إمام المعاني والبيان. والمغني فضله عن الايضاح والتبيان. ومن عليه المعول. في بيان كل مختصر ومطول. هصر أفنان الاقتنان. ونطق عن لسان الاحسان. وسمع فوعى. وجمع فأوعى. وجاء منقطع القرين يكاثر بمحفوظاته رمال يبرين. إلى هدى ورشاد. وصلاح أسس بنيانه وشاد. وأما الأدب فهو جذيله المحكك وعذيقه المرجب. والمعمل فيه يده ولسانه وضميره المحجب. إن نثر فالنثرة في قلق. أو شعر عاذت الشعرى برب الفلق. وهو شيرازي المحتد. حجازي المولد. وجده الرابع من آبائه. الناهضين بأثقال الفضل وأعبائه. هو الشيخ ظهير الدين. أحد العلماء المهتدين. كان له بشيراز مدرسة وطلبه. ورتبة أحرز بها من الخير ما طلبه. جامع بين الحقيقة والشريعه. واصل إلى مراتب الفضل بأوثق ذريعه. وولد الملا على هذا بمكة المشرفة ونشأ بها. ولحظته بالسعادة عناية ربها. فأكب على طلب العلم وتحصيله. وتأثيل الفضل وتأصيله. حتى ظهر شانه. وتهدلت بفنون العلم أفنانه. فلما نبابه الوطن. وضاق عنه العطن. ارتاج السفر. وأمل حصول الظفر. وامتثل قول الأول وإذا نبابك منزل فتحول فدخل العجم أولاً والهند ثانياً. وراح لعنانه عن أوطانه ثانياً. فاختطفته المنيه. في بعض البلاد الهنديه. أنضر ما يكون شباباً. وأحكم ما يكون أسباباً. وذلك في عام إحدى وخمسين وألف. رحمه الله تعالى. وهذه نبذة من نثره المعجب. وكلامه المعرق المنجب. فمنه ما كتبه إلى الشيخ حنيف الدين ابن الشيخ عبد الرحمن المرشدي مراجعاً وهو بقرية السلامة من أعمال الطائف. ما ألحان السواجع في حدائق ذات بهجة تحتها الأنهار. وما ترجيع البلابل على أغصان خميلة رنحتها نسائم الأصائل والأسحار. بأطيب من تسجيع كتاب جمع الفضائل. فهزم جمع الأفاضل. وحاز أزهار فصاحة تقصر عنها يد المتناول. وإن اقتطفها منشئه بأطراف الأنامل. أزكى لهيب الأشواق بلطائف عباراته. فهيج أشجان الفؤاد وما يدري. وأضرم نيران الفراق بمحاسن إشاراته. فكأنما أثار بهذا طائراً كان في صدري.
أتاني كتاب لو يمرّ نسيمه ... بقبر لأحيا نشره صاحب القبر
وذكرني شوقاً وما كنت ناسياً ... ولكنه تجديد ذكر على ذكر
لله دره من كتاب ينعش الافئدة كما ينعش العليل نسيم السلامه. ويفعل بألباب ذوي الآداب ما يقصر عن مثل طلا الحبيب ونشوة المدامه. أزرت جواهره المنثورة بالعقد الثمين في جيد الحسنا. وقضت دراري الأفلاك بأن زواهر ألفاظه المشرقة أبهى وأسنى. ما استغرب الفكر تشييد معالي مبانيه الفائقه. ولا استنكر نسيم خمائل معانيه الرائقه. لعلمه بأن مولانا هو الذي أتقن هذا البناء وأحكم. حتى يقول من أين هذا النفس الطيب بل قال شنشنة أعرفها من أخزم. لا زلتم تحيون بهذه الآثار مآثر سيدنا الذي كان في العلوم كضوء على علم. وتثبتون في صفائح الصحائف ما يقال عند رؤيته ومن يشابه ابه فما ظلم. هذا وقد اشتغل اليراع بوصف ذلك الكتاب عن ذكر ألقاب ناظم عقده. وتاه في طيار مدحه فطوى الكشح عن نشر صفحات مفوف برده. علماً بقصوره عن مطاولة هذا الأمر بذلك الجسم الضئيل. واعترافاً بعجزه عن محاولة ما لم تصل إليه بلاغة الصاحب ولا تفي به مهارة الخليل. فالمملوك يعتذر في هذا الباب بنظير ما اعتذر به ذلك المولى. ويعتقد أن القاب مولانا هي أحرى بتلك المعذرة وأولى. فإنه نهر من بحر فضلكم الوافر. وغصن من دوح مجدكم الزاهر. على أن مولانا لا يتأثر مجده الرفيع بعدم انتصاب القلم في مقام المدح والاطرا. ولقد غنى مقامه المنيع عن أن يدع من رام حصر القابه يقدم لحصره رجلاً ويؤخر أخرى شعر
من كان فوق محل الشمس موضعه ... فليس يرفعه شيءٌ ولا يضع
نرجع إلى ما يجب من اهداء سلام تصدح به حمائم القلوب في خمائل الود وغياضه. وتترنم صوادح الأنس بفنونه على أفنان حدائق الاخلاص ورياضه. وأما الشوق إلى ذلك الجناب الكريم. والمحيا السامي الوسيم. فالشاهد العدل في اثباته ما استتر في ضميركم الذي لا يعتريه الزلل ولا يأتيه الباطل. فلذلك كان هو مغنى اللبيب عن التصدي لشره الذي يطول عن غير طائل.
وما شوق أعرابية بان دارها ... وحنت إلى بان الحجاز ورنده
بأكثر من شوقي إليكم وإنما ... رماني زماني بالبعاد بجده