فكتب إليه مقرظاً. وصل البيتان بل القصران. فما ألفظاهما إلا الدر النظيم. فلا وحقك لم يفز بمثلهما العصران. لا الحديث ولا القدم فلله درك. ما أحقد درك. وأبهج في أسلاك المعاني درك. ولقد خاطبت بمعناهما عند سماعهما من عذل. وطربت لحسن سبكهما طر من منح عند نشوته سبيك النضار وبذل. بل طرب لهما حتى الجماد. ومن ذا الذي سمعهما وما ماد. فالله تعالى يبقيك للأدب كهفاً يرجع إليه. وذخراً يعول عند اشتباه الألفاظ والمعاني عليه. وقد نظمت البارحة أبياتاً في العود. أحببت أن يلاحظهما بملاحظتك لهما السعود.
وعود به عود المسرة مورق ... يغني كما غنت عليه الحمائم
إذا حركت أوتاره كف غادة ... فسيان من شوق خليّ وهائم
يرنح من يصغى إليه صبابة ... كما رنحته في الرياض النسائم
والسلام. فراجعني بقوله. يا مولاي الذي إن عد أرباب المجد عقدت عليه الخناصر. وإن ذكر أصحاب الفضل فلا يدانيه متقدم ولا معاصر. ولو أمدني ابن العميد واضرابه والصاحب بن عباد وأصحابه. ما استطعت تقريظ أبياتك الأبيات إلا منك. الممتنعات إلا عنك. فأنت فريد دهرك. ولا أقول في هذا الفن. ووحيد عصرك. وليس ذلك عن ظن. وقد دعتني داعية الأدب. إلى أن أقول إن العود يفوق آلات الطرب. فمدحته كما مدحته. ووصفته كما وصفته. وقلت
فاق كل الآلات في اللحن عود ... حين تعلو أصواتها وترن
فكان الحمام دهراً طويلاً ... علمه ألحانها وهو غصن
والسلام. قلت وهذا من قول أبي الفضائل أحمد بن يوسف الطيبي
من أين للعود هذا الصوت تطربنا ... ألحانه بأطاريف الأناشيد
أظن حين نشا في الدوح علمه ... سجع الحمائم ترجيع الأغاريد
ومثله قول معاصره الصفي الحلي
وعود به عاد السرور لأنه ... حوى اللهو قدماً وهو ريّان ناعم
يعذّب في تغريده وكأنما ... يعيد لنا ما لقنته الحمائم
وما أحلى قول بعضهم فيه
وعود له نوعان من لذة المنى ... فبورك جان يجتنيه وغارس
تغنت عليه وهو رطب حمامة ... وغنت عليه قينة وهو يابس
شهاب الدين أحمد بن الفضل
بن محمد باكثير المكي
ابن الفضل وأبوه. والمذعن لفضله أعداؤه ومحبوه. مقداره في الأدب جليل. ومثل باكثير في الأنام قليل. إن عدت فرسان اليراعه. فهو ملاعب أسنة الأقلام. أو ذكرت فرسان البراعه. فهو ثاني أعنة الكلام. ملك زمام القريض فاقتاده حيث شا. وتلا لسان قلمه أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشا. وكان له في التصدير والتعجزي اعجاز أفحم مصاقع البلغاء بالتعجيز. ومن مشهور قصائده البديعه. التي أظهر في ألفاظها ومعانيها بيانه وبديعه. ميميته التي استخرج دررها من بحر البسيط. وقسط تفاعيلها على أحسن تقسيط. وأودعها ثمانية أبيات من الهزج. يؤرخ كل بيت منها عام نظمها الذي صرف فيه البلاغة وما مزج. مادحاً بها السيد علي بن بركات ابن أبي نمى. ممدوحه الذي اشتهر به اشتهار غيلان بمى. ومنى بعد نظمها لشدة الفكر بعله. بقى مرتهناً بها أربعة أهله. وها أنا أنصها عليك بجملتها: نص العروس في حجلتها. وبيان استخراج التواريخ منها أن أجزاء بحرها ثمانية تفاعيل فإذا أخذ أول الجزء الأول من رأس القصيدة إلى آخرها وألفه تركب منه البيت الأول من التواريخ وإذا أخذ أول الجزء الثاني كذلك تركب منه البيت الثاني وهكذا البيت الثالث والرابع إلى الثامن ويخرج من أول كلمة من صدور أبيات التواريخ وأول كلمة من اعجازها بيت تاسع وهو تاريخ أيضاً فخذ صدره من الصدور وعجزه من الاعجاز وهذه القصيدة ويتلوها التواريخ
عليّ أن بت أجني نور قربهم ... روحي لمن كان للآمال ملتزمي
لا يحسب الجاهل الصب الذي درست ... حياته ملّ طولاً من نفورهم
يستعذب الداء إن وفوا برؤيتهم ... يا حبذا يوم رؤيا ملتقى أدمي
أحلى لديّ من الحلوى ولوعهم ... بمرّ ما ألفوه طول صرمهم
لو أن من هجرهم أمسى لقىً ايست ... أساته لم أبج يوماً بشانهم