فَحَلَفَ إِنَّنِي لَمْ أَفْعَلْ مَا فَعَلْتُهُ إِلَّا عَلَى سُكْرٍ، وَلَمْ أَقُلْ مَا قُلْتُهُ عَنْ حَقِيقَةٍ فَأَخَذَ خَطَّهُ بِذَلِكَ، فَدَخَلَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ يَحْيَى عَلَى الْمُتَوَكِّلِ وَعَرَّفَهُ مَأْثَمَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَأَوْقَفَهُ عَلَى خَطِّ سَلَمَةَ وَقَالَ: هَذَا قَصْدُهُ أَنْ يَخْلُوَ أَرْكَانُ دَوْلَةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الْكُتَّابِ الْمُسْلِمِينَ، وَيَتَمَكَّنَ هُوَ وَرَهْطُهُ مِنْهَا.
وَكَانَ الْمُتَوَكِّلُ قَدْ جَعَلَ فِي مَوْكِبِهِ مَنْ يَأْخُذُ الْمُتَظَلِّمِينَ وَيُحْضِرُهُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى خَلْوَةٍ، فَأُحْضِرَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَذَكَرَ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ دِمَشْقَ، وَأَنَّ سَعِيدَ بْنَ عَوْنٍ النَّصْرَانِيَّ غَصَبَهُ دَارَهُ، فَلَمَّا وَقَفَ الْمُتَوَكِّلُ عَلَى قِصَّةِ الشَّيْخِ اشْتَدَّ غَضَبُهُ إِلَى أَنْ كَادَتْ تَطِيرُ أَزْرَارُهُ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى صَالِحٍ عَامِلِهِ بِرَدِّ دَارِهِ.
قَالَ الْفَتْحُ بْنُ خَاقَانَ: فَقُمْتُ نَاحِيَةً لِأَكْتُبَ لَهُ بِمَا أَمَرَنِي فَأَتْبَعَنِي رَسُولًا يَسْتَحِثُّنِي فَبَادَرْتُ إِلَيْهِ، فَلَمَّا وَقَفَ عَلَى الْكِتَابِ زَادَ فِيهِ بِخَطِّهِ: نُفِيتُ عَنِ الْعَبَّاسِ؛ لَئِنْ خَالَفْتَ فِيمَا أَمَرْتُ بِهِ لَأُوَجِّهَنَّ مَنْ يَجِيئُنِي بِرَأْسِكَ، وَوَصَلَ الشَّيْخَ بِأَلْفِ دِينَارٍ، وَبَعَثَ مَعَهُ حَاجِبًا، وَكَثُرَ تَظَلُّمُ النَّاسِ مِنْ كُتَّابِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَتَابَعَتِ الْإِغَاثَاتُ.
وَحَجَّ الْمُتَوَكِّلُ تِلْكَ السَّنَةَ، فَرُئِيَ رَجُلٌ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ وَيَدْعُو عَلَى الْمُتَوَكِّلِ فَأَخَذَهُ الْحَرَسُ وَجَاءُوا بِهِ سَرِيعًا فَأَمَرَ بِمُعَاقَبَتِهِ، فَقَالَ لَهُ: وَاللَّهِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا قُلْتُ مَا قُلْتُهُ إِلَّا وَقَدْ أَيْقَنْتُ بِالْقَتْلِ، فَاسْمَعْ كَلَامِي وَمُرْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute