ومن جهة أخرى، إِنه مما أثار حقد الرومان على المسيحية -كذلك- أن المسيحية أخذت من اليهودية تعصبها، فأعلنت -حتى في عهود ضعفها- أنها تناصب العقائد الأخرى العداء، وأنها ستعمل على تحطيم الحضارة الرومانية عندما تتهيأ لها الفرصة.
أما هذا التحول الذي أعلنته المسيحية من التسامح والرضا والرحمة، إلى الحقد والثأر، فإنه يمثل تحول المسيحية وانتقالها من وصايا عيسى، إلى أفكار بولس، كما يؤكد ذلك كثير من المؤرخين والباحثين!
ولعل أبشع حركات الاضطهاد التي عاناها المسيحيون في القرن الأول تلك التي أنزلها بهم نيرون الطاغية سنة ٦٨ م، فقد ألقى بعضهم للوحوش الضارية تنهش أجسامهم، وأمر فطليت بالقار وأشعلت لتكون بعض مصابيح الاحتفالات التي أقامها نيرون في حدائق قصره!!
وفي القرن الثاني كان المسيحيون يعتبرون أنجاسًا لا يسمح لهم بدخول الحمامات والمحال العامة، وكانوا -كما حدث في عهد نيرون وغيره- يلقون للوحوش الضارية تفترسهم في مدرج عام يضم خصومهم الذين يحضرون للتلهي بمشاهدة هذه المظاهر.
ولقد سجل القرن الثالث صورًا أخرى من أبشع وأشنع أنواع التعذيب والاضطهاد للمسيحيين، وذلك في عهد الإمبراطور قلديانوس، فقد أمر بهدم كنائس المسيحية، وإعدام كتبها المقدسة وآثار آبائها، وقرر اعتبار المسيحيين مذنبين، وأسقط حقوقهم المدنية، وأمر بإلقاء القبض على الكهان وسائر رجال الدين، وصب عليهم العذاب ألوانًا.
ونفذت هذه التعليمات في جميع المناطق، فامتلأت السجون بالمسيحيين ومات الكثيرون بعد أن مزقت أجسادهم بالسياط، والمخالب الحديدية،