للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِيمَنْ أَحْدَثَ فُرْنًا عَلَى فُرْنٍ أَوْ حَمَّامًا عَلَى حَمَّامٍ أَوْ رَحًى عَلَى رَحًى قَدِيمَةٍ وَلَا يَضُرُّ الْمُحْدِثُ مِنْ ذَلِكَ بِالْقَدِيمِ فِي شَيْءٍ مِنْ وُجُوهِ الضَّرَرِ إلَّا فِي نُقْصَانِ الْغَلَّةِ أَوْ قِلَّةِ الْعِمَارَةِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ مُحْدِثُ ذَلِكَ مِنْ إحْدَاثِهِ وَلَيْسَ لِصَاحِبِ الْقَدِيمِ اعْتِرَاضُهُ فِي ذَلِكَ.

(فَرْعٌ) سُئِلَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ سِرَاجٍ عَمَّنْ أَرَادَ إحْدَاثَ بُرْجٍ وَاِتِّخَاذَ حَمَّامٍ فَأَجَابَ اتِّخَاذُ الْحَمَّامِ فِي الْأَبْرَاجِ جَائِزٌ مَضَى عَلَيْهِ الْعَمَلُ (قَالَ اللَّخْمِيُّ) قَالَ مَالِكٌ: مِنْ أَمْرِ النَّاسِ اتِّخَاذُ الْأَبْرَاجِ لَكِنَّ هَذَا إذَا لَمْ يَضُرَّ بِغَيْرِهِ، مِثْلُ أَنْ يُجَاوِرَهُ فَدَّانٌ لِأَحَدٍ فَيَضُرَّ بِهِ أَوْ يُحْدِثَ الْبُرْجَ بِقُرْبِ بُرْجٍ آخَرَ فَأَخَذَ لَهُ الْحَمَّامَ فَيُمْنَعُ مِنْ إحْدَاثِهِ قَالَهُ ابْنُ سِرَاجٍ (فَائِدَةٌ) قَالَ فِي أَوَّلِ نَوَازِلِ الضَّرَرِ مِنْ الْمِعْيَارِ فِي سِيَاقِ أَسْئِلَةٍ سُئِلَ عَنْهَا الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ وَسُئِلَ عَمَّنْ عَمِلَ فِي دَارِهِ رَحًى فَاشْتَكَى جَارُهُ الضَّرَرَ مِمَّا لَحِقَ حِيطَانَ دَارِهِ مِنْ هَذِهِ الرَّحَى بِمَ يُعْلَمُ هَزُّ هَذِهِ الرَّحَى وَهَلْ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي الْحَائِطِ فَأَجَابَ قَالَ يُؤْخَذُ طَبَقٌ مِنْ كَاغَدٍ وَتُرْبَطُ أَرْكَانُهُ بِأَرْبَعَةِ خُيُوطٍ فِي كُلِّ رُكْنٍ خَيْطٌ وَتُجْمَعُ أَطْرَافُ الْخُيُوطِ وَتُعَلَّقُ فِي السَّقْفِ الَّذِي عَلَى الْحَائِطِ الْفَاصِلِ بَيْنَ الدَّارِ وَبَيْنَ الرَّحَى مِنْ جِهَةِ الدَّارِ وَيُعْمَلُ عَلَى الْكَاغَدِ حَبَّاتٍ مِنْ كُزْبَرٍ يَابِسٍ، وَيُقَال لِصَاحِبِ الرَّحَى هُزَّ رَحَاكَ فَإِنْ اهْتَزَّ الْكُزْبَرُ عَلَى الْكَاغَدِ قِيلَ لِصَاحِبِ الرَّحَى اقْلَعْ رَحَاكَ لِأَنَّهَا تَضُرُّ بِالْجَارِ، وَإِنْ لَمْ يَهْتَزَّ الْكُزْبَرُ قِيلَ لِصَاحِبِ الدَّارِ اُتْرُكْ صَاحِبَ الرَّحَى يَخْدُمُ لِأَنَّهَا لَا تَضُرُّ بِك فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْحَائِطِ سَقْفٌ وَإِنَّمَا هُوَ سِتْرُهُ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ الْكُزْبَرَ عَلَى الْحَائِطِ وَتُخْتَبَرُ بِمَا ذُكِرَ. اهـ بِبَعْضِ اخْتِصَارٍ.

ثُمَّ نَقَلَ عَنْ ابْنِ الرَّامِي قَالَ الَّذِي عِنْدِي فِي الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَعْمَلَ فِي دَارِهِ الرَّحَى إنَّهُ يَبْعُدُ عَنْ حَائِطِ الْجَارِ بِثَمَانِيَةِ أَشْبَارٍ مِنْ حَدِّ دَوَرَانِ الْبَهِيمَةِ إلَى حَائِطِ الْجَارِ وَيُشْغَلُ ذَلِكَ بِالْبُنْيَانِ بَيْنَ دَوَرَانِ الْبَهِيمَةِ وَحَائِطِ الْجَارِ إمَّا بِبَيْتٍ أَوْ مَخْزَنٍ أَوْ بِمُحَازٍ لَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ حَائِلٍ؛ لِأَنَّ الْبِنَاءَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَضَرَّةِ وَحَائِطِ الْجَارِ وَذُكِرَ أَيْضًا فِيمَنْ أَحْدَثَ خَلْفَ بَيْتِ جَارِهِ رِوَاءً لِدَابَّةٍ فَاشْتَكَى صَاحِبُ الْبَيْتِ ضَرَرَ الدَّابَّةِ.

فَأَجَابَ ابْنُ عَبْدِ الرَّفِيعِ الْمَذْكُورُ بِوُجُوبِ زَوَالِهِ وَإِخْرَاجِ الدَّابَّةِ مِنْهُ فَصَاحَ صَاحِبُ الدَّابَّةِ وَقَالَ لَيْسَ لِي غِنًى عَنْ الدَّابَّةِ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا مَعَاشِي فَاسْتَفْهِمْ لِي أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ بِمَ يَنْدَفِعُ الضَّرَرُ عَنْ جَارِي فَسُئِلَ عُرَفَاءُ الْبُنْيَانِ عَنْ أَمْرِهِ فَقَالُوا يَحْفِرُ أَسَاسًا وَيَنْزِلُ فِيهِ قَدْرَ الْقَامَةِ خَلْفَ الْحَائِطِ الَّذِي هُوَ صَدْرُ الْبَيْتِ وَيَرْفَعُ فِي حَقِّهِ حَائِطًا مِنْ تَحْتِ وَجْهِ الْأَرْضِ بِخَمْسَةِ أَشْبَارٍ إلَى مُنْتَهَى السَّقْفِ فَعَرَّفُوا الْقَاضِي بِمَا أَمَرُوا بِهِ صَاحِبَ الدَّابَّةِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ انْقَطَعَ الضَّرَرُ عَنْ صَاحِبِ الْبَيْتِ بِذَلِكَ. فَقَالَ الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُشْهَدُ عَلَى صَاحِبِ الدَّابَّةِ بِذَلِكَ لِئَلَّا يَطُولَ الزَّمَانُ وَيَنْزِعَ ذَلِكَ الْحَائِطَ وَيَسْتَحِقَّ الْمَرْبِطَ بِالْقِدَمِ اهـ وَلَسْتُ فِي عُهْدَةِ تَصْحِيفٍ إنْ وُجِدَ فِيهِ إذْ لَمْ أَجِدْ فِي الْوَقْتِ غَيْرَهُ

وَهُوَ عَلَى الْحُدُوثِ حَتَّى يَثْبُتَا ... خِلَافُهُ بِذَا الْقَضَاءُ ثَبَتَا

يَعْنِي: أَنَّهُ إذَا وَقَعَ النِّزَاعُ فِي الضَّرَرِ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ فَيَبْقَى وَلَا يُزَالُ أَوْ حَادِثٌ فَيُزَالُ فَإِنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْحُدُوثِ حَتَّى يَثْبُتَ قِدَمُهُ وَإِثْبَاتُ ذَلِكَ عَلَى مُدَّعِي قِدَمِهِ قَالَ (ابْنُ سَلْمُونٍ) وَاخْتُلِفَ فِي الضَّرَرِ إنْ أَشْكَلَ هَلْ هُوَ قَدِيمٌ أَوْ مُحْدَثٌ فَفِي أَحْكَامِ ابْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ مُحْدَثٌ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ قَدِيمٌ وَفِي كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ قَدِيمٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ مُحْدَثٌ وَبِالْأَوَّلِ الْقَضَاءُ اهـ وَمِنْ قَوْلِهِ بِذَا الْقَضَاءُ ثَبَتَا يُفْهَمُ أَنَّ ثَمَّ قَوْلًا آخَرَ لَا يُقْضَى بِهِ وَهُوَ حَمْلُهُ عَلَى الْقِدَمِ حَتَّى يَثْبُتَ حُدُوثُهُ وَهُوَ الَّذِي تَقَدَّمَ عَنْ كِتَابِ ابْنِ سَحْنُونٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَيْت مَبْنِيٌّ عَلَى مَا يَأْتِي لَهُ فِي فَصْلِ مُسْقِطِ الضَّرَرِ مِنْ كَوْنِ الضَّرَرِ يُحَازُ بِمَا تُحَازُ بِهِ الْأَمْلَاكُ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يُحَازُ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِي كَوْنِهِ قَدِيمًا أَوْ حَادِثًا بَلْ يَجِبُ رَفْعُهُ وَإِزَالَتُهُ قَدِيمًا كَانَ أَوْ حَادِثًا وَيَأْتِي الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ حَيْثُ تَعَرَّضَ لَهُ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنْ شَاءَ اللَّهُ

وَإِنْ يَكُنْ تَكَشُّفًا فَلَا يُقَرْ ... بِحَيْثُ الْأَشْخَاصُ تَبِينُ وَالصُّوَرْ

يَعْنِي: إذَا كَانَ الضَّرَرُ تَكَشُّفًا بِحَيْثُ تَبِينُ بِهِ الْأَشْخَاصُ وَالصُّوَرُ فَإِنَّهُ يُزَالُ وَلَا يُقَرُّ (قَالَ الشَّارِحُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>