خَطَّهُ فِي الشَّهَادَةِ وَحْدَهَا أَوْ فِي الشَّهَادَةِ وَالْوَثِيقَةِ مَعًا، هَذَا مِمَّا يُحْتَمَلُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَصْدَهُ فِيهِمَا مَعًا لِقَوْلِهِ " نَسِيَ مَا ضَمَّنَهُ " يَعْنِي مِمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْوَثِيقَةُ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْوَثِيقَةَ كُلَّهَا بِخَطِّ الشَّاهِدِ، وَقَوْلُهُ
لَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهِ بِذَلِكَ
وَهَلْ عَلَى أَنَّ الْقَاضِيَ يَحْكُمُ بِهَا، أَوْ يُؤَدِّيهَا الشَّاهِدُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهَا صَاحِبُهَا هُوَ مُحْتَمَلٌ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَصَدَ أَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهَا (قَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ) : إذَا عَرَفَ الشَّاهِدُ خَطَّهُ فِي كِتَابٍ، فَلَا يَشْهَدُ حَتَّى يَذْكُرَ الشَّهَادَةَ، وَيُوقِنَ بِهَا وَلَكِنْ يُؤَدِّي ذَلِكَ كَمَا عَلِمَ، ثُمَّ لَا يَنْفَعُ الطَّالِبَ (سَحْنُونٌ) اخْتَلَفَ فِي هَذَا أَصْحَابُنَا، وَقَوْلِي إذَا لَمْ يَرَ فِي الْكِتَابِ مَحْوًا، وَلَا لَحْقًا وَلَا مَا يَسْتَنْكِرُهُ فَلْيَشْهَدْ بِمَا فِيهِ، وَهَذَا أَمْرٌ لَا يَجِدُ النَّاسُ مِنْهُ بُدًّا، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ مِنْ الْكِتَابِ شَيْئًا (ابْنُ يُونُسَ) إنَّمَا قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: يَرْفَعُ شَهَادَتَهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرَى الْحَاكِمُ إجَازَتَهَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُجِيزُ ذَلِكَ. اهـ.
(وَفِي التَّوْضِيحِ) عَنْ الْبَيَانِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ: أَنَّهَا شَهَادَةٌ جَائِزَةٌ يُؤَدِّيهَا وَيُحْكَمُ بِهَا، وَالثَّانِي: أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ لَا يُؤَدِّيهَا، وَلَا يَحْكُمُ بِهَا، وَالثَّالِثُ: أَنَّهَا غَيْرُ جَائِزَةٍ إلَّا أَنَّهُ يُؤَدِّيهَا وَلَا يُحْكَمُ بِهَا، وَالرَّابِعُ: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي كَاغَدٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ كَانَتْ فِي رِقٍّ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ قَالَ: يُرِيدُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - إذَا كَانَتْ الشَّهَادَةُ فِي مُطْلَقِ الرِّقِّ وَلَمْ تَكُنْ عَلَى ظَهْرِهِ؛ لِأَنَّ الْبَشْرَ فِي ظَهْرِهِ أَخْفَى مِنْهُ فِي الْكَاغَدِ، وَالْخَامِسُ: إنْ كَانَ ذَكَرَ الْحَقَّ، وَالشَّهَادَةَ بِخَطِّهِ جَازَ أَنْ يَشْهَدَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِخَطِّهِ إلَّا الشَّهَادَةُ لَمْ يَشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ وَصَوَّبَ جَمَاعَةٌ أَنَّهُ يَشْهَدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَحْوٌ وَلَا رِيبَةٌ، فَإِنَّهُ لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ ذَلِكَ لِكَثْرَةِ نِسْيَانِ الشَّاهِدِ الْمُنْتَصِبِ، وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَشْهَدْ حَتَّى يَذْكُرَهَا لَمَا كَانَ لِوَضْعِ رَسْمِ خَطِّهِ فَائِدَةٌ، (تَنْبِيهٌ) مَعْنَى اشْتِرَاطِ انْتِفَاءِ الْمَحْوِ وَالرِّيبَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ مُعْتَذَرًا عَنْهُ فِي الْوَثِيقَةِ، وَإِنْ كَانَ مُعْتَذَرًا عَنْهُ فَهُوَ مِنْ زِينَةِ الْوَثِيقَةِ عَلَى مَا قَالَهُ بَعْضُ كِبَارِ الشُّيُوخِ. اهـ مِنْ التَّوْضِيحِ (وَفِي الْمُخْتَصَرِ) لَا عَلِمَ خَطَّ نَفْسِهِ حَتَّى يَذْكُرَهَا وَأَدَّى بِلَا نَفْعٍ، وَلَمْ أَقِفْ الْآنَ عَلَى مَنْ اشْتَرَطَ فِي هَذَا الشَّاهِدِ التَّبْرِيزَ، كَمَا اشْتَرَطَهُ النَّاظِمُ.
وَالْحُكْمُ فِي الْقَاضِي كَمِثْلِ الشَّاهِدِ ... وَقِيلَ بِالْفَرْقِ لِمَعْنًى زَائِدِ
يَعْنِي: أَنَّ الْقَاضِيَ إذَا وَجَدَ حُكْمًا فِي دِيوَانِهِ بِخَطِّهِ وَهُوَ لَا يَذْكُرُ أَنَّهُ حَكَمَ بِهِ فَقِيلَ: إنَّهُ كَالشَّاهِدِ فَيُنَفِّذُ ذَلِكَ وَيُمْضِيهِ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْذَرُ بِالنِّسْيَانِ إلَّا إنْ وُجِدَ فِي الْكِتَابِ رِيبَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ، وَقِيلَ: لَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا يَعْمَلُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ هُوَ كَالشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّاهِدِ فَرْقًا وَهُوَ عُذْرُ الشَّاهِدِ بِأَنَّ ذَلِكَ مَقْدُورُهُ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَى حُكْمِهِ عَدْلَيْنِ، وَعَلَى هَذَا نَبَّهَ النَّاظِمُ بِقَوْلِهِ
وَقِيلَ بِالْفَرْقِ لِمَعْنًى زَائِدِ
(قَالَ ابْنُ الْمُنَاصِفِ) : اتَّفَقَ أَهْلُ عَصْرِنَا فِي الْبِلَادِ الَّتِي يَنْتَهِي إلَيْهَا أَمْرُنَا عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute