قَالَ فِي الرِّسَالَةِ) : وَإِنْ نَكَلَ مُدَّعُو الدَّمِ، حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ خَمْسِينَ يَمِينًا، ثُمَّ قَالَ: وَلَوْ ادَّعَى الْقَتْلَ عَلَى جَمَاعَةٍ حَلَفَ كُلُّ وَاحِدٍ خَمْسِينَ، وَالْمُعْتَبَرُ فِي النُّكُولِ هُوَ مَنْ لَهُ اسْتِيفَاءُ الدَّمِ، وَأَمَّا نُكُولُ الْمُعِينِ فَغَيْرُ مُعْتَبَرٍ، وَالْمُعِينُ مَنْ لَيْسَ لَهُ الِاسْتِيفَاءُ كَالْإِخْوَةِ مَعَ الْبَنِينَ، وَبَنِي الْعَمِّ مَعَ الْإِخْوَةِ.
(فَرْعٌ) فَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَعْدَ نُكُولِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فَحَكَى ابْنُ الْحَاجِّ ثَلَاثَةَ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُسْجَنُ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا. الثَّانِي: أَنَّ عَلَيْهِ الدِّيَةَ فِي مَالِهِ. الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْبَسُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يَطُولَ سَجْنُهُ كَمَا فِي الطَّلَاقِ وَالْعِتْقِ. (فَرْعٌ) إذَا رُدَّتْ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَهَلْ لَهُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِأَوْلِيَائِهِ أَوْ لَا؟ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ: ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: نَفْيُ الِاسْتِعَانَةِ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُدَوَّنَةِ وَمُطَرِّفٍ وَالثَّانِي: قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَجْمُوعَةِ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ مَعَ أَوْلِيَائِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّسَالَةِ. وَالثَّالِثُ: لِابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَالْمَوَّازِيَّةِ أَنَّ وُلَاةَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَحْلِفُوا الْأَيْمَانَ كُلَّهَا أَوْ يَحْلِفَهَا الْمُتَّهَمُ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْلِفُوا بَعْضَهَا وَيَحْلِفَ هُوَ بَقِيَّتَهَا. وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَلَا يَخْفَى وَجْهُهُ. انْتَهَى مِنْ التَّوْضِيحِ.
هَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْبَيْتِ الْأَوَّلِ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:
وَيَحْلِفُ اثْنَانِ بِهَا فَمَا عَلَا
فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي شَرْحِ الْبَيْتَيْنِ قَبْلَ هَذَيْنِ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ مِنْ الْعَصَبَةِ وَرِثُوا أَمْ لَا. (ابْنُ الْحَاجِبِ) وَلَا يَحْلِفُ فِي الْعَمْدِ أَقَلُّ مِنْ رَجُلَيْنِ عَصَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَمَوَالِي فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ الْأَيْمَانُ. التَّوْضِيحُ أَيْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ مِنْ الدَّعْوَى وَضُرِبَ مِائَةً وَسُجِنَ عَامًا، وَإِنْ نَكَلَ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ خَمْسِينَ يَمِينًا، وَظَاهِرُهُ تَأْبِيدُ حَبْسِهِ، وَهُوَ كَذَلِكَ. اهـ وَقَدْ تَلَخَّصَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّ الْقَسَامَةَ تُرَدُّ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي مَسْأَلَتَيْنِ: إذَا نَكَلَ عَنْهَا أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ وَهِيَ الْمُشَارُ لَهَا فِي أَوَّلِ الْبَيْتَيْنِ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَقْتُولِ عَصَبَةُ نَسَبٍ وَلَا مَوَالِي. ثُمَّ قَالَ فِي التَّوْضِيحِ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ هَاتَيْنِ: وَإِنْ نَكَلَ الْمُعِينُ وَلَمْ يَكُنْ وَلِيُّ الدَّمِ إلَّا وَاحِدًا فَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ غَيْرَ هَذَا، وَإِلَّا فَقَدْ بَطَلَ الدَّمُ. وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ:
وَغَيْرُ وَاحِدٍ بِهَا لَنْ يُقْتَلَا
إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ اللَّوْثُ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَلَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ: خِلَافًا لِلْمُغِيرَةِ (التَّوْضِيحُ) لِأَنَّ الْقَسَامَةَ أَضْعَفُ مِنْ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ. وَقَاسَ الْمُغِيرَةُ ذَلِكَ عَلَى الشَّهَادَةِ. اهـ أَيْ عَلَى ثُبُوتِ الدَّمِ بِالشَّهَادَةِ فَيُقْتَلُ بِهَا أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ. (فَرْعٌ) قَالَ فِي التَّوْضِيحِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: وَإِنْ وَجَبَ لِقَوْمٍ دَمُ رَجُلٍ بِقَسَامَتِهِ فَلَمَّا قُدِّمَ لِلْقَتْلِ أَقَرَّ غَيْرُهُ أَنَّهُ قَتَلَهُ، فَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الْمُقِرَّ بِإِقْرَارِهِ، وَإِنْ شَاءُوا قَتَلُوا الْأَوَّلَ بِقَسَامَةٍ، وَلَا يُقْتَلُ إلَّا وَاحِدٌ. اهـ
(فَرْعٌ) وَإِذَا فَرَّعْنَا عَلَى الْمَشْهُورِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُقْتَلُ بِالْقَسَامَةِ إلَّا وَاحِدٌ، فَقَالَ فِي التَّوْضِيحِ: الْمَشْهُورُ أَنَّ الْقَسَامَةَ لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ، وَهُوَ الَّذِي يُرِيدُونَ قَتْلَهُ. (ابْنُ الْقَاسِمِ) عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَالْمَجْمُوعَةِ: وَإِذَا أَقْسَمُوا عَلَيْهِ قَالُوا فِي الْقَسَامَةِ: لَمَاتَ مِنْ ضَرْبِهِ. وَلَا يَقُولُونَ: مِنْ ضَرْبِهِمْ. اهـ وَقَالَ أَشْهَبُ: الْأَوْلِيَاءُ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يُعَيِّنُوهُ أَوَّلًا، كَمَا تَقَدَّمَ وَبَيْنَ أَنْ يَخْتَارُوهُ بَعْدَ حَلِفِهِمْ عَلَى الْجَمَاعَةِ. (التَّوْضِيحُ) فِي قَوْلِ أَشْهَبَ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا أَقْسَمُوا عَلَى الْجَمِيعِ ثُمَّ اخْتَارُوا وَاحِدًا، يَكُونُ مِنْ التَّرْجِيحِ بِلَا مُرَجِّحٍ، إذْ لَيْسَ أَحَدُهُمْ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ. اُنْظُرْ تَمَامَ كَلَامِهِ. (تَنْبِيهٌ) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَشْهُورَ أَنَّ الْأَوْلِيَاءَ يُعَيِّنُونَ وَاحِدًا يُقْسِمُونَ عَلَيْهِ، إنَّمَا ذَلِكَ فِي الْعَمْدِ. قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ بِخِلَافِ الْخَطَأِ فَإِنَّهُ لَا يُقْسَمُ إلَّا عَلَى جَمِيعِهِمْ، وَتَوْزِيعُ الدِّيَةِ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ. اهـ
(فَرْعٌ) كَمَا تُرَدُّ الْأَيْمَانُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ