للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثَمَانِيَ مَسَائِلَ: التَّوْقِيفُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ عَدْلَانِ، وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَضَرْبُ الْأَجَلِ فِيهِ، وَكَيْفِيَّتُهُ فِي الْأُصُولِ، وَتَوْقِيفُ الْأُصُولِ بِشَهَادَةِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ إلَى كَمَالِ الشَّهَادَةِ إلَى أَنْ يَقْدِرَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ ظَاهِرًا، وَكَيْفِيَّتُهُ أَيْضًا وَمَا يَفْعَلُ بِالْغَلَّةِ زَمَنَ الْإِيقَافِ، وَالتَّوْقِيفُ فِيمَا شَهِدَ بِهِ رَجُلَانِ يُنْظَرُ فِي تَزْكِيَتِهِمَا، وَالتَّوْقِيفُ فِيمَا يُسْرِعُ لَهُ الْفَسَادُ، إمَّا لِلْإِعْذَارِ أَوْ لِتَزْكِيَةِ الشُّهُودِ، أَوْ لِتَكْمِيلِ نِصَابِ الشَّهَادَةِ، وَالتَّوْقِيفُ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ ظُهُورِ مَخَايِلِ الصِّدْقِ فَقَوْلُهُ: وَهِيَ شَهَادَةٌ الْبَيْتَ هُوَ إشَارَةٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى مِنْ الثَّمَانِ يَعْنِي: أَنَّ مَنْ شَهِدَ لَهُ عَدْلَانِ بِاسْتِحْقَاقِ شَيْءٍ مَثَلًا، وَبَقِيَ الْإِعْذَارُ فِيهِمَا لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ فَإِنَّ هَذِهِ الشَّهَادَةَ لَا تُوجِبُ لَهُ مَا شَهِدَا لَهُ بِهِ، وَإِنَّمَا تُوجِبُ تَوْقِيفَ الشَّيْءِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إلَى أَنْ يُعْذَرَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَحِينَئِذٍ يَسْتَحِقُّهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَإِذَا وُقِفَ الشَّيْءُ الْمُتَنَازَعُ فِيهِ فَلَا بُدَّ مِنْ ضَرْبِ أَجَلٍ لِذَلِكَ لِلضَّرَرِ الَّذِي يَلْحَقُ صَاحِبَهُ، فَإِنْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ فِي الْأَجَلِ الْمَضْرُوبِ أَخَذَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ، وَإِلَّا بَقِيَ بِيَدِ صَاحِبِهِ، وَيَأْتِي تَفْسِيرُ التَّوْقِيفِ مَا هُوَ قَالَ فِي الْفَصْلِ الرَّابِعِ مِنْ الْقِسْمِ الْخَامِسِ مِنْ الرُّكْنِ السَّادِسِ مِنْ تَبْصِرَةِ ابْنِ فَرْحُونٍ.

وَاعْلَمْ أَنَّ الِاعْتِقَالَ وَالتَّوْقِيفَ لَا يَكُونَانِ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْخَصْمِ فِي الشَّيْءِ الْمُدَّعَى فِيهِ، وَلَا يُعْقَلُ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ بِمُجَرَّدِ دَعْوَى الْغَيْرِ فِيهِ حَتَّى يَنْضَمَّ إلَى ذَلِكَ سَبَبٌ يُقَوِّي الدَّعْوَى، أَوْ لَطْخٌ وَالسَّبَبُ كَالشَّاهِدِ الْعَدْلِ أَوْ الْمَرْجُوِّ تَزْكِيَتُهُ، وَاللَّطْخُ الشُّهُودُ غَيْرُ الْعُدُولِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالِاعْتِقَالُ فِي الرُّبْعِ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْأَوَّلُ: عِنْدَ قِيَامِ الشُّبْهَةِ الظَّاهِرَةِ، أَوْ ظُهُورِ اللَّطْخَةِ فَيُرِيدُ الْمُدَّعِي تَوْقِيفَهُ لِيُثْبِتَهُ، فَالتَّوْقِيفُ هُنَا بِأَنْ يَمْنَعَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِيهِ تَصَرُّفًا يُفِيتُهُ، كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ، أَوْ يُخْرِجُهُ عَنْ حَالِهِ كَالْبِنَاءِ، وَالْهَدْمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تُرْفَعَ يَدُهُ عَنْهُ. الثَّانِي: بَعْدَ أَنْ يُثْبِتَ الْمُدَّعِي دَعْوَاهُ فِي ذَلِكَ بِشَهَادَةٍ قَاطِعَةٍ، وَكَانَ الرُّبْعُ عَلَى مَا يَجِبُ وَيَدَّعِي الْمُسْتَحَقُّ مِنْ يَدِهِ مَدْفَعًا فِيمَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لِلْمُدَّعِي، فَيَضْرِبُ لِلْمُسْتَحِقِّ مِنْهُ الْآجَالَ، وَيُوقَفُ الْمُدَّعَى فِيهِ حِينَئِذٍ بِأَنْ تُرْفَعَ يَدُ الْأَوَّلِ عَنْهُ فَإِنْ كَانَتْ دَارًا غُلِّقَتْ بِالْقُفْلِ، أَوْ أَرْضًا مُنِعَ مِنْ حَرْثِهَا، أَوْ حَانُوتًا لَهُ خَرَاجٌ وُقِفَ الْخَرَاجُ، وَيُؤْمَرُ بِإِخْلَاءِ الدَّارِ مِنْ نَفْسِهِ وَمَتَاعِهِ وَيُؤَجَّلُ فِي إخْلَاءِ ذَلِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَنَحْوَهَا، فَإِنْ سَأَلَ الْمَعْقُولَ عَلَيْهِ أَنْ يُتْرَكَ فِي الدَّارِ مَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ إخْرَاجُهُ أَجَابَهُ الْحَاكِمُ إلَى ذَلِكَ، وَبِهَذَا جَرَى عَمَلُ سَحْنُونٍ. اهـ

وَقَدْ تَلَخَّصَ مِنْ كَلَامِ التَّبْصِرَةِ أَنَّ التَّوْقِيفَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ سَبَبِهِ، وَعَلَيْهِ ذَهَبَ النَّاظِمُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ شَهَادَةَ عَدْلَيْنِ، وَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْإِعْذَارُ، فَإِنَّ التَّوْقِيفَ يَكُونُ بِرَفْعِ يَدِ حَائِزِهِ عَنْهُ وَغَلْقِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَذْكُرُ فِي الْأَبْيَاتِ الْأَرْبَعِ بَعْدَ هَذَيْنِ، فَهُوَ تَفْسِيرٌ لِلتَّوْقِيفِ الْمُتَقَدِّمِ قَرِيبًا فِي قَوْلِهِ: تُوجِبُ تَوْقِيفًا وَإِنْ كَانَ سَبَبُهُ شَهَادَةَ عَدْلٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ الْإِيقَافَ يَكُونُ بِمَنْعِ صَاحِبِهِ مِنْ تَفْوِيتِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَمِنْ إخْرَاجِهِ عَنْ حَالِهِ بِهَدْمٍ أَوْ بِنَاءٍ، وَلَا تُرْفَعُ يَدُ حَائِزِهِ عَنْهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ النَّاظِمُ: حَيْثُ تَكُونُ الْعَقْلَةُ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ

وَلَا يُزَالُ مِنْ يَدٍ بِهَا أُلِفْ

وَفُهِمَ مِنْ إطْلَاقِ النَّاظِمِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ جَارٍ فِي الْأُصُولِ وَغَيْرِهَا، وَلِذَلِكَ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - قَالَ بَعْدُ:

وَشَاهِدٌ عَدْلٌ بِهِ الْأَصْلُ وُقِفْ

فَخَصَّ ذَلِكَ بِالْأَصْلِ فَيُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَا قَبْلَهُ عَامٌّ فِي الْأَصْلِ وَغَيْرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَوْلُهُ فِي التَّبْصِرَةِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَيَدَّعِي الْمُسْتَحِقُّ مِنْ يَدِهِ مَدْفَعًا إلَخْ وَلِاحْتِمَالِ ثُبُوتِ هَذَا الْمَدْفَعِ اُحْتِيجَ إلَى التَّوْقِيفِ إلَى أَنْ يَقَعَ الْإِعْذَارُ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَا مَدْفَعَ لَهُ، وَقَوْلُهُ: بِهِ حَكَمَ الْحَكَمْ خَبَرٌ وَمُبْتَدَأٌ وَالْجُمْلَةُ صِفَةٌ لَتَوْقِيفًا، وَالرَّابِطُ ضَمِيرُ بِهِ أَيْ: تَوْقِيفًا مَحْكُومًا بِهِ، وَشَهَادَةُ الْقَطْعِ يُقَابِلُهَا شَهَادَةُ السَّمَاعِ.

وَقَوْلُهُ:

وَحَيْثُ تَوْقِيفٌ مِنْ الْمَطْلُوبِ

أَيْ: حَيْثُ طُلِبَ التَّوْقِيفُ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ ضَرْبِ الْأَجَلِ، وَتَقَدَّمَ فِي كَلَامِ التَّبْصِرَةِ فَيُضْرَبُ لِلْمُسْتَحَقِّ مِنْهُ الْآجَالُ إلَخْ.

وَوَقْفُ مَا كَالدُّورِ قَفْلٌ مَعَ أَجَلْ ... لِنَقْلِ مَا فِيهَا بِهِ صَحَّ الْعَمَلْ

وَمَا لَهُ كَالْفُرْنِ خَرْجٌ وَالرَّحَا ... فَفِيهِ تَوْقِيفُ الْخَرَاجِ وُضِّحَا

وَهُوَ فِي الْأَرْضِ الْمَنْعُ مِنْ أَنْ تُعْمَرَا ... وَالْحَظُّ أَنْ يُكْرِيَ وَيُوقِفَ الْكِرَا

قِيلَ جَمِيعًا أَوْ بِقَدْرِ مَا يَجِبْ ... لِلْحَظِّ مِنْ ذَاكَ وَالْأَوَّلُ انْتَخِبْ

<<  <  ج: ص:  >  >>