للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجعل للدهر - وهو الزمان - عرضاً، وذلك محض المحال، وعلى أنه ما كانت به إليه حاجة؛ لأنه قد استوفى المعنى بقوله: " كطول الدهر " فأتى على العرض في المبالغة.

فإن قيل: فلم لا يكون سعةً ومجازا؟ قيل: هذه ألفاظ صنعتها صنعة الحقيقة، وهي بعيدة من المجاز؛ لأن المجاز في هذا له صورة معروفة، وألفاظ مألوفة معتادة، لا يتجاوز في النطق بها إلى ما سواها، وهي قول الناس: عشنا في خفض ودعة زماناً طويلا عريضاً، وما زلنا في رخاء ونعمةٍ الدهر الطويل العريض. وإنما أرادوا إتمامه وكماله واتساعه لهم بما أحبوه؛ لأنهم إذا وصفوا بالطول والعرض ماله طول وعرضٌ على الحقيقة فإنما يريدون تمامه وكماله وسعته، نحو قولهم: ثوبٌ طويل عريض، أي: تام واسع، وأرض طويلة عريضة، أي: تامة في الطول والسعة، وكذلك إا وصفوا ما ليس له طول ولا عرض على الحقيقة فإنما يريدون التمام والكمال، ألا ترى إلى قول الراعي:

أنت ابن فرعى قريشٍ لو تقاسمها ... في المجد صار إليك العرض والطول

فاستعار للمجد ههنا الطول والعرض؛ لأنه أراد صار إليك المجد بتمامه وكماله،

<<  <  ج: ص:  >  >>