا فَقِيلَ: إنَّ شَهَادَتَهُ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى ظَاهِرِهَا مِنْ الْبَتَاتِ وَقِيلَ: إنَّهَا جَائِزَةٌ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ عَلَى وَجْهِ الْعِلْمِ (وَفِي الطُّرَرِ أَيْضًا) قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْبَتِّ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ لَهُ مَالٌ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ مِنْ إرْثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ شِبْهِ ذَلِكَ فَيَحْنَثُ إنْ بَتَّ أَوْ قَطَعَ مِنْ الِاسْتِغْنَاءِ (وَفِي الْوَثَائِقِ الْمَجْمُوعَةِ) إنْ لَمْ يَثْبُتْ لِلْمَطْلُوبِ مَالٌ اُسْتُحْلِفَ فِي مَقْطَعِ الْحَقِّ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ مَا لَهُ مَالٌ ظَاهِرٌ وَلَا بَاطِنٌ قَرْضٌ وَلَا عَرَضٌ وَلَئِنْ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا لَيُؤَدِّيَنَّ فَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ أَبَدًا. اهـ.

وَعَنْ حَلِفِهِ هَكَذَا عَلَى الْبَتِّ تَحَرَّزَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ: بِمَا اقْتَضَاهُ الرَّسْمُ الْبَيْتَ. (وَفِي الطُّرَرِ أَيْضًا) إنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحَكَى ابْنُ مُغِيثٍ أَنَّهُ يُسْجَنُ أَبَدًا؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ تُهْمَةٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>