للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان أراد ريحاً أخرى غير الصبا فقد قدمت القول في أن ذلك غير سائغ ولا مستقيم، وقد استقصى أصحاب الأنواء في كتبهم ذكر الرياح وأصوافها ونعوتها، واستشهدوا بأكثر ما سمعوه من أشعار العرب فيها، وبالغ أبو حنيفة الدينورى في ذلك؛ فما منهم أحد ذكر أن القبول غير الصبا، وإنما قال ابن الأعرابي في نوادره: إن العرب تسمى كل ريح طيبةٍ لينة المس قبولاً، قال الأخطل:

فإن تبخل سدوس بدرهميها ... فإن الريح طيبةٌ قبول

فإنما أراد الصبا؛ لأنها ريحٌ محبوبة تنسب إلى الطيب، وهي دائمة الهبوب لينة المس معتدلة في أكثر أوقاتها: أي فإن منعت سدوس نائلها فإن الريح طيبة قبول، أي: هي صباً ما تمنعنا من الانصراف والرحيل؛ فإن كان ما ذكره ابن الأعرابي صحيحاً - وهو الصحيح إن شاؤ الله - فإنهم إنما قالوا لكل ريح طيبة لينة قبول تشبيها لها بالصبا، كأنهم إن هبت شمالٌ لينة، قالوا: هذه الصبا، أو هذه القبول، أي: كالصبا أو كالقبول، فأسقطوا حرف التشبيه، وجعلوا المشبه في مكان المشبه به، كما تقول إذا شممت أترجةً طيبة العرف: هذه المسك، أو كالمسك، وإذا رأيت وجهاً حميلا قلت: هذا هو البدر، وإن شئت كان المعنى: هذه المسك حقا، وهذا هو البدر يقينا، ولوهبت شمال شديدة مزعجة حتى تقول: هذه هي الدبور بعينها - لكان هذا من أسوغ

<<  <  ج: ص:  >  >>