بن علي بن المرتضى بن علي بن ماجد الحسيني البحراني أنا ابتدى هذا الفصل. بمن يرجع إليه الفرع والأصل. وأقدمه لنسبه الذي به تقدم. وإن كان مدح فالنسيب المقدم. هو أكبر من أن يفي بوصفه قول. وأعظم من أن يقاس بفضله طول. نسب يؤول إلى النبي. وحسب يذل له الأبي. وشرف ينطح النجوم. وكرم يفضح الغيث السجوم. وعز يقلقل الأجيال. وعزم يروع الأشبال. وعلم يخجل البخار. وخلق يفوق نسائم الأسحار. إلى ذات مقدسه. ونفس على التقوى مؤسسه. واخبات ووقار. وعفاف يرجع من التقى بأوقار. به أحيا الله الفضل بعد اندراسه. ورد غريبه إلى مسقط راسه. فجمع شمله بعد الشتات. ووصل حبله بعد البتات. شفع شرف العلم بظرف الأدب. وبعدر إلى احراز الكمال وانتدب. فملك للبيان عياناً. وهصر من فنونه أفناناً. فنظمه منظوم العقود. ونثره منثور الروض المعهود. ومما يسطر من مناقبه الفاخره. الشاهدة بفضله في الدنيا والآخره. أنه رحمه الله كان قد أصابته في صغره عين. ذهبت من حواسه الشريفة بعين. فرأى ولده النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منامه فقال له أن أخذ بصره فقد أعطى بصيرته ولقد صدق وبر صلى مه عليه وآله وسلم فإنه نشا بالبحرين فكان لها ثالثاً. وأصبح للفضل والعلم جارثاً ووارثاً. وولي بها القضاء. فشرف الحكم والامضاء. ثم انتقل منها إلى شيراز. فطالت به على العراق والحجاز. وتقلد بها الامامة والخطابه. ونشر حبر فضائله المستطابه. فتاهت به المنابر. وباهت به الأكابر. وفاهت بفضله السن الأقلام وأفواه المحابر. ولم يزل بها حتى أتاه اليقين. وانتقل إلى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين. فتوفى سنة ثمان وعشرين وألف رحمه الله تعالى وهذا محل نبذة من شعره. ونفثة من بيان سحره. ولا أراني أثبت منه غير اللؤلؤ البحراني وأخبرني بعض الأصحاب أنه كان أنشأ في يوم جمعة خطبة أبدعها. وأودعها من نفائس البراعة ما أودعها. فلما ارتقى ذروة المنبر. أنسي ما كان أنشأ وحبر.
فاستأنف لوقته خطبة أخرى ... وختمها بهذه الأبيات التي كست فنون
القريض فخراً وهي قوله
ناشدتك الله إلا ما نظرت إلى ... صنيع ما ابتدا الباري وما ابتدعا
تجد صفيح سماء من زمردة ... خضراء فيها فريد الدر قد رصعا
ترى الدراري بذاتين الجناح فما ... يجدن غب السرى عيا ولا ضلعا
والأرض طاشت ولم تسكن فوقّرها ... بالراسيات التي من فوقها وضعا
فقرّ طائشها من بعد ما امتنعا ... وانحط شامخها من بعد ما ارتفعا
وأرسل الغاديات المعصرات لها ... فقهقهت ملاء ثم اكتست خلعا
هذا ونفسك لو أمّ الخبير لها ... لأرتد عنها كليل الطرف وارتدعا
وليس في العالم العلويّ من أثر ... يحير اللب إلا فيك قد جمعا
وهذه الأبيات لو كانت عن روية لا فحمت مصافع الرجال فكيف وهي عن بديهة وارتجال. وقال يحن إلى الغد ووطنه. حنين النجيب إلى عطنه.
يا ساكني جدّ خفض لا تخطفكم ... ربب المنون ولا نالتكم المحن
ولا عدا زاهرات الخصب واديكم ... ولا أغب ثراه العارض الهتن
ما الدار عندي ولو ألفيتها سكناً ... يرضاه قلبي لولا الألف والسكن
مالي بكل بلاد جئتها سكن ... ولي بكل بلاد جئتها وطن
الدهر شاطر ما بيني وبينكم ... ظلماً فكان لكم روح ولي بدن
مالي ومالك يا ورقاء لا انعطفت ... بك الغصون ولا استعلى بك الفنن
مثير شجوك اطراب صدحت بها ... ومصدر النوح منى الهم والحزن
وجيرتي لا أراهم تحت مقدرتي ... يوماً والفك تحت الكشح محتضن
هذا وكم لك من أشياء فزت بها ... عني والزمنا في عولة قرن
وقال أيضاً متغزلاً
قالت ترحلت عنا قلت طيفكم ... عندي وقلبي لديكم غير منساق
ما فرق الدهر بين اثنين قد علقت ... يمين كل من الثاني بميثاق