للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّهَادَةِ فِي التَّحَمُّلِ كَالْمُخْتَفِي لِيَتَحَمَّلَهَا لَا يَضُرُّ عَلَى الْمَشْهُورِ، (وَقَالَ مُحَمَّدٌ) : " إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ خَائِفًا أَوْ مَخْدُوعًا " (التَّوْضِيحُ) الْمَشْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقْدَحُ، وَبِهِ قَالَ أَشْهَبُ وَعِيسَى بْنُ دِينَارٍ، وَعَامَّةُ أَصْحَابِ مَالِكٍ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمُقَابِلُ الْمَشْهُورِ إمَّا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَقُولَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ لِلشَّاهِدِ اشْهَدْ عَلَيَّ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَإِمَّا مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِهَا لَكِنْ يَرَى الِاخْتِفَاءَ يَضُرُّ بِهَا، (ابْنُ رُشْدٍ) وَهُوَ قَوْلُ سَحْنُونٍ، وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ تَقْيِيدٌ لِلْمَشْهُورِ، بَلْ هُوَ مِنْ تَمَامِهِ.

(فَفِي الْمَوَّازِيَّةِ) قَالَ مَالِكٌ فِي رَجُلَيْنِ قَعَدَا لِرَجُلٍ وَرَاءَ حِجَابٍ لِيَشْهَدَا عَلَيْهِ قَالَ: إنْ كَانَ ضَعِيفًا، أَوْ مَخْدُوعًا، أَوْ خَائِفًا لَمْ يَلْزَمْهُ، وَيَحْلِفُ مَا أَقَرَّ إلَّا لِمَا يُذْكَرُ، وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ لَزِمَهُ وَلَعَلَّهُ يُقِرُّ خَالِيًا وَيَأْبَى مِنْ الْبَيِّنَةِ، فَهَذَا يَلْزَمُهُ مَا سُمِعَ مِنْهُ، قِيلَ: فَرَجُلٌ لَا يُقِرُّ إلَّا خَالِيًا هَلْ أَقْعُدُ لَهُ بِمَوْضِعٍ لَا يُعْلَمُ لِلشَّهَادَةِ عَلَيْهِ قَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّك تَسْتَوْعِبُ أَمْرَهُمَا وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَسْمَعَ جَوَابَهُ لِسُؤَالِهِ، وَلَعَلَّهُ يَقُولُ لَهُ فِي سِرٍّ مَا الَّذِي لِي عَلَيْك إنْ جِئْتُك بِكَذَا فَيَقُولُ: عِنْدِي كَذَا فَإِنْ قَدَرْت أَنْ تُحِيطَ بِسِرِّهِمْ فَجَائِزٌ. اهـ اُنْظُرْ الْبَابَ الثَّامِنَ وَالثَّلَاثِينَ مِنْ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ فِي الْقَضَاءِ بِشَهَادَةِ الِاسْتِغْفَالِ قَالَ فِي آخِرِهِ. (تَنْبِيهٌ) وَحَيْثُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ، قَالَهُ ابْنُ رُشْدٍ، وَيَنْبَغِي لِلشَّاهِدِ النَّبِيهِ أَنْ يَرْفَعَ نَفْسَهُ عَنْ أَنْ يَخْتَفِيَ لِيَشْهَدَ، وَهَذَا فِيمَا لَمْ يُنْدَبْ إلَيْهِ وَلَا فُرِضَ عَلَيْهِ، فَإِنْ فَعَلَ فَقَدْ فَعَلَ مَا لَا يَلِيقُ بِالْفُضَلَاءِ وَلَا يَخْتَارُهُ الْعُقَلَاءُ اهـ وَانْظُرْ قَوْلَهُ، وَحَيْثُ أَجَزْنَا شَهَادَتَهُ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ مَعَ كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ الْمُتَقَدِّمِ، فَإِنَّهُ صَرِيحٌ فِي أَنَّهَا مِنْ الْحِرْصِ عَلَى التَّحَمُّلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَمَا بِهِ قَدْ وَقَعَتْ شَهَادَهْ ... وَطُلِبَ الْعَوْدُ فَلَا إعَادَةَ

يَعْنِي إذَا شَهِدَ الشَّاهِدُ بِحَقٍّ فَتَحَمَّلَ الشَّهَادَةَ وَكَتَبَهَا، ثُمَّ جَاءَهُ صَاحِبُ الْحَقِّ وَطَلَبَ مِنْهُ إعَادَةَ الشَّهَادَةِ، إمَّا بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُ رَسْمًا آخَرَ بِذَلِكَ لِزَعْمِهِ ضَيَاعَ الرَّسْمِ الْأَوَّلِ، أَوْ طَلَبَ مِنْهُ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ غَيْرِ كَتْبٍ فَإِنَّهُ لَا يُجِيبُهُ إلَى ذَلِكَ لِمَا يُخْشَى فِي ذَلِكَ مِنْ تَكْرَارِ الْحَقِّ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، وَهَذَا ظَاهِرٌ إذَا كَتَبَ لَهُ رَسْمًا ثَانِيًا، وَكَذَا إنْ أَدَّى فَحُكِمَ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، ثُمَّ ظَهَرَ الرَّسْمُ الَّذِي كُتِبَ لَهُ أَوَّلًا قَوْلُهُ " وَطَلَبَ الْعَوْدَ " يَشْمَلُ الْعَوْدَ لِلْكِتَابَةِ، وَالْأَدَاءَ (قَالَ الشَّارِحُ) : وَلَكِنْ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ الَّتِي يُمْنَعُ مِنْ إعَادَتِهَا مِمَّا يَتَضَمَّنُ حَقًّا يَتَكَرَّرُ بِإِعَادَتِهَا، فَفِي كِتَابِ الِاسْتِغْنَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ فِيمَنْ أَشْهَدَ فِي كِتَابٍ ذِكْرَ حَقٍّ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ ضَاعَ وَسَأَلَ الشُّهُودَ أَنْ يَشْهَدُوا بِمَا حَفِظُوا فَلَا يَشْهَدُوا وَإِنْ كَانُوا حَافِظِينَ لِمَا فِيهِ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ قَدْ انْقَضَى وَمُحِيَ الْكِتَابُ، فَإِنْ جَهِلُوا، وَشَهِدُوا بِذَلِكَ قَضَى بِهِ.

(وَقَالَ مُطَرِّفٌ) : يَشْهَدُونَ بِمَا حَفِظُوا إنْ كَانَ الطَّالِبُ مَأْمُونًا

<<  <  ج: ص:  >  >>